حرب على “الحاكم”…والمحكوم!

حرب على “الحاكم”…والمحكوم!

أن يُعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر صراحةً أنّ إدارته “عملت بشكل جيد مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامه في قضايا العقوبات على المصارف وأنّ سلامه تعاون معهم في إغلاق حسابات لـ”حزب الله” ففي ذلك دليل إدانة وتخوين كافٍ للحاكم من صوبِ “حزب الله”. يمكن إدراج كلام شينكر في احتمال من اثنين لا ثالث لهما: فإما أنّ الادارة الأميركية تغمز أنّ سلامه لا يزال رجل الولايات المتّحدة وبالتالي ممنوعٌ المسّ به (وهو المرشّح والمنافس الرئاسي الدائم)، وإما ان هذه الادارة قد انتهت فعليّاً من الحاكم وغسلت يديها منه لتورّطه سياسياً بجرمين أولهما التواطؤ على الحزب وثانيهما إخفاقه بالهندسات المالية…

في مؤتمره الصحافي أمس، صوّر الحاكم نفسه طرفاً بمواجهة رئيس الحكومة حسان دياب. بذلك، تأكّد المؤكّد…الحرب عليه سياسيّة وبذلك لا يكون المسؤول الاوحد عن كلّ ما يجري بل انما شريك بارز تماماً كالسياسيين الذين نهبوا وسرقوا وهدروا المال العام وما زالوا مستمرّين على كراسيهم. على خطّ البرنامج الحكومي، خمس دقائق هي كلّ ما أعطته الحكومة مُمثّلة برئيسها وبوزرائها المعنيين، للخبراء الاقتصاديين من أجل مناقشة ملاحظاتهم على مسوّدة خطتها أواخر الاسبوع المنصرم. بدا اللقاء الذي لم يدم طويلاً بمثابة رفع عتب من الجانب الحكومي، وقد افتقر الى شرح الشكل النهائي الذي سيتخذه برنامج الانقاذ ليكتفي الحاضرون عن مجلس الوزراء بتكرار ايجابية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لكن من دون التطرق الى تأثير الوضع السياسي على الاقتصاد.

دُعي الاقتصاديون الى طاولة حوار على أساس مناقشة المسودة بنسختها الثانية المعدّلة، لكن النقاش تمحور في الحقيقة حول النسخة المسربة عينها التي لم تلحظ أي تغيير الا على مستوى الشكل. خلال اللقاء منعت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد التي كانت تدير الجلسة الخبراء من إطالة الشرح مراراً لتبقى أسباب الخسائر التي سجلها البنك المركزي ومكامنها، ومصير الاموال المقترضة من مصرف لبنان لدعم السيولة بدلاً من الاقتصاد المنتج…كلها من دون أن تُعار الاهتمام الكافي. أمس سُرّبت المسوّدة الثانية للخطة بعدما عُرضت للمناقشة خلال اجتماع مجلس الوزراء يوم الثلاثاء حتى يُصار الى إقرارها في جلسة اليوم. باختصار، لم تكن الدعوة الا مجرّد رفع عتب. ليست الخطة في باطنها خطة، بل انها وسيلة تصفية حسابات مع البنك المركزي وحاكمه من قبل الحكومة ومن يحرّكها. ومن وجهة نظر حكومية، آن الاوان للـ”كش ملك” فمن يدير دفة هذه الحكومة هو “حزب الله” الذي أصبح مخنوقاً بعد وضع اليد على أموال رجال الاعمال الشيعة- كما والسوريين والتي تتخطى قيمتها وفقاً لمصدر مطّلع الـ7 مليارات دولار. وفي هذا السياق تشدّد أوساط متابعة لـ”نداء الوطن” على أنّ ما بين سطور الخطة خطير للغاية لناحية النيّة الممنهجة لوضع اليد على النظام المصرفي لتحقيق مآرب سياسية لا يمكن إدراجها الا في خانة “الانتقام” من رياض سلامه…

الحلّ بحلّ المركزي

على صعيد الورقة الحكومية في شقّها التقني، يوضح الخبير الاقتصادي باتريك مارديني في حديث مع “نداء الوطن”، انّ “الخطة في جزئها المالي، تسعى الى اقتطاع 62% من ديون الدولة. هذه الاموال هي أموال الناس المودعة في المصارف، كما وتهدف الخطة الى زيادة الضرائب في حين يبقى ملف الكهرباء والاتصالات كما المياه واستراتيجية السدود كما هي ومن دون أي معالجة”.

