“رُهاب” “صيرفة” يلاحق نواب الحاكم بعد رحيل سلامة: بين الوقف والتبديل

“رُهاب” “صيرفة” يلاحق نواب الحاكم بعد رحيل سلامة: بين الوقف والتبديل

لا تؤرّق مغادرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “المركزي” عموم اللبنانيين فحسب بل ورثته القانونيين في المجلس المركزي وتحديداً نواب الحاكم. إرث سلامة كبير وتاريخه مثقل بالإنجازات والقرارات الكبرى بما لها وما عليها من سجال قانوني وسياسي وقضائي. يغادر الحاكم منصبه تاركاً 3 معضلات كبيره أولاها انهيار كبير في الليرة، وثانيتها احتياط محدود جداً من العملات الاجنبية، وثالثتها منصة صيرفة ومصيرها مع الحديث عن اتجاه نواب الحاكم الى استبدالها بمنصة جديدة.

نواب الحاكم الذين يفترض أن تؤول إليهم الحاكمية بالوكالة يعيشون رهبة الموقف، ويرتعبون من “رهاب” الاتهام بالفساد وتبديد احتياطي المركزي بالعملات الاجنبية وكذلك الخوف المفرط من سقوطهم في براثن الإخبارات القضائية والشكاوى التي فاضت في الآونة الاخيرة ضد سلامة محلياً وخارجياً من ناشطين وجمعيات استولدت للغاية، ونواب وشخصيات سياسية تداخلت دوافعهم بين الشخصي والسياسي والحزبي.
ولكن أثقل ما في تركة سلامة هو كرة نار منصة صيرفة التي “مكرهٌ أخاك لا بطل” على نواب الحاكم تلقفها وحمايتها وتبريد لهيبها حتى لا تحترق أياديهم بها. لذا ترى عيونهم شاخصة الى هذه المعضلة، فيما تتكثف حواراتهم بغية ابتداع آلية قانونية ودستورية لا يمكن أن تتسلل من خلال العمل بها شبهات فساد أو صرف نفوذ، كما هي الحال مع منصة صيرفة الآن.
وإن كان يرجَّح استقالة نواب الحاكم ومن ثم تكليفهم من الحكومة بالسير بـ”صيرفة” على نحو لا تقع المسؤولية على عاتقم لكونهم في موقع تصريف الأعمال، فثمة كلام جدي عن اتجاه نواب الحاكم للتعاون مع إحدى الوكالتين “بلومبرغ” أو “رويترز” لإنشاء منصة جديدة، تحاكي خبرتهم، وليس كما هي الحال مع منصة صيرفة التي لا يفقهون كثيراً آليّة عملها أو وضعيتها، وتالياً وفق ما يقول مقربون من نواب الحاكم هذه المنصة ستكون أكثر شفافية، وستكون مغطاة قانونياً من مجلس النواب ومجلس الوزراء.
تؤكد المعلومات أنه إذا خرج الحاكم من المعادلة فستتوقف صيرفة، خصوصاً أن البنية الأساسية للمنصة البديلة أصبحت شبه جاهزة بآليات أكثر شفافية تعكس الواقع في السوق، أي السعر الحقيقي لليرة مقابل الدولار. ولكن حتى الآن لا تزال آلية عمل المنصة الجديدة غير واضحة، إذ يؤكد متابعون أنه ستُسجَّل حركة البيع والشراء لليرة والدولار على المنصة الجديدة، وأن المشتركين الأساسيين هم المصارف وبعض الصرافين من الفئة أ، من دون أن يعرض عليها مصرف لبنان أي دولار، بل يتولى هذه المهمة الجمهور اللبناني الذي يبيع الدولار عليها ومن ثم تعود المصارف وتبيع الدولارات للناس. توازياً، يتخوف كثيرون من عدم تسجيل غالبية العمليات على المنصة الجدية، مع أرجحية دخول المضاربين والمحتكرين على الخط خصوصاً أنهم يتحيّنون الفرصة للانقضاض على الليرة.
الباحث والخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين الذي يثير بعض الشكوك حول منصة صيرفة الحالية، يؤكد أن نواب الحاكم يفضلون التعامل مع منصة جديدة يدرسون وضع خريطة طريق لعملها حتى لا يقعوا في مشكلة يمكن أن تؤدي الى انهيارات كبيرة، علماً بأنهم “لن يباشروا العمل بها قبل تغطيتها بتشريع قانوني”. وإذ يؤكد أنه حتى الآن لا تزال الأمور غير واضحة بالنسبة إلى المنصة الجديدة، مع تأكيد نواب الحاكم أنها ستكون بإشراف خبراء دوليين على خلاف منصة صيرفة التي تدار داخلياً بمصرف لبنان، يوضح أن “تحرير سعر الصرف يكون عبر العرض والطلب، وتالياً إن كانت ثمة كميات من الدولار أكثر من الليرة فسيؤدي ذلك الى انخفاض كبير في سعر الصرف والعكس صحيح”. ويقول ناصر الدين إن “مسؤولية الاقتصاد لا تقع على نواب الحاكم، وإن كانوا جزءاً من الواقع النقدي في البلاد، ولكن على الدولة أن تتحمّل مسؤوليتها عبر موازنة تحاكي إصلاحات حقيقية”. ويلفت في السياق الى أننا “نعيش حالياً في اقتصاد نقدي، فيما 75% من الاقتصاد مدولر، وتالياً هناك كميات من الدولارات في السوق أكثر بكثير من