إيرادات رفع الدولار الجمركي وهمية ولا سقف للدولار

إيرادات رفع الدولار الجمركي وهمية ولا سقف للدولار

لم تكن القفزة الأخيرة التي سجّلها الدولار في السوق السوداء، خلال أيام قليلة، مفاجئة، ما دامت المعالجات الجدية لمجمل مفاصل الأزمة الاقتصادية غائبة، ويستعاض عنها بإجراءات مؤقتة لا تفي بالمطلوب، ولا تتعدَّى كونها عملية شراء للوقت إلى ما لا نهاية.

وحتى لحظة إعداد هذه المقالة، بعد ظهر أمس الخميس، كان الدولار تخطَّى عتبة الـ33.000 ل.ل. مع الإشارة إلى أن الارتفاع الأخير بدأ يوم الجمعة الماضي، إذ بلغ الدولار 31.800 ل.ل. في حين كان سعر الصرف في تعاملات الخميس الذي سبقه عند متوسط 30.800 ل.ل. ليصل يوم الأحد الماضي إلى 31.750 ل.ل. ويفتتح الأسبوع الحالي بـ32.000 ل.ل. ويواصل صعوده بلوغاً إلى 33.150 ل.ل. عصر أمس الخميس.

ويلفت رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “الارتفاع الذي نشهده اليوم لسعر صرف الدولار مقابل الليرة، هو مسار بدأ منذ أكثر من سنتين وليس جديداً، وهو مستمر ولم يتوقف أساساً. وسبب الارتفاع هو العجز الموجود في الموازنة العامة والقطاع العام”.
ويوضح، أن “نفقات الحكومة المرتفعة أعلى من مداخيلها الضريبية، التي لا تجبي منها ما يكفي لتغطية النفقات. بالتالي، ما تقوم به الحكومة هو تمويل الفارق ما بين المداخيل والنفقات، أي العجز، عن طريق التضخم وانهيار سعر الصرف المصحوب بارتفاع الأسعار بشكل عام في لبنان”.

ويؤكد مارديني، أنه “طالما المصرف المركزي مستمر بتمويل عجز الموازنة العامة عن طريق زيادة حجم الكتلة النقدية، وأيضاً بتمويل (تليير) سحوبات المودعين من أجل تغطية خسائر المصارف، فمسار الدولار تصاعديّ وسيستمر على هذا المنوال. لذلك، لا سقف لارتفاع سعر صرف الدولار، ولا قعر لانهيار الليرة، طالما لا نقوم بالإصلاحات الواجبة الحصول”.

ويشدد، على أن “سياسة تمويل العجز عن طريق انهيار سعر الصرف متعمّدة. والسبب أنه في السنوات الماضية راكمت الحكومة توظيفات عشوائية على أساس طائفيّ ومحسوبيات سياسية و(وسايط)، ولا تزال تدفع رواتب وأجوراً ومعاشات على الرغم من ضعف الإنتاجية. وأيضاً، راكمت الحكومة في العقود الماضية ديناً عاماً كبيراً ويجب عليها أن تدفع خدمة هذا الدين. وصحيح أننا تخلّفنا عن دفع الدين العام المكوَّن بالدولار أو ما يعرف باليوروبوند، لكننا لا نزال ندفع خدمة الدين العام بالليرة”.

ويضيف، “بالتالي، كل هذه النفقات المترتبة على القطاع العام بحاجة إلى تمويل، ولا مداخيل ضريبية كافية لتمويلها، وهي تموَّل حالياً من المصرف المركزي عن طريق التضخم وانهيار سعر الصرف”، منوِّهاً إلى أن “الإصلاح المطلوب بإلحاح، أن توقف الحكومة عجزها وتخفِّض نفقاتها العامة وتعيد هيكلة القطاع العام. وقبله والأهم، ضرورة أن يتوقف المصرف المركزي عن زيادة حجم الكتلة النقدية بالليرة، إن لم تكن مغطاة باحتياطيّ عملات أجنبية”.

ويشرح، أن “ما يحاوله البنك المركزي، هو ضخّ ليرات في السوق من أجل تمويل الدولة والقطاع العام والعجز، ومن ثم يعود لشرائها مجدداً عن طريق خسارة دولارات المودعين”، موضحاً أن “هذا النظام العائم الموجَّه الذي من ناحيةٍ، ضخُّ الليرة في السوق يؤدي إلى انهيار سعر الصرف وارتفاع الدولار الذي نشهده يومياً، ومن ناحية ثانية إعادة شراء الليرة التي ضخَّيناها لتأمين الاستقرار لسعر الصرف يؤدي في نهاية المطاف لخسارة ما تبقَّى من أموال المودعين”.

