الخبير المالي باتريك مارديني لـ”أحوال”: إذا لم يُتخذ القرار في الإصلاح الاقتصادي هذا العام، فإن لبنان مقبل على أزمات اقتصادية ومالية قد تستمر لأكثر من 10 سنوات
أثبت المسؤولون اللبنانيون، حتى اليوم، فشلهم في إدارة الأزمات، فساقوا البلد من خلال قراراتهم العشوائية إلى الإنهيار، ووقفوا بعد ذلك متفرّجين عاجزين عن إنقاذه.
الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان اليوم هي الأسوأ على الإطلاق، حيث تدنّت قيمة العملة الوطنية وارتفعت أسعار السلع بشكل كبير، وفُقدت العملات الأجنبية من السوق، ليتبع ذلك المزيد من الارتفاع في نسب الفقر في البلد.
وفي ظل كل ذلك، هناك بارقة أمل تتمثّل بـ”مجلس النقد” أو ما يُعرف بالـCurrency Board، وهي عبارة عن سياسة نقدية تعتمد على قواعد واضحة وشفّافة، تتّبع قوانين معيّنة من شأنها أن توقف عملية إصدار النقد اللبناني بـ”اسنتسابية” – وهو ما يحصل حاليًا – فتضع قواعد محدّدة جدًا لإصدار هذا النقد.
رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، الخبير المالي د. باتريك مارديني، عرض على أعضاء لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة والتخطيط، برئاسة النائب د. فريد البستاني، الدراسة التي أعدها حول الـ Currency Board، والتي تقوم على “وضع النظم الضرورية لمراقبة عملية إصدار النقد بالليرة اللبنانية”، وذلك خلال اجتماع عُقد أمس عبر تقنية الـ Zoom، بحضور مقرّر اللجنة النائب علي بزي، والأعضاء: ألكسي ماتوسيان، ميشال ضاهر، شوقي الدكاش، علي درويش، إدغار طرابلسي، أنطوان بانو، آلان عون وسيزار أبي خليل، حيث عمد مارديني إلى شرح هذا القانون وتفصيله وإبراز أهميته في إنقاذ الاقتصاد اللبناني.
وفي حديث لـ”أحوال”، لفت مارديني إلى أن هذه الدراسة أعدّها بالتعاون مع أستاذ الاقتصاد التطبيقي في “جامعة جونز هوبكنز” في “بالتيمور”، وهو أحد أهم الخبراء الدوليين في اختصاص مجالس النقد والدولرة حول العالم، “البروفيسور ستيف هانكي”، وذلك بعد نقاش دار بينهما حول وضع لبنان والليرة اللبنانية، والتي باتت تُصنّف بـ”العملة المضطربة”، أي العملات المحلية التي تفقد الكثير من قيمتها، كعملات بعض البلان ممثل زيمبابوي وفنزويلا والسودان وسوريا، حيث رأى هانكي أن الحل الأمثل لهذه الأزمة هو اعتماد “مجلس النقد”، الذي من شأنه أن يوقف غلاء الأسعار وارتفاع سعر صرف الدولار، وبالتالي يمنع المزيد من الانهيار الاقتصادي ويحدّ من نسبة الفقر في لبنان.
من هنا، أكّد د. مارديني في حديثه لموقعنا أنه ووفقًا لقانون “مجلس النقد”، لن تكون عملية إصدار النقد “استنسابية”، إنما ستصبح وفق قواعد معيّنة ومحدّدة، أبرزها قاعدتين أساسيتين هما:
أولًا: يحقّ للمصرف المركزي إصدار العملة المحلية، أي الليرة اللبنانية، فقط في حال كانت قيمتها مغطّاة من العملات الأجنبية بنسبة 100%، أي بما معناه إذا أُدخلت عملات الاحتياط – وهي في لبنان الدولار – إلى المصرف المركزي، يمكن للأخير إصدار قيمة هذه العملة بالليرة اللبنانية، والعكس صحيح.
ثانيًا: في حال تم إدخال الدولار إلى المصرف المركزي وعمل الأخير على إصدار مقابله الليرة اللبنانية، لا يحقّ للمصرف التصرّف بالدولار الموجود لديه أو استعماله لشراء “سندات خزينة” مثلًا، بل يجب أن يبقى الدولار موجودًا في صندوق المصرف.
أهميّة الـCurrency Board
أما أهمية هذا القانون، وفقًا لــ”مارديني”، تتمثّل في زيادة الاحتياط من العملات الأجنبية في البلد، تثبيت واستقرار سعر الصرف وما يتبع ذلك من انخفاض في الأسعار، وبالتالي المساهمة في تدفّق رؤوس الأموال إلى البلد وإطلاق العجلة الاقتصادية، مشيرًا إلى أن جميع التجارب التي حصلت في البلدان التي كانت تعاني من أزمة “اضطراب العملة” واعتمدت الـCurrency Board تكلّلت بالنجاح، وعاد اقتصادها إلى السكة الصحيحة.
العوائق التي قد تعترض إقرار القانون واعتماده
رغم أهمية هذا القانون وقدرته على انتشال البلد من أزمته الاقتصادية الخانقة، يرى الخبير المالي د. مارديني أن العائق الوحيد أمام اعتماده قد يكون في عدم وجود المعرفة الكافية حوله لدى المعنيين، من نواب ووزراء، أو ربما عدم دراية أهمّيته في إنقاذ البلد، “وهذا ما أحاول القيام به، أي تفنيد القانون وشرحه بالتفصيل أمام المعنيين لإقراره واعتماده في أسرع وقت ممكن، كي لا يكون هناك أي مبرّر لدى هؤلاء لعدم اعتماد الـCurrency Board”، بحسب قوله، منبّهًا في ختام حديثه لموقعنا إلى أنه في حال لم يُتخذ القرار في الإصلاح الاقتصادي هذا العام، فإن لبنان مقبل على أزمات اقتصادية ومالية قد تستمر لأكثر من 10 سنوات، “وعندها لا ينفع الندم”.