المصارف تتلقى اللكمات الواحدة تلو الاخرى وآخرها “تغريدة” الحبتور: “ثمة نية للقضاء على القطاع… والسكوت نوع من المشاركة في الجرم”

المصارف تتلقى اللكمات الواحدة تلو الاخرى وآخرها “تغريدة” الحبتور: “ثمة نية للقضاء على القطاع… والسكوت نوع من المشاركة في الجرم”

أرخت تغريدة رجل الاعمال الاماراتي #خلف الحبتور عن #القطاع المصرفي اللبناني، بظلال قاتمة على أهل المال والاعمال و#المصارف في لبنان، فالرجل، بجنسيته وامكاناته واستثماراته وما له من مواقف و”تغريدات” سابقة تدعو العرب الى احتضان لبنان وعدم التغافل عن بيروت والايمان بعودة الحياة فيه الى سالف عهدها، رمى المفاجأة من حيث لم يكن ينتظر اللبنانيون. فهم كانوا يتوقعون أن تأتيهم “اللكمة” من الغرب الاوروبي، لكنها أتتهم من الشرق العربي، وتحديدا من الخليج المعروف بشغف رجال اعماله بلبنان، واحترامهم وتفهّمهم لظروفه. 

توازياً، يعيش القطاع المصرفي في الاسابيع الاخيرة، أجواء معاكسة تماما لما كان يبتغيه. فالمصرفيون الذين كانوا ينتظرون حماية مؤسساتهم، أو ما تبقّى منها، عبر تشريعات في المجلس النيابي كقوانين “الكابيتال كونترول” واعادة هيكلة المصارف والانتظام المالي، انشغلوا بتنامي الادعاءات على مصارفهم في الخارج وفي الداخل اللبناني. وما الحجز القضائي المفاجىء على موجودات “فرنسبنك” والدعوات المكثفة عبر “السوشِل ميديا” لجمعيات تدّعي تمثيل المودعين وتطالبهم بالتكتل وتوكيلها للادعاء باسمهم على المصارف لتحصيل ودائعهم منها، وكل ذلك معطوف على تغريدة الحبتور المفاجئة، دليل على أن أمرا ما قد يكون صدر من مكان ما، وأن شيئا ما يدبّر لقلب الطاولة على القطاع أو لابتزازه بالجملة هذه المرة، وليس بالمفرّق، كما كان يحصل سابقا من اعتداء على فروع المصارف وموظفيها.
إذاً، على وقْع الدعوات الى اقامة تجمعات وتكتلات للادعاء على المصارف اللبنانية، وبعد ما حصل أخيرا مع “فرنسبنك” من حجز على موجوداته، وما تبعه من اضراب للقطاع المصرفي ومن مشاورات “فاشلة” مع المعنيين، لم يعد خافيا أنه “كان في نية المصارف الاتجاه في الايام القليلة المقبلة الى اعلان الاقفال التام، بعدما بدأت تشعر بحجم الاهمال الذي يواجه به المسؤولون الملفات الخطيرة، والتي ينذر استفحالها بالقضاء على القطاع برمته، مع ما يعني ذلك من ضياع لحقوق المودعين، وقطع الطريق على امكانات التعافي الاقتصادي في المرحلة المقبلة”.
ووفق المعلومات، فقد تبين من خلال المشاورات التي أجراها القيّمون على المصارف في الآونة الأخيرة، انه لا توجد اي اشارات تدل على ان المعنيين ادركوا حجم الأزمة فعلا، وانهم في صدد العمل لمعالجة الملفات التي سلّطت المصارف الضوء عليها بهدف التوعية، واستدراكا للنتائج الكارثية المتوقعة في حال استمرار الامور على ما هي اليوم.