ويؤكد، أن “هذه سياسة خاطئة وستؤدي إلى نتائج عكسية”. ويوضح، أن “ما يحكى عن زيادة الدولار الجمركي من 1.500 ل.ل. إلى 20.000 ل.ل، يعني زيادة تساوي 13 ضعفاً”، مؤكداً أن “زيادة التعرفات الجمركية بهذه النسبة لن يؤدي إلى زيادة الإيرادات الجمركية بالنسبة ذاتها بالتوازي”، ومعرباً عن اعتقاده بأن “زيادة الإيرادات الجمركية المتوقعة مبالغ بها بشكل كبير جداً، لأن ما سيحصل بكل بساطة هو زيادة التهريب والتهرُّب الجمركي”.

ويشدد، على أن “الجميع يعلم أن هناك تهرُّباً جمركياً واسع النطاق ومستشرياً عبر مختلف المنافذ البرية والبحرية والجوية. بالتالي، إن كان هناك قسم من المستوردين والتجار لا يزال يصرِّح عن بضائعه بشكل سليم ويدفع متوجباته الجمركية، لن يعود مجدياً له الاستمرار في ذلك إذا رفع الدولار الجمركي إلى 20.000 ل.ل، بل يصبح من الأفضل بالنسبة إليه أن يحاول (تزبيطها) بالتي هي أحسن مع أحد ما في الجمارك، على دفع التعرفة الجمركية الجديدة”.

ويرى مارديني، أنه “بدل أن تزيد هذه الخطوة مداخيل الحكومة، ستزيد التهرُّب الجمركي. والأمر ذاته سيحصل، حتى لو افترضنا أننا سنتمكن من ضبط التهرُّب الجمركي، إذ سيلجأ كثيرون إلى إدخال البضاعة إلى مرافئ في بلدان مجاورة من دون دفع رسوم جمركية، ومن ثم يتم تهريبها إلى لبنان حيث تباع في السوق السوداء”.

وبالتالي، يشير مارديني، إلى أن “هذه السياسة تُدعِّم مداخيل المهرِّبين والذين يسهِّلون التهرُّب الضريبي والتهريب، لا مداخيل الحكومة. لذلك، لن تؤدي إلى النتائج المرجوة، ولن تسمح بزيادة مداخيل الحكومة بشكل يكفي لتغطية عجز الموازنة العامة”، معتبراً أن “الحكومة تبيع فروة الدب قبل اصطياده. بمعنى أنه، توقعاً لزيادة المداخيل الجمركية، بدأ الحديث عن زيادة الرواتب والأجور. أي بدأنا بزيادة النفقات فيما المداخيل لا تزال افتراضية، بل معظمها وهميّ”.

ولا يستغرب مارديني، أن “نكتشف في النهاية، في حال الإقدام على رفع الدولار الجمركي، أن عجز الموازنة ارتفع بدل أن ينخفض، أي أن تمويل الموازنة عن طريق زيادة حجم الكتلة النقدية ارتفع، وبالتالي التضخم زاد”.

وبرأيه، أن “هناك تفاؤلاً في غير محله حول قدرة الزيادات الضريبية على توفير الإيرادات اللازمة، وليس فقط بسبب التهرُّب الجمركي والتهريب، لأنه عند زيادة الرسوم والضرائب يصبح البلد غير تنافسيّ وغير جاذب. وعلى سبيل المثال، إن كانت التعرفة الجمركية على مستوردات المؤسسات السياحية سترتفع بهذا الحجم، هذا يعني أنها ستضطر لرفع فواتيرها على السياح والزبائن لتستمر. بالتالي كيف سيتمكن لبنان عندها من منافسة دول سياحية عدة في المنطقة، مثل تركيا ومصر والأردن وقبرص واليونان؟”.

ويؤكد مارديني، أن “لبنان لن يعود بإمكانه المنافسة، لا سياحياً ولا صناعياً ولا زراعياً ولا خدماتياً في هذه الحالة. أي عملياً، سنساهم في زيادة الأزمة والركود الاقتصادي، ومع الركود الإضافي ستنخفض إيرادات الدولة أكثر ولن تزيد. بالتالي، سياسة زيادة الضرائب والرسوم خاطئة جداً، خصوصاً في بلد يمرّ بانهيار اقتصادي. فلا أحد في العالم يزيد الضرائب والرسوم في عزّ الانهيار، والأجدى تخفيض النفقات العامة، والأهم وقف تمويل العجز عن طريق زيادة الكتلة النقدية. وللأسف، الخطوات التي يُعمل عليها هي في الاتجاه الخاطئ”.

 

ويشير مارديني، إلى أنه “بدل أن تعمل الحكومة على تخفيض نفقاتها والبدء بتصحيح الوضع، تعمل بطريقة ثانية، إذ يحكى عن زيادة الإيرادات من خلال زيادة الضرائب والرسوم، وتحديداً التعرفات والرسوم الجمركية. فبرأي الحكومة أنه عبر زيادة التعرفات الجمركية يمكن أن تزداد الإيرادات بشكل يؤدي إلى تغطية عجز الموازنة إلى حدِّ انتفائه، وعندها تنتفي الحاجة إلى تمويل العجز، الذي لم يعد موجوداً، عن طريق زيادة حجم الكتلة النقدية”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع القوات اللبنانية