هبة إسبانية تُدغدغ إحياء «حلم» دوران عجلات سكك الحديد في لبنان

هبة إسبانية تُدغدغ إحياء «حلم» دوران عجلات سكك الحديد في لبنان

بيروت: «رزق الله على أيامك يا ترامواي بيروت».. عبارة حنين يستذكر اللبنانيون من خلالها حقبة من ماضيهم الجميل، المحفورة على بقايا محطات وسكك «أكلها» الصدأ والإهمال، وفتك بعجلات قطارات «مشلولة» كحال بلد ينتظر، كما هي، فرصة إحياء وحياة.

تئن «بوابة الشرق» بعد أن توقّف خط السكة الحديد فيها عن الدوران، فباكورة انطلاقته إبان العهد العثماني (1908-1918) بخمسة خطوط سككية أضحت في كتاب الأسلاف، وحركة القطارات قيّدت الحرب الأهلية عملها، لتصمت معلنة موتها في تلك الحقبة السوداء.

اليوم، وفي ظل ارتفاع كلفة النقل والأزمة الخانقة التي يعاني منها اللبنانيون، تبقى الحسرة ممزوجة مع الأمل في أن تعود البلاد مع قطارها، إلى سكّتها في أسرع وقت، علّ معجزة تنتشلهم من واقعهم المرير.

تنزف سكك الحديد بجمودها ألماً على واقع أرهقها، وسط طموحات متجددة بإعادة إحياء المشروع لتستعيد دورها الرائد كأبرز عواصم المنطقة، إلا أن خطوطها لا تزال قائمة حتى اليوم، بطول أكثر من 407 كيلومترات على الساحل ونحو شرق البلاد، فضلاً عن مسارين يعبران الحدود باتجاه سوريا، فهل دقّت الساعة لتُعلن أن عودتها ليست مستحيلة؟!

هل تُحوّل الهبة غير المشروطة الحلم الموعود إلى حقيقة؟

على مدار السنوات، أهملت الدولة اللبنانية مشروع إعادة بناء خطوط السكك الحديدية، وبقيت المشاريع في الأدراج من دون أن يُنفض عنها الغبار، فيما رواتب مصلحة سكك الحديد لا تزال تُصرف، في أبهى حُلة عن نموذج لهدر يدفع ثمنه الشعب المقهور من جيوبه.

وبعد أن توالت الوعود المخدّرة للسياسيين بدراسة العديد من الخطط، إلا أنها بقيت ضمن سلةّ غير قابلة للتنفيذ، كبقية التعهدات التي تبقى أقوالاً من دون أفعال .

أيقظت الدولة الإسبانية المشروع الحلم بالنسبة للمواطنين، إذ أكد وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية تبلّغه رسميّاً استعداد الحكومة الإسبانية لتمويل المخطط التوجيهي لسكك الحديد على كامل الأراضي اللبنانية، وفق وعد من سفير إسبانيا في لبنان خوسيه ماريا فيري ديلا بينا، الذي أكد على أن تمويل المخطط التوجيهي هو هبة غير مشروطة من الحكومة الإسبانية، مشيراً إلى أن الشركة المكلفة بإعداد دراسة المخطط التوجيهي والجدوى الاقتصادية هي من أهم الشركات العالمية، ولديها خبرة واسعة في هذا المجال.

وبعد زفّ الخبر السعيد من الوزير، يبقى السؤال المعتاد: هل سيُبصر الحلم الموعود النور؟

يعتبر المخطط التوجيهي المرحلة النظرية الأولى في أي مشروع، تمهيداً للمخطط التفصيلي قبل الولوج إلى التنفيذ، المستبعد حالياً نظراً لعدم قدرة لبنان على تحمّل التكاليف في ظل الظروف الراهنة، لذلك اعتبر الخبير الاقتصادي في المعهد اللبناني لدراسات السوق أنطوني زينا عبر «المجلة» أن الولوج إلى تقديم خطة واضحة للجهة الإسبانية يرتبط بقدرة الدولة اللبنانية وسرعتها باتخاذ قرار حاسم على المشروع، لأن الحكومة الإسبانية واضحة بأنها تريد إعطاء لبنان هبة غير مشروطة، كما أعلنت أن هناك شركة إسبانية قادمة إلى لبنان لتضع دراسة عن الموضوع، لذلك لابد لنا وأن ننتظر الدراسة ومقدار الوقت الذي ستتخذه الدولة اللبنانية لإعطاء قرارها الحاسم تجاه هذا المشروع.

مخطّطات كثيرة من دون خظوات عملية.. وبارقة أمل!

منذ آخر رحلة للقطار عام 1995، لا جديد سوى المزيد من المخططات التوجيهية والوعود بالتنفيذ، فيما أمنية اللبنانيين إعادة تفعيل سكك الحديد، مع ما يعانونه من مشكلات يومية في المواصلات، في ظل عدم وجود خطة للنقل العام، وغياب القرار السياسي الجدي للشروع في هذه المهمة المستحيلة، فيما لم يَظفر القطاع سوى بالوعود لاستنهاضه، فالمخططات التوجيهية والدراسات لإعادة الإحياء لم تقابلها أي خطوة عملية.

