بوجود الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث والهيئة العليا للإغاثة وخطط الطوارىء الحكومية وتدفق المساعدات الخارجية، ومع بروز أهمية تعزيز دور البلديات في تنظيم استقبال النازحين من مسنين وأطفال ومرضى وتأمين حاجاتهم النوعية بما يضمن عبور الأزمة بأقل أضرار وإساءة لكرامة هؤلاء الإنسانية، وفيما تستمر الاعتداءات على المدنيين الهاربين حيثما تواجدوا في أحياء العاصمة والمدن القريبة والبعيدة، يفترشون أرصفتها بانتظار تأمين مأوى، يمثل أمامنا عجز الأداء الرسمي المزمن على مستوى تلبية حاجات النازحين، ويبدو واضحاً بقاؤه دون المستوى المطلوب والمفترض في ضوء كل ما ذكرناه أعلاه، بدليل ما ينقله المتابعون والإعلام من وجوه حزينة أتعبها الدهر وتعلوها تقاسيم الشقاء، وبدليل الشكاوى والتذمر من شح الحصص ونوعيتها، تضاف إليها مشاهد حية ومصورة فيها دليل على هدر كميات من وجبات الطعام الملقاة في مستوعبات النفايات، قيل إنها في بيروت، ولا نعرف ان كان بسبب عدم توفر الكهرباء للتبريد من مصدرها أو في مواقع توزيعها، وغيره من الاحتمالات التي تؤشر إلى استمرار الفساد والاستثمار في الأزمات لتحقيق المنافع على حساب عذابات النازحين دون خجل، وكأنها تكرار لتجربة التصرف بالمساعدات والهبات التي حصل عليها لبنان أيام عدوان ٢٠٠٦ ، وما حكي عنها من التصرف بمليارات الدولارات خارج الضوء والأصول.
ما زال الغموض يكتنف حقيقة حجم ونوعية وطبيعة المساعدات وتنوعها، فلا مواقع رسمية تنشر بيانات تجمع وتعكس صورة الحقيقة، ولا الجمعيات الخاصة قادرة على استخلاصها، ويستمر حرمان المواطن من أدنى حقوقه في الحرب كما في السلم ليستشري جشع التجار وسوء إدارة النافذين.
في إطار هذا المشهد العامر بالفوضى والتقصير، ونحن على أبواب الشتاء وسط العتمة ونقص المياه وأزمة النفايات، يطلّ وزير الطاقة المعتكف عن حضور جلسات مجلس الوزراء، الطامع بحصة من المساعدات بملايين الدولارات تخصص له شهرياً لتأمين المحروقات لمولدات تلحق بالنازحين حيثما حلوا في مختلف مراكز ومواقع الإيواء والاستضافة.
من يحول الأزمة إلى فرصة لتعزيز الطاقة الشمسية؟!
انطلاقاً من واقع حاجة أبنية المدارس والمهنيات الحكومية والجامعات الرسمية والبلديات ومؤسسات المياه وغيرها من المصالح والمرافق والمنشآت والمعارض والأسواق والمساحات العامة، التي تحولت إلى مراكز إيواء تعاني أصلاً من عجز كهرباء لبنان ووزارة الطاقة وخططها الفاشلة عن تأمين الحد الأدنى من حاجتها للكهرباء، ويعاني معها من ذلك المستشفيات الحكومية ومحطات ضخ المياه في مختلف المناطق،
وفي ضوء توفر فرص مهمة اليوم للحصول على مساعدات نوعية منها مستلزمات تجهيز الأبنية بالطاقة شمسية وتوزيعها، يضاف إليها كتاب دولة رئيس الحكومة رقم ١٢٥٠/ م .ص، تاريخ ١٠/ ٩/ ٢٠٢٤، الذي كلف بموجبه وزير المالية التفاوض مع البنك الدولي حول اتفاقية قرض بقيمة ٢٥٠ مليون دولار تخصص لمشاريع الطاقة المتجددة وزيادة قدراتها وتعزيز استدامة المرافق العامة؛ وقد وردت خلال الأسبوع الماضي أخبار حول إقرار البنك الدولي القرض، وهناك معلومات حول البحث بإجراء تعديلات إضافية تأخذ بعين الاعتبار الأزمة الحالية وحاجات لبنان خلالها.
