جدّد مجلس النواب، خلال الأسبوع الماضي، عقد باخرة توليد الطاقة “فاطمة غول” التي تشغلها شركة “كارادينيز “التركية، لمدة سنة واحدة، وبموافقة جميع الاطراف، وذلك رغم إسقاط مجلس الوزراء، في جلسته التي عقدت في 26 نيسان الماضي، ملف البواخر الذي رافقه تجاذب سياسي ومالي.
وبرزت أحاديث حول تكليف وزير الطاقة سيزار أبي خليل بالتفاوض مع “كاردينيز” لخفض التكلفة.
من جهة أخرى، تواجه مؤسسة “كهرباء لبنان”، عجزاً مالياً كبيراً، مع استمرار صعود أسعار النفط، وكانت قد وضعت موازنتها الجديدة على أساس سعر 65 دولار، وطلبت في المقابل نحو 2850 مليار ليرة إضافية إلى ايراداتها الأساسية، وذلك لمواجهة ارتفاع الأسعار المستجد، إلا أنها لم تحصل سوى على 2100 مليار ليرة.
فلنتعرف أكثر الى التأثيرات الناجمة عن تجديد عقد الباخرة التركية، وعن مصير مؤسسة “كهرباء لبنان” في ظل التزايد المتواصل في عجزها مقابل استمرار أسعار النفط العالمية بالارتفاع، وذلك في حديث خاص لـ”الاقتصاد”، مع رئيس المعهد اللبناني لداراسات السوق، د. باتريك مارديني:
– ما هي تداعيات تجديد عقد “فاطمة غول”؟
هذه الخطوة ستؤدي الى زيادة التكلفة على الدولة اللبنانية، فالمشكلة الأساسية التي نعاني منها، هي أن الدولة تشتري الكهرباء وتبيعها للمواطن بخسارة، وكلما اشترت المزيد من الطاقة، كلما خسرت المزيد من الأموال.
– برأيك، ما هي الحلول البديلة للتجديد؟
للأسف الشديد، نحن ننتظر حتى اللحظة الأخيرة في كل مرة، من أجل معالجة هذا الموضوع، وبالتالي نصل الى نهاية الطريق، ونحتاج حينها الى الحل بشكل سريع. ولكن لو كانت وزارة الطاقة متبصرة، ونظرت الى الموضوع منذ سنة مثلا، لكان الوضع مختلفا اليوم؛ اذ أن الجميع يعلم أن العقد سينتهي، فلماذا الانتظار حتى اللحظة الأخيرة؟
من جهة أخرى، هناك حلول تكلف الدولة صفر دولار، فهي قادرة اليوم على استقطاب أي شركة لتوليد الطاقة، وإنشاء المعامل على البر، وبيع الكهرباء للمواطن اللبناني؛ ولكن لماذا نتمسك الى هذا الحد بالبواخر؟ فكل دول العالم تورّد الكهرباء، وبالتالي يكفي أن نقوم بما قامت به الدول الأخرى. اذ أن عدد البلدان التي تستخدم البواخر قليل جدا، وقد يستعين بها البعض أثناء الكوارث الطبيعية، لكي تكون البديل حتى يتم إعادة النشاط الى المعامل؛ وبالتالي فإن حل البواخر غير طبيعي.
أما الحل فيكمن بكل بساطة في السماح للقطاع الخاص بالانخراط في ميدان الكهرباء، والاهتمام بالتوزيع. فهناك فئة من اللبنانيين الذين لا يدفعون فواتير الكهرباء، وفي المقابل يسددون فواتير المولدات على الوقت، خوفا من انقطاعها. ومن هنا يمكن تطبيق هذا الحل في لبنان، من خلال إنشاء معامل خاصة يدفع لها المواطن بشكل مباشر دون أي تدخل من الدولة.
فالدولة اللبنانية لا تعرف كيفية توزيع الكهرباء، أو حتى تحصيل الفواتير، كما أنها من أكبر الملوثين عبر معاملها. في حين أن كل بلدان العالم، تضع إطارا عاما لتأمين الكهرباء لكنها لا تولد الكهرباء بنفسها، بل هناك شركات تتنافس بين بعضها من أجل تقديم العروض المختلفة للمواطن، وهذا الأخير يختار الأفضل بالنسبة له.
وفي تركيا، على سبيل المثال، توجد 15 شركة خاصة غير تابعة للدولة، لتوليد الكهرباء، ومنها “كارادينيز“؛ فلماذا أشتري الكهرباء من شركة خاصة تركية، وفي المقابل أمنع شركات خاصة لبنانية من إنتاج الكهرباء؟
– اذا يمكن القول أن الحل البديل لأزمة الكهرباء في لبنان يكمن في استلام الشركات الخاصة زمام الأمور؟
نعم، وحينها ستحدّ الدولة اللبنانية من خسائرها، اذ وصل الدين العام في لبنان الى حدود الـ80 مليار دولار، 45% تكبدتها الدولة بسبب موضوع الكهرباء والفوائد عليه.
وبالتالي اذا نزعت الدولة يديها عن هذا القطاع، ستوفر على نفسها خسارة سنوية قد تصل الى 2 مليار دولار. وفي هذه الحالة، ستترك الموضوع بين أيادي أشخاص يعرفون كيفية إدارة القطاع، وستحصل بدورها على الضرائب منهم؛ أي سوف تربح الأموال بدلا من دفعها وزيادة الدين والعجز دون حتى الحصول على نتيجة مرضية من ناحية ساعات التغذية.
فالكهرباء هي من أهم الموانع لتطور الاقتصاد اللبناني، كما تؤثر على الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها، وبالتالي تحدّ من قدرة لبنان على منافسة البلدان الأخرى.
– الى أي مدى يؤثر ارتفاع أسعار النفط عالميا على العجز في مؤسسة “كهرباء لبنان”؟
الدولة اللبنانية ترصد مبلغا معينا، أي سلفة لمؤسسة “كهرباء لبنان”، من أجل إغلاق خسائرها السنوية. وقد تم رصد المبلغ هذه السنة بحسب سعر أدنى من الذي وصلنا اليه اليوم، وبالتالي فإن التمويل لن يغطي كلفة الإنتاج، ونحن متجهون نحو أزمة.
فإما تزيد وزارة المالية السلفة التي تعطيها لـ”كهرباء لبنان”، وإما سيزيد التقنين لأن المؤسسة لا تمتلك الأموال الكافية لشراء الوقود. ما معناه أن وزارة الطاقة، تتحدث عن إحضار باخرة لتوليد المزيد من الطاقة، في حين أنها لا تمتلك الأموال لإمدادها بالوقود. وهذه الأزمة القادمة تدل على فشل ذريع في إدارة كل القطاع، وبالتالي يكمن الحل في زيادة الدولة لاعتماد شركة “كهرباء لبنان”، وحينها سيزيد مصروفنا على الكهرباء وسيرتفع العجز، أو سنصل أخيرا الى الحل المنشود وهو إيقاف دعم الدولة للكهرباء، وبيعها بخسارة.
لكن هذا الموضوع بحاجة الى إجراءات شجاعة، والى الاعتراف بعدم قدرة الدولة على دعم الكهرباء، وبالتالي رفع الدعم عنها، وبيعها بسعرها الحقيقي للمواطنين، وبهذه الطريقة لن تتكبد المؤسسة المزيد من الخسائر، وسنكون قد حققنا الخطوة الأولى في طريق الإصلاح الطويل.