ويضيف مارديني “بحسب الخطة المقترحة، لا مهرب من الـhaircut لكن ذلك سيترافق مع استمرار بزيادة المصاريف ما ينذر بالعودة الى تكديس الدين العام، وبهذه الطريقة يكون المودعون قد خسروا الجزء الاكبر من أموالهم لكن من دون أي جدوى. أما في موضوع النفقات،لا سيّما تلك المرتبطة بالقطاعات الخدماتية ذات الطابع التجاريّ التي تملكها الدولة، فقد آن الأوان لنقل هذه المصاريف التشغيليّة من عاتق الدولة الى القطاع الخاص. فالخسائر الاكبر متأتية من القطاع العام، وذلك يعني ان عليه تحمل جزء منها بدلاً من تحميلها الى المودعين.

وفقاً لمارديني، “يجب من حيث المبدأ تعويم سعر الصرف. لكن في وضع لبنان الحالي، وفي ظل عدم استقلالية البنك المركزي لا يعتبر قرار التعويم صائباً. لذا، يمكن خفض سعر الصرف على اساس سنوي على ان يترافق ذلك مع الغاء مصرف لبنان واستبداله بمجلس نقد currency board لا يحظى بسلطة تمويل الدولة كما ولا يملك صلاحية طبع الليرة الا اذا امتلك احتياطياً بالعملات الاجنبية. فالتعويم في ظل وجود سياسة مالية-نقدية غير مستقلة، سيؤدي الى خفض متواصل لسعر الصرف.

الى ذلك، لا تحدد الخطة الفئة التي سيشملها الهيركات. حُكي ان الاقتطاع سيطال الودائع التي تتخطى قيمتها الـ 500 ألف دولار. وهنا أودّ الاشارة الى أنه لو لم يتحمل القطاع المصرفي النتائج التمويلية للقطاع العام لتمكن من امتصاص خسائر الـ 12 مليار دولار الناجمة عن قروض القطاع الخاص المشكوك بتحصيلها. لكن مع تمويله خسائر الدولة، البالغة 70 مليار دولار (خسائر مصرف لبنان والمالية العامة) فهو بالتأكيد سيقف عاجزاً”.

ويقول مارديني: “صحيح أن لا مهرب من إعادة رسملة المصارف لكن وبموازاة ذلك، على كل من استفاد من الهندسات المالية ان يخضع لهيركات على الفوائد. في الواقع، تتطرّق الحكومة الى تشكيل لجنة لاعادة هيكلة المصارف عن طريق دمج قسري وهذه المسألة خطيرة وتطرح امكانية ضخّ سيولة من قِبل المركزي الى المصارف “المدعومة” لشراء تلك غير المدعومة. في هذا السياق، أودّ الاشارة الى ان فكرة اعادة هيكلة القطاع المصرفي غريبة خصوصاً وان الدولة هي المسؤول الاول عن هذه الخسائر”.

بالارتكاز الى مؤتمر الامس، وحالة التخبّط والضياع في الارقام، يبدو أن الحكومة قد بنت خطّتها المالية والاقتصادية للنهوض، على بيانات مبهمة وغير دقيقة(ما يُفسّر تبدّل الارقام الشاسع بين المسودة الاولى والثانية وفي غضون أسبوع واحد). بذلك تبقى القابلية التطبيقية للخطة غير واضحة الا في ما خص اعادة الهيكلة للنظام المصرفي ليس لما فيه خير القطاع والاقتصاد بل لمآرب وأجندات انتقاميّة خاصة.

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن