شهد القطاع الخاص السوري عقب العام 2011 تحولات جذرية في بنيته ودوره، حيث تراجعت نسبة مساهمة المشاريع التي تشكل الدعامة الأساسية للقطاع الخاص — في الناتج المحلي الإجمالي من 65 % في — (SMEs) الصغيرة والمتوسطة العام 2010 إلى 41 % في العام 2019 . ويُعزى هذا التراجع إلى عوامل عدة، أبرزها الانكماش الاقتصادي وصعوبة النفاذ إلى الأسواق الخارجية والداخلية، فضلا عن ضعف قدرة هذه المشاريع على الصمود في مواجهة الاحتكارات التي أرستها، والتي ترسّخ حضورها إبان الأزمة السورية. ويتجلى هذا التحول أيضاً في (Crony Capitalism) ” “رأسمالية المحاسيب حجم القوى العاملة في القطاع الخاص، إذ قدرت دراسة نسبة العاملين بأجر ثابت أو بشكل حر في سوريا بنحو 55 % في العام 2024 ، في حين كانت هذه النسبة تبلغ 73 % من إجمالي القوة العاملة في القطاع الخاص في العام 2011 . ومما يُلحظ كذلك أن نسبة اقتصاد الظل في سوريا قد ارتفعت من نحو الثلث في الفترة بين عامي 2006 و2010 لتصل إلى ما يقارب 70 % في العام 2024 بحسب تقديرات غير رسمية.
وعلى الرغم من أن التركيز ينصب غالب اً على العقوبات الغربية بوصفها أحد أبرز العوامل المعيقة لنمو قطاع الأعمال في سوريا، إلا أن الأثر السلبي لرأسمالية المحاسيب على بيئة الأعمال كثير اً ما يُغفَل عنه، وذلك من خلال زيادة تكاليف تأسيس المشاريع وعرقلة المنافسة العادلة بفضل ما تحظى به من امتيازات، بحيث يصبح العمل في ظلها محفوف اً بالمخاطر وغير مجدٍ في كثير من الأحيان.
وتُعد رأسمالية المحاسيب في سوريا سمة أساسية ملازمة للاقتصاد السياسي السوري منذ عقود، وهي سمة نشأت في ظل تدخل الدولة في الاقتصاد وشيوع الفساد وضعف الحوكمة. أما اليوم، وفي ظل الحاجة الماسة إلى إعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد السوري وما يتطلبه ذلك من استثمارات ضخمة من القطاع الخاص المستقل، فتبرز ضرورة مُلحّة لفهم آليات عمل رأسمالية المحاسيب التي تسعى للحفاظ على وجودها خلال المرحلة الانتقالية. ويساعد هذا الفهم على طرح مقاربات وتوصيات من شأنها تعزيز نمو قطاع الأعمال المستقل في سوريا وإنجاح عملية التحول نحو اقتصاد حر وتنافسي، وهو التوجه الذي أعلنت الإدارة السورية الجديدة عن تبنيه.
وتقترح هذه الورقة مجموعة حلول للتعامل مع رأسمالية المحاسيب، ومنها ضمان سيادة القانون وإنفاذ العقود لحماية قطاع الأعمال من المنافسة غير العادلة التي تفرضها وتستفيد منها هذه الشبكات. ومن هذه الحلول كذلك تقليص حجم الدولة وإزالة القيود المفروضة على تأسيس قطاع الأعمال وعمله، وهي القيود التي تستغلها رأسمالية المحاسيب لتعزيز امتيازاتها وإقصاء منافسيها. ويضاف إلى ذلك حوكمة مؤسسات الدولة وتعزيز الشفافية، ما يسهم في تحقيق تكافؤ الفرص وإدارة الموارد بكفاءة ورسم السياسات بمسؤولية، الأمر الذي يحد من دور رأسمالية المحاسيب ونفوذها من جهة ويحفز قطاع الأعمال من جهة أخرى، فضلا عن توظيف الانخراط الإيجابي للمؤسسات الاقتصادية والجهات المانحة مع الإدارة السورية الجديدة لتبني إصلاحات تساعد على تأسيس بيئة داعمة لعمل قطاع الأعمال في سوريا.
أيمن الدسوقي – باحث في مبادرة سراج – المعهد اللبناني لدراسات السوق
حمل الملف لقراءة الورقة البحثية كاملة
