يشهد سعر الذهب تقلبات ملحوظة بين الصعود والهبوط، حيث انخفض بشكل غير متوقع من 4400 دولار للأونصة إلى 4150 دولارًا، قبل أن يعاود الارتفاع ليصل إلى 4138 دولارًا للأونصة. تثير هذه التحركات تساؤلات حول ما إذا كانت هذه بداية مرحلة تراجع للذهب أم أن الوقت لم يحن بعد لمثل هذا التحول.
يرتبط ارتفاع سعر الذهب ارتباطًا وثيقًا بزيادة المصارف المركزية لاحتياطاتها من المعدن الأصفر، وخاصة الصين. يعكس هذا التوجه هروبًا عامًا من العملات الورقية، حيث فقدت الثقة في قدرة الدولار أو اليورو أو الين على الحفاظ على قيمتها على المدى الطويل. يفضل المستثمرون والأفراد شراء الذهب بدلاً من الاحتفاظ بهذه العملات، مما يدفع سعر الذهب للارتفاع مقابل العملات التقليدية. يستمر هذا الاتجاه طالما استمر انعدام الثقة بالعملات المحلية وبالسياسات النقدية التي تنتهجها المصارف المركزية.
تشير التوقعات إلى توجه عالمي نحو التعددية في العملات، بدلاً من الاعتماد الحصري على عملة احتياطية واحدة. يبقى الدولار العملة الأقوى عالميًا والتي لا يمكن التخلي عنها، بفضل السياسة النقدية الأمريكية التي تمتلك القدرة على استعادة الاستقرار رغم التحديات. تستطيع الولايات المتحدة تصحيح الأوضاع إما عبر نمو اقتصادي صلب أو عبر انضباط نقدي مستجد، وهذا ما يعطي الأمل للدولار رغم ارتفاع الدين العام والسياسة النقدية التوسعية الحالية.
تواجه الولايات المتحدة تحديًا أساسيًا يتمثل في تراجع المصارف المركزية عن حمل سندات الخزينة الأمريكية كاحتياطات بالعملات الأجنبية، إذ تفضل شراء الذهب بدلاً منها. يخلق هذا الوضع حاجة لإيجاد مشترين جدد لهذه السندات، وهنا يظهر دور العملات الرقمية المستقرة المرتبطة بالدولار مثل الـ”stablecoins”. تحتفظ هذه العملات باحتياطيات من سندات الخزينة الأمريكية قصيرة الأمد بدلاً من النقد، مما يحقق عوائد فائدة ويغطي قيمة العملة الرقمية. يشهد العالم إعادة توزيع لحملة سندات الخزينة الأمريكية، حيث تتراجع حصة المصارف المركزية وتتزايد حصة العملات المشفرة.
يرتبط سعر صرف الدولار حصريًا بكمية النقد المتداول، فإذا زاد المصرف المركزي من طباعة الليرة، ينهار سعر صرف الليرة مقابل الدولار. يتطلب الحفاظ على استقرار سعر الصرف انضباطًا نقديًا صارمًا وعدم الاستسلام للضغوط المختلفة. شهد لبنان حربًا صعبة دون أن ينهار سعر صرف الليرة لأنه لم تكن هناك طباعة تضخمية للعملة، بينما في الفترة السابقة التي لم تشهد حربًا، انهار سعر الصرف بسبب طباعة المصرف المركزي للعملة دون ضوابط.
يكمن الحل الأضمن لاستقرار سعر صرف الليرة في تثبيت السياسات التي أثبتت نجاحها منذ عام 2023 حتى اليوم، عبر إنشاء مجلس نقد. يستطيع مجلس النقد توفير استقرار مستدام وذي مصداقية لسعر صرف الليرة، خاصة في بلد يواجه مخاطر اقتصادية وسياسية مستمرة. لا يمكن الاعتماد على سعر صرف عائم أو ثابت تقليدي في ظل هذه الظروف، بل يجب التوجه نحو نظام مجلس النقد كوسيلة وحيدة للوقاية من الهزات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المحتملة.