قرض البنك الدولي.. هل ينتشل لبنان من أزماته الاقتصادية المتفاقمة؟

قرض البنك الدولي.. هل ينتشل لبنان من أزماته الاقتصادية المتفاقمة؟

“لدعم الأسر الفقيرة والمتضررين من الأزمة الاقتصادية” قدم البنك الدولي قرضا بقيمة 246 مليون دولار للبنان، في مفاجأة بالنسبة للبلد الذي يعيش أزمات طاحنة ويمتنع المقرضون عن إغاثته.

وحسب البنك الدولي، يخصص القرض لتمويل دفعات نقدية شهرية للأفراد بدلا من البطاقات التموينية، وتوسيع قاعدة الفقراء المستفيدين. وأدت أزمات لبنان المتراكمة إلى زيادة معدل الفقر الذي قدرته لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا “إسكوا” بنحو 55 بالمئة خلال 2020.

ومثّل القرض الذي تسلمه لبنان في 29 يناير/ كانون الثاني 2021، مفاجأة، في وقت يمتنع فيه الكثير من المقرضين عن إقراض لبنان، خاصة بعد أن أعلنت الحكومة في مارس/ آذار 2020، التعثر عن سداد سندات “اليورو بوند”، ما أثار مخاوف المقرضين.

وفي 8 مارس/آذار 2020، أعلن لبنان تخلفه عن سداد 1.2 مليار دولار من سندات اليورو بوند، وهي سندات خزينة صادرة بالدولار، وتحوز المصارف الخاصة والمصرف المركزي جزءا منها.

ويعد الباب الوحيد أمام البلاد للتمكن من الاقتراض ومنح المقرضين الثقة هو العودة إلى طاولة المحادثات مع صندوق النقد الدولي والوصول إلى اتفاق تمويلي إصلاحي معه.

“ليست انفراجة”
البعض اعتبر هذا القرض بداية انفراجة اقتصادية كونه أول القروض الممنوحة للبلاد بعد امتناعها عن دفع مستحقات اليوروبوند وهو الخطأ الذي اعتبره البعض تاريخي.

لكن رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، باتريك مارديني، يرى أن هذا القرض لا يعد حلا مشيرا إلى أن لبنان انفراجته تكمن في حل مشكلتين أساسيتين؛ وهما النمو والتضخم، لكن مساعدة البنك الدولي هي مساعدة آنية لتخفف من أعباء الأزمة على الفقراء وليست حل جذري للمشكلة.

وأضاف مارديني، لـ”الاستقلال”، أن النمو تراجع خلال عام 2020 وفق تقديرات البنك الدولي وصندوق النقد بنحو سالب 19 بالمئة وسالب 25 بالمئة على الترتيب، مما يعني ركود اقتصادي يؤدي إلى إغلاق مزيد من الشركات وتسريح العمالة، في وقت تشهد في الأسعار مزيد من التضخم.

وبالتالي فإن المواطن اللبناني الذي مازال يعمل ويتلقى راتبه بالليرة اللبنانية أصبحت القيمة الشرائية لراتبه أقل بكثير من قبل وبخاصة في ظل صعود قيمة الدولار مقابل العملة المحلية، “لذلك حل مشكلة الاقتصاد اللبناني لا يتم إلا من خلال حلول جذرية للنمو والتضخم”.

وفي 11 فبراير/ شباط 2021، أظهرت بيانات إدارة الإحصاء المركزي، التابعة لمجلس الوزراء اللبناني، ارتفاع معدل التضخم في لبنان إلى 84.9 بالمئة في عام 2020، من 2.9 بالمئة فقط في العام 2019.

وكشفت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “إسكوا” في تقرير لها، عن تراجع عدد العمال في لبنان بمعدل 25 بالمئة في العديد من القطاعات وإلى معدلات أكبر إذا استمرت الكورونا بالانتشار، لا سيما تراجع عدد عمال قطاعات البناء بـ23 بالمئة والبناء 40 بالمئة والفنادق والمطاعم 31 بالمئة والصناعة 27 بالمئة ما أدّى إلى انخفاض 20 بالمئة في العائدات الضريبية للموازنة.