وقالت مصادر مصرفية لـ”النهار” ان التطورات الاخيرة توحي بوجود نية للقضاء على المصارف. هذا الاستنتاج تم الوصول اليه بعدما أوضحت المصارف لمن يعنيهم الامر خطورة الوضع. وهي كانت، وعن حسن نية، تعتبر ان المسؤولين ربما يغفلون عن خطورة الوضع، لأنهم لا يدركون ما يجري فعلا. ولكن، وبعدما اسهبت المصارف في شرح ما يحصل، سواء في بيانها في 6 شباط الجاري، او من خلال اللقاءات التي عقدتها مع المسؤولين، فانها لم تعد قادرة على اعتبار ان هناك جهلا لخطورة الوضع، بل صار المرجح وجود نية لضرب القطاع. وفي احسن الاحوال، يمكن القول بوجود برودة واهمال غير مبرَّرين. وتاليا، لم يعد ممكنا السكوت اكثر، لأن السكوت في هذه الحالة هو نوع من أنواع المشاركة في الجرم.
وفي هذا الاطار، كشف الامين العام لجمعية المصارف اللبنانية الدكتور فادي خلف أنه “على رغم اصرار المصارف على اتخاذ كل ما يلزم، لمنع التمادي في الشواذات والتجاوزات التي تضر بالمودع والاقتصاد قبل أي أمر آخر، إلا أنها تحرص في المقابل على منع الضرر المباشر عن الناس، وهي تستمع باهتمام وحرص الى الاصوات التي تخشى من نتائج اقفال المصارف، نتيجة اللامبالاة التي يتعاطى بها المعنيون مع هذه الأزمة الخطيرة”.
وإذ أوضح “ان الاصوات الصادقة والاتصالات والمراجعات التي تتلقاها ادارات المصارف تحسباً للتداعيات التي قد يتركها الاقفال التام، تدفعها الى العمل بصمت للوصول الى صيغة تجنب المواطن الضرر، وهو لا ذنب له في هذا المسار الشاذ الذي يتّبعه البعض لغاية في نفس يعقوب”، أكد خلف أن “المصارف تراهن على القضاء النزيه، وهو لا يزال يشكل القسم الاكبر من القضاء اللبناني، وعلى وعي المواطنين، من اجل الضغط لتحقيق صحوة ضمير لدى من في يدهم القرار، للمسارعة الى اتخاذ الخطوات الضرورية لوقف المسار الانتحاري القائم حاليا”، مشددا على أن “كل قرار ستتخذه المصارف لحل المعضلة، سيأخذ في الحسبان حتما الصالح العام، وسيتعاطى مع مصلحة المواطنين على أنها اولوية مطلقة لا يتقدمها أي أمر آخر”.
وفيما تزداد وتيرة الاحكام القضائية ضد مصارف لبنانية، يرى القاضي السابق والمحامي فرنسوا ضاهر أنه “لم يعد في وسع القضاء اللبناني أن يجتهد على نحو يطبق فيه القوانين العامة السارية المتعلقة بحقوق المودعين وبالتزامات مصارفهم تجاههم والتي يُعمل بها في الظروف العادية، بمعرض الدعاوى التي يتقدم بها فرادى من هؤلاء المودعين ضد مصارفهم، ذلك أن أعمالها بشكل مبسط وحرفي من شأنه أن يؤدي الى إعلان توقف تلك المصارف (المدعى عليها) عن الدفع، كما الى إعلان إفلاسها ووضع اليد على أموالها وأصولها، تمهيدا لتصفيتها، على مدى عقود من الزمن، لقاء تحصيل مبالغ مالية لم تصل يوما، وفي أي حال، الى %5؜ من قيمة الودائع المودعة لديها، الأمر الذي يتعارض مع مصلحة جماعة المودعين”.
