تحذيرات من ضريبة «التضامن الوطني» على الحسابات المصرفية 

تحذيرات من ضريبة «التضامن الوطني» على الحسابات المصرفية 

تضمّن مشروع موازنة عام 2021 ضريبة جديدة في لبنان سميّت ضريبة «التضامن الوطني» تُفرض لأوّل مرة على رؤوس الأموال بهدف زيادة إيرادات الخزينة التي تشهد تراجعاً ملحوظاً.

ومن المفترض أن تعود هذه الضريبة بنحو ألف مليار ليرة على الخزينة، إلا أن هذا الأمر لن يحصل، بحسب ما يرى الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، الذي يشير في حديث مع «الشرق الأوسط»، إلى أنّه في كلّ مرّة تعمل فيها الدولة على زيادة إيراداتها عن طريق الضرائب يتراجع مدخولها الضريبي، وهذا ما سيحصل مع ضريبة التضامن الوطني، إذ إنّه في ظل وجود قانون السريّة المصرفيّة، يمكن لأصحاب الحسابات التي تفرض عليها الضريبة تقسيم الحسابات على عدد من المصارف فتصبح حساباتهم ضمن الفئة المعفاة، كما أنّ هذه الضريبة جاءت بعدما هرّب أصحاب الرساميل الكبيرة أموالهم إلى الخارج.

وكان مشروع الموازنة حدّد هذه الضريبة التي ستفرض لمرة واحدة على قيمة كل حساب دائن مفتوح لدى المصارف اللبنانية، بنسبة 1 في المائة عن كل حساب تبلغ قيمته مليون دولار ولا يتجاوز 20 مليون دولار، و1.5 في المائة عن الحساب الذي يزيد على 20 مليون دولار ولا يتجاوز الـ50 مليون دولار، و2 في المائة عن الحساب الذي يزيد على 50 مليون دولار.

وفيما خصّ الحسابات بالليرة اللبنانية، حدّدت هذه الضريبة بـ1 في المائة عن كل حساب تتراوح قيمته بين 1.5 مليار و30 مليار، و1.5 في المائة على الحساب يزيد على 30 مليار ليرة ولا يتجاوز الـ75 مليارا، و2 في المائة على الحساب الذي يزيد على 75 مليار ليرة، على أن يعمد المصرف إلى اقتطاع هذه الضريبة لصالح خزينة الدولة ضمن مهلة أقصاها شهران من تاريخ إقرار قانون الموازنة وبعملة الحساب.

ولم تحدّد الموازنة سعر الصرف الذي سيتم اعتماده لحسابات الدولار في ظلّ وجود ثلاثة أسعار، الرسمي 1500 للدولار الواحد، ومنصة مصرف لبنان 3900 وسعر السوق السوداء يقارب حالياً الـ9000، وهنا يشير مارديني إلى أنّ الموازنة على الأرجح اعتمدت السعر الرسمي في جميع أرقامها، وهو ما يجعل هذه الأرقام غير واقعية.

واعتبر مارديني أن فرض هذا النوع من الضرائب هو تغيير كبير يشهده الاقتصاد اللبناني ويجعل لبنان ضمن الدول التي «تُعاقب» الادخار وتشجّع على هروب رؤوس الأموال ووقف استقطابها، ما يعني الحدّ من فرص الاستثمار في لبنان في مختلف القطاعات، وذلك في وقت لبنان بات بأشد الحاجة لهذه الاستثمارات، مضيفاً أنّ فرض هذه الضريبة يفتقر إلى رؤية اقتصادية متكاملة وجاء على مبدأ يفكّر في سد عجز آني من دون الانتباه إلى أثره على الاقتصاد بكامله، حتى ولو كان الأمر لمرة واحدة، فهذا النوع من الضرائب سيجعل المستثمرين يتجنبون لبنان خوفاً من الاقتطاع من رؤوس أموالهم.

واعتبر مارديني أنّ هذه الضريبة التي تبدو للوهلة الأولى عادلة، إذ إنها تصاعدية وأعفت رؤوس الأموال تحت مبلغ معيّن، فإن أثرها سيكون أكبر على الفقير، وذلك بسبب توقف الاستثمارات التي تخلق حركة اقتصادية وفرص عمل وأيضاً لما لهذه الخطوة من دور في زيادة التضخّم عن طريق تسييل مبالغ كانت مجمّدة في المصارف واستخدامها بالليرة اللبنانية، ما يساهم في رفع سعر الدولار في السوق السوداء.

ووضع البعض هذه الخطوة في إطار إفادة المصارف على حساب المودع، وذلك لأنّها ستقلل من مجمل الودائع التي يطالب بها أصحابها، وثانياً لأنّ مصرف لبنان سيعمل على اقتطاع النسبة بعملة الحساب نفسه، أي أنه سيقتطعها بالدولار من حسابات الدولار ويحوّلها لخزينة الدولة بالليرة اللبنانية ما يمكّنه من تأمين دولار يُسدّد فيه من ديونه للمصارف، الأمر الذي يستغربه المصرفي والخبير الاقتصادي نسيب غبريل واصفاً الحديث عن أي استفادة للمصرف المركزي والمصارف بغير الصحيح أبداً، ولا سيّما أنّ تراجع حجم الودائع في المصارف خلال العامين الماضيين لا يمكن أن يقارن بالحجم الذي سيحدث مع اقتطاع النسب المنصوص عليها بمشروع الموازنة، لافتاً في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ هذه الضريبة أدرجت في الموازنة من دون استشارة جمعية المصارف أو المودعين.

وفي حين أشار غبريل إلى أنّه ليس ضدّ فرض هذه الضريبة، شدّد على ضرورة معرفة وجهة صرفها، فهل ستكون لمساعدة أهالي ضحايا انفجار المرفأ أم لدعم القطاع الصحي، إذ إنّ من حق المودعين أن يعرفوا مع من يتضامنون وأين ستذهب الأموال التي اقتطعت منهم.

وأشار إلى أنها المرة الأولى التي تكون فيها الضرائب على الودائع مع العلم بأنّ الضرائب على الفوائد ارتفعت مرتين، خلال أقل من سنتين من 5 في المائة إلى 7 في المائة ومن ثم إلى 10 في المائة أي 100 في المائة، واليوم تأتي الدولة لتفرض ضريبة أخرى على المودعين من دون تقديم حوافز لهم، وذلك بعد تراجع ضرائب الفوائد التي كانت تشكّل 70 في المائة من ضريبة الدخل.

ويشدّد غبريل على أنّ هذه الضريبة أتت خارج إطار التصحيح المالي، ثم إن الضرائب آخر ما يتمّ اللجوء إليه لزيادة إيرادات الدولة، إذ لا بدّ من وضع خطة إصلاحيّة وإعادة الحيويّة والثقة للاقتصاد اللبناني والعمل على الإصلاحات المطلوبة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وسأل غبريل إن كانت الموازنة لحظت موضوع التهريب عبر الحدود والتهرب الجمركي وكذلك التهرّب الضريبي الذي اكتفت الموازنة بذكره مع العلم بأنّ 30 في المائة من الاقتصاد في لبنان غير رسمي أي أن هناك مؤسسات تعمل بشكل طبيعي وتجني أرباحاً وليس لديها رقم ضريبي.

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع الشرق الأوسط