ما إن أطلق الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الجوي على لبنان، ودعا السكان لترك أماكنهم في الجنوب والبقاع والضاحية، حتى قفزت أسعار العديد من السلع بشكل جنوني.
يقول الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق كارابيد فكراجيان لـ BNN، إنَّ هذا الأمر طبيعي نتيجة زيادة الطلب على سلع معينة، لكنَّه يرى أنَّ الحلول تتجلَّى في عدم تدخل وزارة الاقتصاد في تحديد الأسعار وترك المؤشر يسير بحسب السوق.
ما أهمية عدم تدخل الوزارة في تحديد الأسعار؟
في العامين 2020 – 2021 تدخَّلت وزارة الاقتصاد إبان سياسة الدعم في عزِّ الأزمة الاقتصادية لجهة تحديد الأسعار، الأمر الذي أدَّى إلى انعكاسات سلبية، فازداد معدَّل الاحتكار وارتفعت الأسعار بشكل جنوني وتفاوتت بين منطقة وأُخرى نتيجة قيام المحتكرين بتخزين السلع وتوريدها إلى نقاط البيع بكميات أقلّ من حاجات السوق.
لذا، فإنَّ عدم تحديد الأسعار سيترك للسوق الخيارات المفتوحة، وبالتالي لن يؤدي ذلك إلى الاحتكار ورفع الأسعار، وخير مثال على ذلك ما حصل قبل أيام قليلة في أسعار “الفرش والبطانيات” التي تهافت الناس لشرائها، حيث تُرِكَ الخيار للناس بحسب قدراتهم لشرائها، فعمد البعض منهم إلى شراء باهظة الثمن منها، وهذا ما أتاح المجال للأقل قدرة على شراء النوعيات الرديئة بأسعار معقولة ولو ارتفعت بعض الشيء نتيجة تخفيف ضغط الطلب عليها، لكنَّ ذلك جعلها متوفِّرة في السوق بالتوازي مع ازدياد التهافت عليها، لتعود اليوم إلى أسعارها الطبيعية، نتيجة عدم تحديد السعر من قبل الدولة، فالشعبوية سترتدّ سلباً على المُستهلكين ولن تؤدي إلَّا إلى احتكار السلع وزيادة أسعارها وقلة المعروض في السوق مقابل الطلب.
قضية أُخرى مهمة تتزامن مع توفّر السيولة في أيدي المواطنين نتيجة قبض الرواتب، لا بدّ للمواطنين أن يتنبَّهوا لها، فالسيولة لا تعني التهافت على نقاط البيع لشراء كميات كبيرة من الحاجيات وإلَّا ستقع الكارثة.
السلع متوافرة في لبنان خاصة الأساسية منها، وبالتالي لا داعي للمسارعة إلى تخزينها، وهنا نعود إلى أهمية عدم تحديد السعر من قبل الدولة، فعندما يزداد الطلب على سلعة ما فإنَّ سعرها سيرتفع حكماً، وبالتالي سيحجم المواطن عن شراء كميات كبيرة منها، وبالتالي انخفاض الطلب عليها وعودة سعرها إلى المؤشر الطبيعي، فضلاً عن ارتفاع أكلاف التخزين فيما يخص المُستهلك، وهذا ما يضمن توفّرها بأسعار معقولة وكميات مقبولة ما يؤدي إلى القضاء على السوق السوداء بشكل تام، إِن وُجِدَت.
ماذا عن دور الدولة؟
كل ما سبق لا يعني انكفاء الدولة عن مهامها أو تحييدها عن السوق، بل، يقع على عاتقها مهمة المراقبة وتوفير الأمور اللوجستية لتأمين السلع وفي مقدِّمتها تلك الأساسية منها، بالإضافة إلى قرارات مهمَّة تؤدي إلى ضبط الأسعار وضمان عدم ارتفاعها دون التدخل عبر تحديد الأسعار، تتمثَّل بإلغاء الرسوم الجمركية أو أقلّه تعليق العمل بها في هذه الظروف الاستثنائية، لأنَّ انخفاض الأكلاف على التاجر سينعكس حُكماً في انخفاض الأسعار على المُستهلك بالتزامن مع ضمان طرق الإمداد لإيصالها إلى نقاط البيع.