ويؤكد ضاهر لـ”النهار” أنه “عندما يقتصر الأمر على أزمة مصرف أو أزمة مودعين ضمن مصرف محدد يمكن تطبيق القوانين بصورة عادية، ولكن عندما تطاول الازمة القطاع المصرفي بشكل كامل (نحو 70 مصرفا) وكل المودعين في لبنان الذين يبلغ عدد حساباتهم المصرفية نحو مليونين و143 الف حساب، فإن القضاء لا يمكنه تطبيق القوانين العادية مع أزمة على هذا المستوى، وهذا يُعتبر خطأ جسيما وانعداما في بُعد النظر، وفي هذه الحالة على الدولة أن تتحمل المسؤولية باستصدار قانون خاص لمعالجة الازمة التي لديها الطابع الشمولي على مستوى وطن، وتاليا يقتضي أن تبقى المصارف التي أودعت فيها الودائع في وضعية المصارف العاملة التي تسعى الى إيفاء المودعين ودائعهم ولو تدريجا، وبمقدار ما تحمل السلطات العامة على رد الأموال التي إستدانتها منهم، حتى يتمكنوا بدورهم من سداد ودائع عملائهم بها”.
وفي الحلول التي يقترحها، دعا ضاهر الهيئة العامة لمحكمة التمييز الى الالتئام فورا حتى “تتصدى لمسألة مقاضاة بعض المودعين لمصارفهم، فتضع أطراً لعمل المحاكم تراعي الوضع المالي والمصرفي عموما في البلاد، وتوفر القدر الأكبر من الحماية لحقوق جميع المودعين على أراضي الجمهورية اللبنانية”.
من مصلحة المودعين في لبنان، وفق ما يقول ضاهر، “أن لا يسقط القطاع المصرفي في الوضعية الافلاسية التي يُجرّ اليها القضاء اللبناني، بانفعالية ودونكيشوتية وقرارات إستعراضية هشّة غير قابلة للتنفيذ، بل أن يبقى ذلك القطاع في وضعية التصفية الذاتية، حتى يبقى المودعون يستجرّون فتاتاً من ودائعهم ريثما تبادر الدولة او تلزم، تحت ضغط الشارع او من صندوق النقد الدولي، بسدّ مديونيتها تجاه المصارف لتبادر بدورها الى إيفاء المودعين ودائعهم، بل يتعين على القضاء ملاءمة قراراته مع ظروف القطاع الحالية وذلك: حماية لأموال المودعين، وتفاديا لانهيار القطاع برمته، وتطويقاً لادارييه حتى لا يُحملوا على التخلي عنه، وقطعاً للطريق على المشروع السياسي الممانع الذي يرمي الى إسقاطه بكل مقوماته واستبداله بنظام جديد يتماهى مع ذلك المشروع ويوفّر له الارضيه لحركة أمواله”.
أما الأصوات التي تنادي بحماية حقوق المودعين، من طريق إقامة دعاوى على المصارف إستنادا الى القانون 67/2، إنما ترمي وفق ضاهر الى “الطلب من المحاكم المقامة لديها تلك الدعاوى، أن تعلن توقفها عن الدفع أولا بأول (المادة 6)، ومن ثم أن تعيّن مديراً موقتاً عليها (المادة 5)، وبعد ذلك، أن تعين لجنة ادارية تتولى إدارتها لمدة ستة أشهر (المادة 7)، وصولا الى تعيين لجنة تصفية عليها تتولى بيع موجوداتها وتحصيل ديونها (المادة 12)، لغرض إيفاء الاموال المودعة لديها، بحيث ان من شأن هذه الإجراءات أن تجمّد حركة ودائع المودعين، وأن تخرجها من دائرة التسهيلات، ولو المجحفة، التي توفرها لها تعاميم مصرف لبنان، وأن تحجّم قيمتها الاسمية الى حد الضمانة التي تؤمّنها مؤسسة ضمان الودائع لها، والبالغة 75 مليون ليرة للوديعة الواحدة، وأن يقتصر إيفاؤها لاحقا، قرشا دائرا، على ما لتلك المصارف من أصول تمّت تصفيتها، مع ما تستلزم هذه العملية المعقدة من وقت، بدليل ما هو حاصل لبعض المصارف التي وُضعت قيد التصفية منذ عشرات السنين، ولم تزل، على هذه الوضعية، لتاريخه”.