إقتصاد مُتعثّر والوضع إلى تأزّم
يمرُّ لبنان في وضع إقتصادي دقيق جدًّا لاسيّما وأنّه يؤثّرُ سلبًا على الحياة الإجتماعيّة، والسياسيّة في البلد، والصعوبة التي تكمُن في هذا الوضع هي التعقيدات التي تحلُّ على قطاع الإستثمارات والذي يُعدُّ المُحرّك الأبرز للعجلة الإقتصاديّة، وذلك بشهادة البنك الدولي
وفي حديثٍ خاصّ لـِ موقع “لبنان الجديد”، مع رئيس المعهد اللّبنانيّ لدراسات السوق، الدكتور باتريك مارديني، رأى أنّ الوضع الإقتصادي في لبنان جدًّا سيّء، قائلًا:” السنة المُنصرمة توقّعنا نموًّا إقتصاديًّا تقريبًا 2% غير أنّ في الحقيقة كان 0.2%، فاليوم لبنان يُعاني من تباطؤ إقتصادي لافت جدًّا، ونحن نتكل على السياحة في لبنان، فتوقّعنا أن تزيد نسبة السياحة نحو 10% في2018 إلّا أنّها كانت فعليًّا 5.8% أمّا بالنسبة لقطاع البناء فهو جامد وهو في تراجع، تبيّن أنّه تدنّى نحو 5.3%، كلّ هذه الأرقام هي خير دليل على أنّ هناك تباطؤ حقيقي في النموّ الإقتصادي اللّبنانيّ”.
وصوّر مارديني، في معرض حديثه الخطورة في نسبة هذه الأرقام التي وصفها بالـ “كارثيّة”، وتابع:”هناك شريحة واسعة من اللّبنانيّين عاطلة عن العمل، أمّا من جهة أخرى هناك شركات تقوم بتسريح موظفيها لتخفيف نفقاتها، وهذا الوضع متوقع أن يبقى على هذا المنوال بل أيضًا أن يتفاقم فكانت توقعات النموّ لـِ عام 2019 ما بين 1 إلى 2%، إلّا أنّني أتوقّع بأنّ يمرّ لبنان في إنكماش إقتصاديّ، أيّ أن يكون النموّ الإقتصاديّ سلبي، وللصراحة أنا مُتشائم جدًّا لـِ عام 2019 ، وذلك بسب المُعطيات الإقتصاديّة التي هي متوفّرة أمامنا”.
عن سبب التباطؤ الإقتصادي في عام 2018، ردّ:” هناك أسباب عدّة وأبرزها، زيادة الضرائب، فهذه الرزمة من الضرائب أدّت إلى إرتفاع الفوائد لاسيّما وأن الشركات أصبحت تدفع مبالغ طائلة للمصارف أو للدولة، فبالتالي شعرت هذه الشركات أنّه أفضل لها أن تستثمر خارج لبنان، فمعظم الشركات التي أقفلت في لبنان أعادت نشاطها في الخارج في أفريقيا مثلًا العراق، تركيا، قبرص، ومصر، فهناك مُنافسة شديدة بين لبنان ودول المنطقة من جهة إستقطاب الإستثمارات، خصوصًا وأنّ الإستثمارات هي التي تخلق العمل وتُحرّك العجلة الإقتصاديّة.
وشرح:” تنافسيّة لبنان مقارنةً بدول المنطقة، متراجعة بشكل كبير جدًّا، فالدول الأخرى تقوم بتحسين وتطوير إستقطاب المُستثمرين، على عكس لبنان فهو يعملُ على زيادة الضرائب لأنّ السياسة المُعتمدة في لبنان هي على زيادة الضرائب”.
واعتبر مارديني أنّ السبب الثاني الذي أدّى إلى التباطؤ الإقتصادي هو “الخطوة التي اعتمدها مصرف لبنان المركزي من خلال توقيف القروض المدعومة”، موضّحًا “اليوم نحنُ في إنكماش نقدي ومالي أدّى إلى إنكماش إقتصادي، وهذا الوضع هو بشكل عامّ”.
عن مؤشر سهولة القيام بالأعمال، أجاب:”سهولة القيام بالأعمال وفق البنك الدولي، وصلت مرتبة لبنان عام 2018 إلى 142 من أصل 190 دولة، أيّ اليوم هناك 141 دولة تُشجّع الشركات للإستثمار على أراضيها ومن بينهم قطاع غزّة”.