وأشار التقرير الذي نشر في الثاني من فبراير/ شباط 2021، إلى أن مبيعات القطاع الخاص اللبناني في 2020 تراجعت بنسبة 45 بالمئة مقارنة مع 2019، علما بأن القطاع الخاص في لبنان يستحوذ على أكثر من 75 بالمئة من إجمالي أعمال الاقتصاد.

من جانبه يرى كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك “بيبلوس”، نسيب غبريل، أن هذا القرض يعد مرحلي ومتواضع لتلبية حاجات ماسة للمجتمع اللبناني خصوصا للطبقات الفقيرة والعائلات المحتاجة.

وأكد غبريل، لـ”الاستقلال”، على ضرورة التوصل لاتفاق إصلاحي تمويلي مع صندوق النقد الدولي، لكي تبدأ السيولة تعود بشكل تدريجي إلى الأسواق اللبنانية من الخارج.

غرق الليرة
ورغم المحاولات الدولية للتخفيف على المواطن اللبناني والفقراء تحديدا من خلال تقديم قروض ومساعدات، إلا أن حاكم مصرف لبنان يريد الاتجاه نحو تعويم العملة التي يرى الخبراء أنها وقود التضخم الحاصل وأن تعويمها يعني غرق العملة وبالتالي مزيد من الفقراء.

ودعا حاكم مصرف لبنان في 8 يناير/كانون الثاني 2021، إلى الاتجاه نحو تعويم سعر صرف الليرة اللبنانية، مؤكدا على أن عصر تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار “انتهى”، ويعد هذا الأمر أحد أبرز شروط صندوق النقد الدولي.

وارتفع معدل الفقراء في لبنان في العام الماضي 2020 إلى 55 بالمئة، وارتفع معدل الذين يعانون من الفقر المدقع بثلاثة أضعاف، من 8 بالمئة إلى 23 بالمئة، نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادّة التي يمر بها وارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا، وذلك وفقا لتقرير نشرته لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (الإسكوا) في 19 أغسطس/ آب 2020.

واعتبر مارديني، أن سعر صرف الليرة اللبنانية عائم بالسوق السوداء، مشيرا إلى أن سعر صرف الليرة أمام الدولار ظل مثبتا عند 1500 حتى نهاية عام 2019 إلى أنه وصل الآن إلى نحو 9000 ليرة لكل دولار.

وتابع: “وبالتالي يمكن القول بأن لبنان اليوم في نظام عائم غير رسمي، مع تدخل المصرف المركزي، بمعنى أن المصرف المركزي يتدخل في سعر الصرف من أجل تأمين دولارات للتجار الذين هم بحاجة إليه لإستيراد المواد الأساسية فيما يسمى بالسلع المدعومة”.

ويبلغ سعر الدولار الواحد في السوق الموازية 8780 ليرة، مقابل 1515 في السوق الرسمية.

وأكد باتريك، أن تعويم الليرة اللبنانية بشكل رسمي سيزيد من حدة الأزمة لأنه سيؤدي إلى تدهور أكثر لليرة، مما يعني مزيد من التضخم في الأسعار ومن ثم مزيد من أعداد الفقراء، وبخاصة أن الليرة فاقدة لثقة حامليها وبالتالي بمجرد الإعلان عن تعويم العملة المحلية سيسرع المواطن اللبناني في تحويل أمواله إلى الدولار.

فمن الطبيعي أن يشهد لبنان مزيد من التدهور للعملة المنهارة وبخاصة في ظل عدم استقلالية السياسة النقدية عن الحكومة والسياسيين، وكذلك في ظل طباعة الليرة من قبل المصرف المركزي لتمويل النفقات العامة وعجز الموازنة، وبالتالي التعويم هو ليس حل هو تعميق للمشكلة.