الليرة، مقترحاً إنجاز موازنة مبنيّة على الدولار نظراً لاعتماد الدولرة الشاملة، بما سيؤدي الى انهيار الدولار في السوق السوداء”. الى ذلك يعتبر أن “موازنة الدولار ستحسن إيرادات الدولة، خصوصاً إذا رافقتها إصلاحات ضريبية مع وضع ضريبة تصاعدية للحد من ارتفاع الأسعار وتحصيل دفعات الجمارك مسبقاً، مع الأخذ في الاعتبار أن لبنان يستورد بقيمة 18 مليار دولار”. والاهم برأيه هو “الإفادة من حجم الدولارات الكبير، فبدل أن تذهب للاستهلاك يجب فتح باب للاستثمارات في قطاعات عدة منها قطاع الاتصالات، وذلك بعد تطوير القوانين المتعلقة بالخصخصة”.
ولكن ثمة من يعتقد أن التعويل على مجلس النواب والحكومة لتشريع خطط نواب الحاكم بعيد عن الواقع، مستندين في ذلك الى تأخر إقرار طلب مصرف لبنان وحاكمه منذ بداية الأزمة وضع قانون الكابيتال كونترول، رغم أنه مطلب أساسي من صندوق النقد الدولي، وذلك لعدم الاتفاق السياسي عليه. وفي السياق سألت مصادر متابعة عما إن كان نواب الحاكم استطاعوا وقف الدعم الذي قررته الحكومة. فقد رفضه نواب الحاكم ومعهم الحاكم، إلا أن حكومة حسان دياب والرئيس السابق ميشال عون رفضا ذلك رفضاً قاطعاً وحاسماً، وأكثر… فقد ضغطوا بأساليب متعددة، وبعضها عبر فتح ملفات قضائية لمصرف لبنان وحاكمه وكبار موظفيه، وطال بعضها نواب الحاكم السابقين والحاليين، وهذا ما لا ينفيه نواب الحاكم في مجالسهم الخاصة، فيما كان رأي الحاكم توجيه دعم مباشر للأسر المحتاجة بدل دعم السلع والمحروقات غير المجدي.
لا تنفي المصادر عينها أن منصة صيرفة حل موقت وغير مثالي، وتالياً يجب تطويرها، الأمر الذي تؤكده كذلك مصادر الحاكم، على اعتبار أنها “أفضل الموجود وأثبتت نجاحها وفعاليتها في ضبط السوق ووقف المضاربات وتأمين حد أدنى من الاستقرار الاجتماعي في ظل الفراغ الرئاسي والوضع الاقتصادي الصعب والدقيق”، وذكّرت المصادر بقفزة الدولار من 100 الى 143 ألف ليرة خلال ساعات بعد توقف صيرفة. فالمضاربون ينتظرون الفرص لاستغلالها وهذا ما يجب منعه بتاتاً، بالتعاون مع السلطات القضائية والامنية المعنية بذلك”.
وسألت “كيف سيتم إشراك المضاربين والصرافين غير المسجلين في المنصة الجديدة المقترحة، ويعلم الجميع مدى تأثيرهم في السوق، فيما تمكنت منصة صيرفة من ضبط المضاربين وأصبحت السوق تتحرك وفق صيرفة وليس العكس، وهذا إنجاز برأيها يُسجّل للمصرف المركزي”.
وبالحديث عن تحرير سعر الصرف، تؤكد المصادر أن “الحاكم ونوابه متفقون على الجوهر، ولكن الاختلاف على توقيت بدء تحرير سعر الصرف كلياً، إذ إن بعض نواب الحاكم مع تحرير سعر الصرف السريع، فيما يرى الحاكم أن تحرير سعر الصرف يجب أن يكون تدريجياً ويترافق مع تطبيق الخطة الإصلاحية التي أعدّتها الحكومة. وفي هذه النقطة تحديداً، يتوافق مع الحاكم بعض نوابه وبعض أعضاء المجلس المركزي والسلطة التنفيذية. فلا مجال لفلتان الوضع النقدي، خصوصاً أن كلفة تثبيته محدودة وبسيطة جداً مقارنة بكلفة تحرير سعر الصرف التي لا يستطيع أحد تقديرها، في ظل الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف أعمال وهذه نقطة جوهرية جداً”.
تؤكد المصادر أن “أهمية ما فعله الحاكم أنه أمّن تمويل صيرفة دون المسّ بما يسمّى الاحتياطي الإلزامي الذي ما يزال عند حدود 9.3 مليارات دولار منذ أشهر رغم تأمين حاجة السوق من الدولار، وتأمين نفقات الدولة “الأساسية” بالدولار الفريش ولا سيما رواتب القطاع العام البالغة نحو 80 مليون دولار شهرياً، و35 مليون دولار لدعم الأدوية شهرياً ونحو 20 مليون دولار إيفاءً لقروض للبنك الدولي وغيره من المبالغ المستحقة على الدولة كمعدل شهري، إضافة الى تأمين 400 دولار شهرياً لكل مودع يستفيد من التعميم 158 وعددهم حالياً لا يقل عن 100 ألف مودع”.
فيما يعيب البعض على منصة صيرفة عدم شفافيتها، تؤكد مصادر متابعة أن “حاكم مصرف لبنان ومجلسه المركزي بدآ منذ فترة بالتشدد أكثر في طلبات صيرفة، وسيُطلب من المصارف الالتزام بالتعميم ذي الصلة بأن لا تتخطى عمولة صيرفة 3% حداً أقصى، وهذه نقطة جوهرية وعلى المصارف بدء تعديل ذلك”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار