تعاميم رياض سلامة “بدها مبصّر”: عدة سيناريوهات لتعديل “اللولار” المصرفي… ولا أحد يعرف أيها سيتم اعتماده!

تعاميم رياض سلامة “بدها مبصّر”: عدة سيناريوهات لتعديل “اللولار” المصرفي… ولا أحد يعرف أيها سيتم اعتماده!

في وقت أوقفت فيه فرنسا رياض سلامة لتهريبه أموالاً لم يصرح عنها مسبقاً، في فضيحة قد “تزلزل” أي بلد طبيعي غير لبنان، المزلزل “خلقة”، ها هي ودائع اللبنانيين معلقة بين يدي تعاميمه كحاكم المصرف المركزي، بينما تتفاوض لجنة المال والموازنة معه لـ”تحسين” سعر صرف الدولار المصرفي، المعروف بـ “اللولار” أو الدولار المصروف لصاحبه على أقل من قيمته. إذ وقبل أشهر من موعد الانتخابات النيابية، تكثر العراضات “الشعبوية”، فتبيع لجنة المال والموازنة برئاسة النائب ابراهيم كنعان، المودعين دولاراتهم على شكل “ليرات”، وتنتظر منهم الشكر ربما!

واللجنة التي بالكاد لها صلاحية إصدار “توصية” في هذا المجال، كان الأجدى بها حض المجلس النيابي منذ أشهر على إقرار كابيتال كونترول قانوني يحمي ودائع المودعين في البنوك، عوض الاستنسابية الحاصلة في قيمة السحوبات المسموح بها من جهة، والاقتطاع من الودائع “هيركات” سواء عبر التعميم 151 او 158، من جهة أخرى.

وبعد أسابيع على بيان سلامة الذي نفى فيه خبر تعديل سعر صرف الدولار مقابل الليرة التي يسحبها المواطنون من المصارف حسب التعميم رقم 151 من 3900 ليرة إلى 6200 ليرة للدولار، وبالتزامن مع انتهاء مهلة هذا التعميم آخر الشهر الحالي، بات التعديل أمراً واقعاً، لكن بقي سعر الصرف الجديد مجهولاً حتى الساعة، ومع ان التعميم 158 خطف الأضواء من التعميم الذي قبله، على قاعدة “كل قديم الو دفشة”، لكن المودعين بقيوا على حيرة من أمرهم، بين تعميمين “أحلاهما مر”.

ومع استمرار قسم من المودعين بالتعامل وفق التعميم 151، وإتاحة المصارف سقف سحوبات شهرية 1500 دولار كحد أقصى (بدأ بعضها بتقليص سقف هذه السحوبات مؤخراً)، مع نسبة هيركات تصل إلى حدود 85% (بما أن دولار السوق السوداء يصل أحيانا إلى 20 الف ليرة لبنانية)، وفق اي سيناريوهات سيعدل “اللولار” المصرفي، وماذا عن موقف المودعين من هذا التعديل؟


تعديل بالسعر… وتعديلات بالآلية


ومع أن التركيز اليوم على تحديد سعر الصرف الجديد، لما في ذلك من تأثير “شعبوي” و”نفسي” دأب رئيس لجنة الموازنة النائب ابراهيم كنعان على اللعب على وترهما، مطالبا برفع سعر اللولار تدريجيا حتى يتساوى ودولار السوق السوداء، غير مبال بالضغط على الكتلة النقدية بالعملة المحلية، والتضخم الهائل الذي تسببه، والأهم، تجاهله وتجنبه الحديث عن الآلية الجديدة التي سيسري وفقها التعميم، والتي قد تكون عاملاً أساساً لناحية حسم المودعين خياراتهم بين التعميمين 151 و158.

في الإطار، يقول الخبير الاقتصادي باتريك مارديني لـ”التحري” أن تغيير سعر صرف الدولار المصرفي لا بد له أن يترافق مع تعديلات بالآلية. “وأحد الاحتمالات المطروحة هو تقليص سقف السحوبات الشهرية للدولار المصرفي”. أي أنه، إذا كان السقف الأقصى للسحوبات الشهرية لإحدى الودائع هو 1500 دولاراً، قد تعتمد في الآلية الجديدة نصف القيمة، أي 750 دولاراً.

وهو تعديل لا يعني ان المودع سيتمكن من سحب قيمة أكبر من وديعته على الليرة، وهنا يعطي مارديني مثالا عمليا “فإذا كان المودع يسحب 1000 دولار شهرياً، ويحصل على 390000 ليرة وفق دولار الـ3900، سيسحب 3 ملايين و9 مئة ألف ليرة أيضا وفق دولار الـ8000 ليرة، لكن هذه القيمة ستوازي 500 دولار فقط من وديعته، بينما تبقى الـ500 دولار الأخرى في حسابه.