يأتي ذلك في ظل تفاقم الدين العام بالبلاد والذي بلغ حتى نهاية سبتمبر/ أيلول 2020، نحو 95 مليار دولار، بحسب أرقام الدولية للمعلومات (شركة خاصة).

ووفق بيانات صندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلي الذي وصل 53 مليار دولار في 2019، من المتوقع أن ينخفض بشكل غير مسبوق إلى 18 مليار دولار مع نهاية 2020 (لم تعلن الأرقام بعد).

تعويم وآثار سلبية
بينما يرى غبريل، أن تعويم الليرة اللبنانية يأتي في سياق النظرة المستقبلية نحو البرنامج الإصلاحي المتكامل، مشيرا إلى أن لبنان لديه أكثر من سعر صرف الليرة مثل سعر الصرف الرسمي للدولار وسعر صرف السحوبات المصرفية للدولار وسعر صرف السوق السوداء وسعر صرف المنصة الإلكترونية لمصرف لبنان وسعر صرف دعم الاستيراد للمواد الأساسية والغذائية.

وبالتالي في ظل هذا الإطار لن ينتعش الاقتصاد دون توحيد سعر صرف الليرة من خلال تعويم العملة المحلية، ليكون المحدد الرئيس لسعر الصرف هو آلية العرض والطلب.

وأكد غبريل، على أن انتهاج سياسة التعويم تتطلب ضرورة تطبيق خطوات استباقية لضمان نجاحها دون أن تتسبب في إحداث أزمة للفقراء، وهي ضرورة وجود سيولة مالية وعودة النشاط الاقتصادي ووجود احتياطي أجنبي كافي من العملات الأجنبية، مما يتيح نوع من التوازن والاستقرار في سعر الصرف.

وانعكست الأزمة الاقتصادية على المواطن اللبناني بشكل مباشر، فوفق بعض الخبراء فإن أكثر من 70 بالمئة من اللبنانيين يتقاضون مدخولهم بالليرة اللبنانية، في وقت يرتبط سعر معظم المواد الغذائية في لبنان بالدولار الأمريكي، إذ يستورد لبنان معظم هذه المواد.

فيما المواد الغذائية المصنّعة محليا، تتطلب الكثير من المواد الأولية المستوردة أيضا، ما يجعلها مرتبطة أيضا بمسألة سعر صرف الدولار الأمريكي وانهيار الليرة اللبنانية أمامه، وبالتالي يمكن القول بأن السلة الغذائية للمواطن اللبناني تأثرت سلبا بشكل كبير نتيجة تراجع القدرة الشرائية.

وكان آخر ما طاله المواطن اللبناني من هذه الأزمات هو رفع سعر الخبز اللبناني “الأبيض” المنتج والمباع في السوق المحلية، بعد ارتفاع سعر الطحين وسعر صرف الدولار، ونفاد منحة طحين عراقية.

وأوضح مارديني، أن اليوم أصبح المواطن هو الضحية في ظل ما يعيشه من أوضاع مأساوية جدا، والتي يقابلها حالة من الجمود من قبل صانعي القرار، فلا يوجد أي إصلاح اقتصادي حقيقي من قبل السلطات اللبنانية.

وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية في تقرير، في 13 يناير/ كانون الثاني 2021، إن فساد وعدم كفاءة السلطات هو “السبب وراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والحقوقية في لبنان”.

وقدم الخبير الاقتصادي الأميركي، ستيف هانكي، خلال مقابلة له على قناة LBCI، في 28 ديسمبر/كانون الأول 2020، حلا لوقف تدهور الليرة خلال 30 يوم.

هذا الحل يأتي عن طريق اعتماد مجلس نقد يعمل على خلق نوع من التوازن بين الليرة اللبنانية والدولار ومنع طباعة أي ليرة دون وجود غطاء نقدي لها، وذلك في إطار قواعد واضحة وشفافة، مما يسمح بإعادة الثقة لليرة وعودة التحويلات اللبنانية للبنان ومن ثم عودة الاستقرار الاقتصادي وارتفاع القدرة الشرائية تدريجيا.

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع الاستقلال