تَعدُ خطة الكهرباء المواطنين بتأمين كهرباء 20 ساعة يومياً بدءاً من حزيران بما يساهم في الاستغناء عن المولدات الكهربائية التي كانت تكلف المواطن 350 ليرة للكيلواط/ ساعة، على ان يدفع مقابل الكيلواط الواحد من البواخر 190 ليرة. ولكن ما لا يعرفه المواطنون أن مشروع موازنة 2017 رصد 2100 مليار ليرة لدعم للكهرباء اي ما يعادل 1.4 مليار دولار، كما تقدّمت وزارة الطاقة بطلب رفع تعرفة الكهرباء بنسب مختلفة بحسب الشطور حيث تتلقى الشطور الأولى أعلى النسب مع 100% وصولاً إلى 46%. هذه الإفادة من رفع التعرفة وفق ما يؤكد الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة “ستؤمن نحو 350 مليون دولار يضاف اليها نسبة دعم الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان بما سيؤمن مداخيل اضافية للمؤسسة تقدر بنحو 550 مليون دولار، لذا يجدر السؤال عن كيفية إنفاق المؤسسة لهذه الاموال، وخصوصاً أن المواطنين سيدفعون نحو 190 ليرة عن كل كيلواط ساعة من البواخر”؟!
وفيما يؤكد عجاقة أن كلفة الخطة سيتكبدها المواطن تحديداً في ظل غياب الإصلاحات في قطاع الكهرباء، يقدر رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك المارديني أن تكلفة عملية الاستثمار في خطة الكهرباء 10 مليارات دولار على أقل تقدير، إضافة إلى الاستمرار بدفع فاتورتي كهرباء: فاتورة الدولة، وفاتورة الاشتراك.
ويفصل المارديني بعض بنود الخطة المطروحة، ليشير اولاً الى استدراج عروض لاستئجار باخرتي كهرباء بقدرة 825 ميغاواط وإنتاجية 800 ميغاواط من أجل تأمين 7 ساعات تغذية يومياً، إذ يرى ان حصر المنافسة بالبواخر يستبعد تلقائياً محطات إنتاج تنشأ في لبنان، وتستعمل مولدات بقدرتها تأمين كهرباء للمواطن في الصيف بكلفة أقل من 200 ليرة للكيلواط/ساعة (سعر شراء الكهرباء من السفن، على أساس كلفة 60 دولاراً لبرميل النفط). علما أن فتح المناقصة لمنتجي الكهرباء في جبيل، وطرابلس، وزحلة، وجميع المناطق اللبنانية، يؤمن الكهرباء للبنانيين بكلفة أقل بكثير من إيجار السفن 850 مليون دولار سنوياً. واعتبر ان التشبث بالسفن يفرغ مبدأ المناقصة من مضمونه، ويمنع استدراج العروض ما يحرم الموطن من كهرباء أفضل بكلفة أقل، ويجعل نتيجة المناقصة معروفة سلفاً.
كما تلحظ الخطة إنشاء 8 معامل كهرباء تعمل على الغاز في دير عمار، الذوق، الجية، سلعاتا، الزهراني… إلخ، من أجل تأمين 1000 MW كهرباء. إلا أن هذا المشروع وفق ما يؤكد المارديني يكرر تجارب سابقة أثبتت فشلها، إذ إن “التجاذب السياسي في لبنان يمنع تلزيم مشاريع الكهرباء الملحوظة في الخطة (كما جرى مع إعادة تأهيل معمل الزوق). عندما تلزم المشاريع لا تنفذ، على غرار ما حصل في دير عمار عندما تم تلزيم المعمل بـ360 مليون أورو لم ينفذ بسبب خلاف على الـTVA، وعندما تُنفّذ لا تعمل على غرار ما جرى مع معملي الزوق والجية اللذين أنجزا ويستطيعان تأمين 272MW، أي 3 ساعات يومياً، لكنهما متوقفان عن العمل”.