وباختصار، بامكان المودع سحب نفس قيمة المبلغ اللبناني من البنك ولكن سيتم خسم مبلغ اقل من حسابه بالدولار المقيد في البنك.

ولن تسبب هذه الآلية المزيد من الضغط على الكتلة النقدية وبالتالي التضخم. يوضح مارديني “فضخّ الليرة حافظ على وتيرته، طالما ان قيمة الوديعة بالليرة بقيت ثابتة، وبهذه العملية لا يتغير شيء على سحوبات المواطنين، لكنه سيخفف عليهم الهيركات”.

وتقدر الكتلة النقدية التي يضخها مصرف لبنان بالليرة بنحو 40 ألف مليار ليرة، واعتماد 8000 ليرة على سبيل المثال كتسعيرة جديدة للدولار المصرفي، دونما أي تعديل على الآلية، سيزيد الكتلة 8 آلاف مليار ليرة، ما يعني زيادة في التضخم.

ودولار الـ8000 ليرة يقلص نسبة الهيركات على السحوبات بنسبة 50%، لكن مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، سيما مع غياب حلول سياسية في الأفق أبرزها تعذر تشكيل الحكومة، فإن هذا الهيركات مرجح للارتفاع، عدا عن أن الكابيتال كونترول سيزيد على الوديعة، وستحافظ الدولارات المقيدة في البنوك “صورياً” على قيمتها، لكنها “مقيدة”، وتنتظر حلولاً اقتصادية ومالية لتوزيع الخسائر، وهي حلول لم تتضح معالمها بعد، فيما مصير تقاضي هذه المبالغ، ومدة تقاضيها، والتعاميم التي سيحصل منها المودعون على هذه الدولارات مستقبلاً، كلها امور مجهولة.


بطاقة ائتمانية


ومع أن مصادر مصرفية عدة تنفي اعتماد ليرة البطاقة الائتمانية في التعميم رقم 151، كما في التعميم 158، يرجح مارديني “وجود خيار ثان مطروح، وهو تقاضي جزء من الوديعة نقدا، وجزء عبر بطاقة الدفع”. ويصف هذا الخيار بـ”السيء جداً لأنه يخلق ليرة لبنانية مقيدة بالمصارف، يستعملها المودع عبر البطاقة حصرا ولا يتمكن من تصريفها نقدا، تماما كالدولار المقيد الذي لا نستطيع سحبه”.

وأخطر ما في هذه الليرة هو “نوعيتها الرديئة فهي لن تكون مرغوبة ولن يرضى أحد بها. ما يعني خلق أزمة جديدة مرتبطة هذه المرة بالعملة المحلية”.


تعميم غير قانوني


وفي حديث لـ”التحري”، يقول علاء خورشيد، رئيس جمعية “صرخة المودعين”، انه “في الدستور الذي وضعوه ويتظاهرون انهم يتشاجرون عليه ليلا نهارا وكل يشرحه على ليلاه. الفقرة (و) منه والبند 15، يقولان ان كل تعميمات سلامة غير دستورية وغير قانونية، فهي تخالف هاتين الفقرتين في الدستور”.

والموضوع محسوم برأيه، “فمن حق المودع استرداد أمواله كما هي، ولجنة المال والموازنة والمصارف وحاكم مصرف لبنان، لديهم فجوة مالية يريدون إغلاقها من اموال المودعين”.

وهذا “تعب الناس وشقاها”، يضيف خورشيد، بينما “ثروات السياسيين تضاعفت من جيوب الناس، فشيدوا القصور واشتروا طائرات خاصة وجمعوا المليارات وحين دقت ساعة الانهيار، يريدون تدفيع المواطن الفاتورة. هذه هي الخلاصة”.

وعن التعميمين 151 و158، يرى أنه “لا شيء اسمه افضل الاسوأ”. منوها إلى أن السياسيين في لبنان “يعتبرون الناس اغبياء، ويلهونهم اي التعاميم افضل كمن يقول لنا نريد سرقتكم قليلاً وليس كثيراً وكأن الناس لا عقل لديها ولا تفكر”.
ويتساءل خورشيد “عن أي خطة اقتصادية تضمن لنا استرداد ودائعنا يتكلمون، حاميها حراميها!”.

بدوره، قال كنعان منذ أيام “لماذا الاستمرار بقهر المودعين؟”، قالها كنعان ونسي نفسه. والأهم اليوم، لماذا الاستمرار بسياسة التذاكي على أصحاب الحق وإعطائهم إياه “بالقطّارة”، إن وصل؟!

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع التحري