وصل لبنان يوم السبت 17 آب 2024 الى صفرمن الكهرباء، وكادت أن تعم العتمة الشاملة لأيام طويلة لولا تدخل الجزائر لتزويد لبنان بالفيول لحلّ الأزمة وإعلان الحكومة العراقية أيضا انها ستعزز كمية الفيول بحسب ما اعلن وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض.
بعيدا عن لغة الشتائم والإتهامات وبهلوانيات الوزير فياض، وبعيدا عن مسرحية التحقيق مع المتسببين في العتمة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الطاقة وليد فياض ومدير عام الكهرباء كمال حايك معروف النتائج مسبقا،علينا التعمق في فهم مشكلة الكهرباء، التي كما يبدو أن الحكومة تفاجأت بالمشكلة، وطلبت من التفتيش المركزي التحقيق بأسباب إنقطاع الكهرباء تسهيلا لمعالجة الأزمة.
في العام 2000، كتبت الدولية للمعلومات في تقريرها حول الفساد في لبنان، الذي نظمته بطلب من الرئيس سليم الحص والأمم المتحدة: «إن قطاع الكهرباء هو الإمتحان الحقيقي للإرادة السياسية بإجراء الإصلاح» الآن وبعد 24 سنة ألا يخجلون؟
فمن يقرأ آيات الشكر التي رفعها رئيس الحكومة وبعض وزرائه للجزائر على إعلان قراره بمساعدة لبنان بالفيول يخيل الينا ان الفيول الجزائري أصبح في ديارنا، قبل ذلك هؤلاء أنفسهم شكروا العراق الذي وفى بوعده إلا انه عندما طالب بتحويل ليراته التي لم يعد يقبلها أحد الى الدولار الأميركي رفضوا ذلك.
وزير الطاقة وليد فياض، كان قد أعلن أن أقرب شحنة غاز أويل لمعامل إنتاج الكهرباء ستصل الى لبنان من مصر يوم 25 أو 26 آب الحالي وستتبع بشحنة الفيول أويل الجزائرية التي ستصل الى لبنان في 27 آب الحالي، أما بالنسبة لشحنة الفيول العراقي فستصل أيضا في 25 آب الحالي، والكميات التي سيتم استعمالها تكفي حاجة لبنان لمدة شهر وستؤمن انتاج الكهرباء بين 4 و 6 ساعات يوميا.
والسؤال المطروح اليوم، لماذا عند كل نفاد مستجد لفيول معامل الكهرباء، تعود الى الواجهة مسألة تمويل ثمن الفيول، وتطفو على السطح نقطة الخلاف الحادة بين وزارة الطاقة والمياه ومصرف لبنان ووزارة المالية.
الجواب بسيط: لو كان هناك إدارة حكيمة وجيدة في وزارة الطاقة لما كنا وصلنا الى ما نحن عليه اليوم، بحسب مدير عام الإستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه والخبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور غسان بيضون، حيث من المفترض ان تصل شحنات الفيول قبل نفاد المخزون المتوفر الذي يعرف «بالخط الأحمر» ويغطي الفترة اللازمة لإعادة الشراء ذلك، لتـأمين استمرارية التغذية خاصة في الظروف الإستثنائية التي نعيشها، ورأى من الطبيعي أن تتكرر قصة وصول بواخر المحروقات قبل توفير الإعتمادات وضمان الدفع نتيجة سوء الإدارة وعدم إتخاذ الإجراءات الإحترازية وفق الأصول.
والمؤسف، يقول بيضون، أتت الخطة الوطنية للنهوض المستدام بقطاع الكهرباء في لبنان مع تشكيل حكومة نجيب ميقاتي الحالية ووزارة الطاقة بعناوين برّاقة، رفعوا التعرفة وفرضوا رسوما « فاحشة وظالمة» على « الأوادم» فقط بناء على وعد زيادة التغذية عند تغطية نفقات الفيول، ليتبين لاحقا أنه رغم رفع التعرفة لتتماشى مع أسعار الفيول الرائجة فإنها لم تحقق الهدف بتامين ثمن الفيول مسبقا.
ولفت بيضون، الى أن نسبة الهدر تصل الى 60%، فإما أن يكون بالتعليق على الشبكة، أو من الممكن أن يكون لدى المشتركين عدّاد ويسرقوا الكهرباء، إما ان لا يملكوا عدّاداً مثل النازحين في المخيمات، في هذه الحالة، لا يمكن معرفة حجم الإيرادات، فالمعلومات متضاربة، وعليه ينبغي أن تكشف مؤسسة كهرباء لبنان عن نسبة الجباية من تاريخ زيادة التعرفة وعن حجم الإنتاج لا سيما أن الوزارة كانت قد رفعت تعرفة الكهرباء لتغطية كلفته، مؤكدا أن المبلغ الموجود في حسابات كهرباء لبنان لا يكفي لشراء الفيول ولم يسهم بتحسين الواقع الإداري خصوصا المتعلق بإدارة عملية تنظيم الفواتير بالتالي لن تكون المؤسسة قادرة على استرداد الأموال المستخدمة في شراء محروقاتها.