ولئن الخلافات السياسية لم ولن تنتهي، فإن ذلك برأي المارديني يعني أن العرقلة ستعود، وأموال الشعب ستصرف من دون نتيجة، وسيتبخر حلم الكهرباء بحجة أن النية كانت سليمة. وفيما تراهن الخطة الحالية على مراعاة التوزيع المناطقي للمعامل، إلا أنه حتى لو سلمنا جدلاً أنه في هذه المرة ستلزّم المعامل، وتنفذ، وتشغل، فإن أسلوب صوغ المناقصة يتخلله شوائب بنيوية وفق المارديني. إذ إن المناقصة الحقيقية، والشفافة، لا تحصر استدراج العروض بمعامل انتاج على الغاز، بل الاجدى أن تطرح 1000 ميغاواط للمناقصة، وتفوز الشركات التي تؤمن هذه الكمية بالسعر الأدنى. “إذ ربما كانت هذه الشركات تعمل على الغاز، وربما كانت تستعمل وسائل أخرى. والأوفر هو أن تسمح الدولة للقطاع الخاص بإنتاج الكهرباء، ما يمكن أن يوفر على المواطن اللبناني كلفة إنشاء المعامل الـ 8 التي تقدر بـ 600 مليون دولار للمعمل الواحد على أن تشمل كلفة التشغيل، والصيانة، والفيول”. كذلك يعتبر المارديني أن شراء الكهرباء مباشرة (بدل شراء معامل لإنتاج الكهرباء) يلغي حاجة الدولة لإنشاء محطات استيراد الغاز الطبيعي، ومحطات التغويز (تحويل من سائل الى غاز)، والشبكة الساحلية، التي سيدفع ثمنها (390 مليون دولار) من أموال الشعب.
يكتنف الغموض مشروع إنشاء معامل للطاقة المتجددة تؤمن 1000 ميغاواط، إذ رغم التوضيح أن المشروع لن يقتصر على شركة واحدة، ثمة تساؤلات حول كيفية انتقاء الشركات. فهل ستجري الدولة مناقصة لشراء 1000 ميغاواط كهرباء على الطاقة المتجددة، أم إنها ستجري مناقصة لبناء المعامل؟ وهل ستفتح المناقصة لجميع أنواع الطاقة المتجددة أم ستحصر بالطاقة الشمسية؟
الى ذلك، يخالف المارديني المعترضين على رفع معدل التعرفة الكهربائية ويعتبرها خطوة على الطريق الصحيح، إذ إن المواطن يدفع حالياً كلفة الكهرباء الحقيقية من خلال الدعم الذي توفره وزارة المال للكهرباء إضافة إلى الفاتورة التي يسددها لمؤسسة الكهرباء. لذا، فإن رفع فاتورة الكهرباء لتغطية كلفة الإنتاج يعني أنها تحصر أعباء تكلفة الكهرباء بمتلقي الخدمة، وهي خطوة شجاعة، رغم أنها غير شعبية. لكن الخطوة لا تزال ناقصة بعض الشيء برأي المارديني، “إذ إنها لا تتخلص نهائياً من دعم الكهرباء، ولا من اشتراك المولدات، ولا تضمن تخفيض الضرائب على المواطن”. ويشير الى أنه “بحسب موازنة 2017، ستدفع وزارة المال نحو2,11 الفي مليار ليرة من أموال الضرائب إلى مؤسسة الكهرباء، ورفع معدل التعرفة الكهربائية سيقلص اعتمادات دعم الكهرباء، لذا يجب أن يقابل هذا الخفض مع خفض في مستوى الضرائب. كما أن تقديرات وزارة الطاقة حيال خفض الفاتورة من 100 ألف ليرة (25 ألف ليرة دولة و75 ألف ليرة اشتراك) إلى 70 الف ليرة (55 الف ليرة دولة و15 الف ليرة اشتراك) مرتبط حقيقة بسعر الاشتراك. ويسأل “ماذا لو قرر أصحاب المولدات خفض تسعيرتهم من 75 ألف ليرة إلى 50 الف ليرة مثلاً؟ ألن يعني ذلك أن الخطة ستزيد الكلفة على المواطن بدل تخفيضها”؟
وإذ يعتبر أن الاقتراحات السابقة تخفض الكلفة على الدولة من دون أن تلغيها، يستند المارديني الى التجربة في بلاد مختلفة حول العالم وأبرزها التجربة البريطانية، ليقترح نقلها الى سوق الطاقة في لبنان. فالتقدم في مجال الطاقة برأي المارديني كان مدهشاً في الأعوام السبعة الاخيرة في الدول التي فتحت سوق الكهرباء على المنافسة، حيث يختار المواطن (لا الدولة عبر المناقصة) الشركة التي يريد شراء الكهرباء منها. فقد أدت هذه المنافسة في بريطانيا مثلاً إلى إدخال الذكاء الاصطناعي-Artificial Intelligence- على إدارة شبكة الكهرباء. أما الخطة التي وضعت منذ 7 سنوات فستكلف الشعب اللبناني 10 مليارات دولار على أقل تقدير، وتبقي على فاتورتي كهرباء، وعلى خسائر مؤسسة كهرباء لبنان، في حين أن فتح السوق على المنافسة، سيؤدي إلى تأمين 24 ساعة كهرباء، بدل الـ20-22 الموعودة، وخفض حقيقي لفاتورة المستهلك، وكل ذلك بكلفة صفر دولار على الدولة، ألم يحن الوقت لمواكبة العصر في مجال الطاقة؟