من أين نبدأ لتفعيل تحويل الأزمة إلى فرصة؟
لقد فعل حسناً رئيس الحكومة باختياره وزير المالية وليس وزير الطاقة للتفاوض مع البنك الدولي حول اتفاقية القرض المخصص لمشاريع الطاقة المتجددة، فشكّل بداية جيدة للانطلاق باتجاه تحقيق أهداف هذا القرض على أفضل وجه، لا سيما وأن وزير الطاقة مهتم ببناء طاقة شمسية على نهر بيروت بقدرة ٨ ميغاواط على حساب الموازنة العامة، ويذكّرنا بذلك بما سبق وجرى تنفيذه على النهر نفسه بقدرة ميغاواط واحد سرعان ما دخل طي الإهمال والنسيان لسقوط منفعته، كما تتحول مواد المشاهد المسرحية إلى خردة بعد انتهاء عروضها.
إن المهم الملفت في القرض الدولي الجاري وضعه بصيغته النهائية، هو إيلاؤه أهمية متميزة لتعزيز موارد المرافق العامة،في إطار زيادة قدرات الطاقة المتجددة وعلى رأسها الشمسية منها، ويمكن أن تشمل تطوير المعامل الكهرومائية التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وتلك العائدة إلى امتيازات تم استردادها من دون أن تكون منشآتها بالحالة الجيدة من الأداء كما تفترض دفاتر شروطها.
الخطوات التالية لهذه البداية الحسنة:
أقترح في هذا المجال تشكيل لجنة طوارىء خاصة بتعزيز الطاقة الشمسية تتضافر في إطارها جهود كل من التنظيم المدني ومديرية المباني في وزارة الأشغال وما يوازيها في وزارة التربية وربما غيرها من الوزارات، ومصلحة الهندسة في بلدية بيروت ودوائر الهندسة في البلديات واتحادات البلديات، والمؤسسات المعنية بالمواصفات والمقاييس وتعمل بسرعة على وضع تصور هندسي يحدد المعايير والمواصفات الفنية والبيئية وشروط السلامة العامة، ويأخذ بعين الاعتبار حالة الأبنية والمنشآت العامة المعنية والمساحات المتاحة في كل منها وفي مجموعها، لتخصيصها لتركيب لوحات الطاقة الشمسية على سطوحها وحيث يمكن تزويدها بالكهرباء وإعفاؤها من تكلفة المازوت وفواتير المولدات وتخفيض الاعتمادات التي تضطر لتخصيصها لتغطية مختلف حاجاتها إلى الطاقة، إن للإنارة او للتدفئة وعلى مستوى آخر.
إن القرار الجيد هو الذي يتخذ في الوقت المناسب، ورجل الدولة الناجح، أكان رئيس حكومة أو ونائباً أو وزيراً، هو الذي يدرك توفر الفرصة فيستغلها في اللحظة المناسبة، ويحوّلها إلى واقع يحقق المصلحة العامة ويستفيد منه المواطن، ويعفي موازنة الدولة وخزينتها من انفاق مليارات الدولارات على المازوت الأسود القاتل للاقتصاد والصحة والبيئة، وهو الذي سبق وأسقط الدولة والوطن. فهل تدرك الحكومة وغيرها من القيادات السياسية واللجان النيابية المعنية أهمية الفرصة وتنتهزها وتسلط الضوء عليها، فتسعى إلى تطويرها وتنقيحها في إطار خطة عاجلة وتعمل على تنفيذها، فتساهم في توفير ظروف نمو أفضل للمالية العامة ولمختلف مرافق الدولة الحيوية وللاقتصاد مستقبلاً؟!