وتعليقا على السجال بين وزارة الطاقة والمصرف المركزي، حول قضية الفيول حيث تطالب وزارة الطاقة من مصرف لبنان بصرف الإعتمادات اللازمة لشراء الفيول، بينما يرفض الأخير ذلك، يؤكد بيضون، وبعد متابعته شخصيا للملف، أن مؤسسة كهرباء لبنان تستطيع الحصول على اموالها كاملة من المصرف المركزي دون أي قيود كذلك الأمر بالنسبة لوزارة الطاقة لكن المشكلة أن لا مؤسسة كهرباء لبنان ولا وزارة الطاقة تملك الأموال الكافية التي تطالب بصرفها من اجل شراء الفيول. موضحا: أن مصرف لبنان يؤكد أن جميع أموال مؤسسة كهرباء لبنان لديه بالليرة والدولار قابلة للإستعمال دون قيود وأنه مستعد حتى لتحويل ليرات الكهرباء المتوفرة لديه الى دولار.
واضاف قائلاً: ما هكذا تدار مؤسسة حيوية ككهرباء لبنان التي تشكل جزء لا يتجزأ من روتين حياتنا اليومية من تأمين استمرار التغذية بالتيار الكهربائي للمواطنين وللمرافق العامة كافة، كمؤسسات المياه والمطار والمستشفيات وغيرها.
وقال بيضون، إن كلمة» شحاذين» تنطبق على القيمين على وزارة الطاقة الذين يشحذون بلغتنا العامية الحاجة من السياسيين تحت التهديد «بالعتمة» الشاملة لتكريس هذا النهج الفاشل الذي كرّس التشريعات المخالفة للقانون بإعطاء سلف الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان على مدى سنوات على حساب الموازنات العامة قائلاً: مشكورة دولة « الجزائر» على وقوفها الى جانب لبنان، معتبرا أن انقطاع الكهرباء جريمة، ويعزى السبب الى سوء الإدارة والنهج الذي يهيمن على وزارة الطاقة.
وتابع في هذا الإطار، إن مبادرة الجزائر اليوم، والتزام العراق الأخوي تجاه لبنان في الأوقات العصيبة وقبلها دولة الكويت إنما تعكس عمق العلاقات بين لبنان وتلك الدول، مشددا على ضرورة تبني نهج يتسم بالشفافية أمام الرأي العام خصوصا فيما يتعلق بالإتفاق الضمني بين الحكومة ومؤسسة كهرباء لبنان الذي يقضي بتحمل الحكومة لتكاليف النفط العراقي، مؤكدا في هذا الإطار، ان هذه الصلاحية لا تنيط بمجلس الوزراء مذكراً أن مؤسسة كهرباء لبنان تأسست بموجب قانون شارحا المادة 8 من قانون إنشاء مؤسسة كهرباء لبنان: تجري إدارة مصلحة كهرباء لبنان بطريقة تتيح لها من جهة مواجهة كافة متطلبات الإستثمار، ومن جهة أخرى، المساهمة بنسبة معقولة في تمويل التوظيفات اللازمة لتنمية نشاطها «التأهيل والتشغيل والمحروقات وغيرها» لكن للأسف، تحولت المؤسسة الى شركة تدار من «سائق تاكسي عمومي طفران».
وأكد أن كلام وزير الطاقة وليد فياض، المتعلق بالأزمة غير واقعي وغير دقيق ومعلوماته ناقصة وتقديراته وأرقامه أبعد من الواقع وأقرب الى الوهم ويبدو انه غير قادر على السيطرة على شؤون وزارته وطريقته بالتعاطي مع مشاكلها غير عميقة وغير مبنية على حقائق.
وقرانا أن الوزير فياض، اعترف بتلقيه نصائح من وزيرين سابقين إنطلاقا من موقعهما الحزبي وكأن الوزارة «وقف للحزب» أو روح خفية مازالت تعبث هناك آن الآوان لوقف تلك المهزلة منوها بالصيغة التي كان يتبعها وزير الطاقة السابق محمد فنيش وطريقة التعاقد التي كانت متبعة سابقا مع شركة «سوناطراك».
وأكثر من ذلك، يرى بيضون، أن الطاقة تجهض منفعة الهبة الجزائرية، ويتابع، يبدو ان الشحنة التي انطلقت من الجزائر هي من مادة الفيول المتوفر في الزوق والجيّة وليس من الديزل لتشغيل دير عمار والزهراني، سائلاً: من الذي أبلغ الجزائر ان حاجة لبنان المستعجلة من الفيول، هل هي لتمرير Spot Cargo ؟
أما بالنسبة الى الوعد الأميركي بمساعدة لبنان باستجرار الغاز من مصر والأردن، أعاد بيضون التذكير بمناسبة هذا الوعد التي رفضت أميركا أي عرض يأتي من الشرق لمساعدة لبنان على خلفية انطلاق أول باخرة مازوت من الشرق تجاه لبنان مضيفا : هذا الوعد يستحيل تحقيقه أولاً، لارتباطه بقانون قيصر المفروض على سوريا الذي يسقط حجة «مدّ اليد» وثانيا، لتعقيداته الفنية والأمنية.
وشدّد بيضون، على ضرورة الإستفادة من العرض الجزائري ومن تجاربنا معها ومع دولة الكويت وأيضا من الإتفاق العراقي، ونبعد تسلل الفساد عن تلك الوعود والمساعدات بوضع آلية تضمن استمرارية التزود بالمحروقات لصالح كهرباء لبنان دون مفاجآت، وتامين مصدر مستدام ونظيف والعمل على إبعاد شبح العتمة الكاملة.