هل أنتم تدركون أنّ هناك سهولة بإنشاء إستثمارات في إيران والضفّة، وقطاع غزّة بدلًا من لبنان، اليوم لبنان يخسر شيئًا فشيئًا مركزه في إستقطاب الأعمال وأوّد الإشارة إلى أنّ الأعمال هي التي تخلق الوظائف وتُحرّك العجلة الإقتصاديّة.
ويشترِطُ مارديني لتحفيذ الشركات على الإستثمار داخل لبنان “أن يكون هناك تجارة حرّة حقيقيّة، وليس التضييق عليها عبر إجراءات مثل فرض ضرائب على إستيراد الألمنيوم من الصين والإمارات، والتي تؤثّر سلباً على جذب الشركات والإستثمارات”.
وأوضح”:اليوم لبنان ينحدر مستواه في مراكز الإستقطاب، عام 2017 كان في مرتبة 133 إلى اليوم142، ففي عام 2008 كان لبنان يحتلّ المرتبة 101، في 10 سنوات خسرنا 41 مرتبة، يعني أنّ هناك 41 دولة طوّرت إستثماراتها ونحن تراجعنا”.
وعن إرتفاع ضريبة القيمة المُضافة إلى 15%، ردّ:” هناك أحاديث في هذا الموضوع إلّا أنّ الزيادة ستكون في 2020 أو 2021، وهذا الحديث هو مطروح على الطاولة غير أنّ التاريخ ليس واضحًا أو دقيقًا”.
في رأي مارديني أنّ الحكومة ترتكبُ خطأ كبيرًا، قائلًأ:” مُشكلتنا في لبنان هي مُشكلة عجز فالدولة لبنانيّة تصرفُ أكثر من مدخولها ولحلّ مُشكلة العجز يجبُ تخفيض النفقات، أي الدولة تصرف أقلّ، السنة المُنصرمة حاولت الدولة رفع الضرائب لرفع الواردات إلّا أنّ هذه الحاولة فشِلَت، فعندما قمنا بحزمة ضرائب جديدة السنة الفائتة على الفوائد وضرائب على أرباح الشركاتـ فبدل من أن يرتفع مدخول الدولة إنخفض لأنّ عندما إرتفعت الضرائب الشركات غادرت لبنان وحتى لو زدنا الضرائب مدخول الدولة لن يرتفع أبدًا هذا المفهوم هو غير صحيح نهائيًّا وبالتالي هذا المفهوم لن يحلّ مُشكلة العجز بتاتًا”.
وبحسب مارديني فإنّ الحلّ لمُشكلة العجز في لبنان هو تخفيض النفقات، مُبرهنًا أنّه:”يجبُ على كافّة القوى السياسيّة أن تجتمع وأن يجتمع الوزراء وأن يقوموا بتخفيف مشاريعهم. فالدولة اللّبنانيّة لا تملكُ أموال لتموّل هذه المشاريع وأنا برأي أنّ هذه المشاريع ليس من الضروري أن يتوقفوا إنّما بدل ما أن نُحمّل كلفتهم إلى الشعب اللّبنانيّ يُمكن القطاع الخاصّ أن يكون هو المُموّل لكيّ يستفيد القطاع وهذا أصلًا هو مطلوب من سيدر خصوصًا وأنّ هذه الخطوة تُخفّف المصروف”.
وعن الإصلاحات المطروحة، شدّد على أنّ اليوم ليس هناك إصلاحات لتحسين الوضع الإقتصادي في لبنان، اليوم الإصلاحات المطروحة من جانب الحكومة هي لتخفيض عجز الموازنة، فاليوم عندما نتحدّث عن إصلاحات في الوضع الإقتصادي نتحدّث عن نموّ إقتصاديّ في إنتاج لبنان أي الشركات تأتي لتستثمر داخل الأراضي اللّبنانيّة هذه الإصلاحات التي تُحسّن النموّ هي غير مطروحة فلبنان تراجع على مقياس نموّ الأعمال والشركات قد أقفلت أبوابها، أمّا تخفيض العجز هو شيء مُختلف تمامًا وأنا برأي لا يوجد عمل كافي ولم تُخفّف الدولة عن المواطن من العجز الضريبي”.
وأشار مارديني خلال حديثه إلى “أنّ مؤتمر سيدر هو المُحفّز الأساسي لإجراء الإصلاحات”.
وتوقّع مارديني:” إذا لم نقم بإصلاحات التي سبق وذكرتها أيّ مشاريع الدولة أن تُنقل للقطاع الخاصّ وهكذا نُخفّف العجز الضريبي، البلد هو يتّجه نحو كارثة إقتصاديّة وسيدر هو نوع من تشجيع إلى الإصلاحات التي كان من المفروض أن نقوم بها في السابق”.