هذا المخطط الإسباني ليس يتيماً، ولكنه يُشكّل بارقة أمل في النفق الأسود الذي يمر به لبنان، وبحسب ما أوضح زينا فإن الهبة التي تقدمها الحكومة الإسبانية للدولة اللبنانية هي خطوة إيجابية، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي المأزوم الذي يعاني منه البلد، وبالتحديد مشكلة التنقل، لافتاً إلى أن الأساس هو كيف ستستخدم الدولة اللبنانية هذه الهبة، فإذا قامت الدولة بإعادة تأهيل وتشييد لسكة الحديد وقامت بتأميمها وأقامت التلزيمات لها، فإن ذلك سينعكس سلباً على الاقتصاد اللبناني، لأنه سيؤدي إلى وجود إنفاق عام جديد، فتشغيل سكة الحديد يحتاج إلى صيانة على مدار الساعة، وهي مكلفة جداً، فصيانة سكة الحديد تساوي كلفة بنائها من جديد كل 3 سنوات ونصف تقريباً.

جزم زينا بأن الإيجابية تكمن في حال تصرفت الدولة اللبنانية بهذه الهبة بالطريقة الصحيحة، إذ إنها تستطيع خفض نفقاتها عبر نقل عائق الإنفاق العام المستقبلي الناتج عن الصيانة إلى شركات خاصة من خلال عقود (BOO)، وتلزيمها إلى هذه الشركات لتقوم بإعادة تأهيل وترميم وإدارة السكك على النطاق التي تسلمته من الدولة اللبنانية التي ترفع عنها أي إنفاق غير ضروري.

وشدد على أنه لا قدرة للدولة على تحمّل أعباء الصيانة أو أي إنفاق عام جديد، بدليل عدم قيامها بصيانة شبكة الكهرباء.

أهمية اقتصادية

جعل القطار من مرفأ بيروت بوابة للمشرق، وأنتج انتعاشاً سياحياً للمدن والبلدات التي كان يمر عبرها ويربطها ببعضها، وإلى جانب أهميته الاقتصادية، يُعد القطار حاجة معيشية للبنانيين بعد انهيار قدرتهم الشرائية، وبات التنقل في السيارات الخاصة همّاً يومياً سواء لناحية غلاء أسعار السيارات والمحروقات التي ارتفعت أسعارها بنحو 40 في المائة، ما دفع أصحاب سيارات وحافلات الأجرة إلى زيادة سعر تعرفة التنقل بشكل كبير.

كل هذه المعطيات، تُظهر الحاجة المُلحّة إلى نظام نقل مشترك، فالقطار يصل المناطق ببعضها ويخفف تكلفة التنقل في ظل هذه الظروف الاقتصادية القاسية والضائقة المالية، فضلاً عن كونه يخفف من زحمة السير.

شدد زينا على أنه مما لا شك فيه أن سكة الحديد ستساعد في ذلك، كما أنها ستُسرّع عملية النقل للشركات الخاصة في لبنان، فأي سلعة ستحتاج إلى وقت أقل لتصل إلى وجهتها، وهذا يوفّر الأموال على الشركات الخاصة ويُعزّز الإنتاج اللبناني، وقال: نحن بحاجة إلى أن تُعاود الشركات عملها بشكل أكبر، خصوصاً إذا تم الأخذ بعين الاعتبار أن الطرق في لبنان غير مهيأة وسيئة، والبنى التحتية في البلد غير مجهزة لنقل كميات كبيرة من الحاويات الكبيرة، فالأكيد أن سكة الحديد تساعد في هذا المجال.

إيجابيات وسلبيات.. خطوة باتجاه العمق العربي

خفتت الأضواء عن بيروت ومرفئها عقب انفجار 4 أغسطس (آب) والمتغيّرات السياسية والأمنية في المنطقة، وبالتالي يُمكّن خط السكة الحديد العاصمة من استعادة دورها وتوسيعه، فضلاً عن انعكاس سيطال حكماً مرفأ طرابلس باعتباره الأقرب نحو تركيا.

أكد زينا على أن كيفية علاقة لبنان مع البلدان المجاورة، وتحديداً العربية، ووجه الإيجابيات والسلبيات من هذا الموضوع يبقى رهن كيفية تصرف الدولة اللبنانية، فهي إذا قررت فرض أجرة مرور مرتفعة على السلع التي ستدخل الأراضي اللبنانية لتعبر إلى بلدان أخرى، فهذا الشيء سينعكس سلباً على الواقع الداخلي، وخصوصاً على الاقتصاد اللبناني، لأن المنتجات اللبنانية ستعامل بالمثل في البلدان الأخرى، أي إن تلك البلدان ستلجأ إلى وضع ضريبة مرتفعة جداً عليها أسوة بالطريقة التي يتم التعاطي معها.

واعتبر أنه من الأفضل أن تأخذ الدولة اللبنانية قرارها مسبقاً بوضع أجرة مرور منخفضة على السلع، لأن ذلك سيُشكّل حافزاً عند الدول الأخرى لإدخال بضائعها عبر لبنان، وهذا ينعكس إيجاباً على الاقتصاد اللبناني، لأن ضريبة تلك الدول على البضائع اللبنانية تصبح أقل لأنهم سيعاملوننا بالمثل.

وشدد زينا على أن كل هذه الإيجابيات لن تكون ملموسة ما لم يتم القيام بهكذا خطوات، والمطلوب من الدولة اللبنانية، في حال اتخاذها قرار المضي بمشروع السكة الحديد على عاتقها، أن تكون دراستها مبنية على أساس أن ذلك لن يُكبّدها أي إنفاق عام مستقبلي، وخصوصاً من ناحية الصيانة، لذلك يجب تلافي أي خطوة تساهم في هدر المال العام من خلال رفع هكذا إنفاق عن كاهل الدولة التي يتطلب عليها أن تعطي الدور الأساسي للقيام بذلك إلى الشركات الخاصة، إذ إن الأخيرة تستطيع أن تديرها بشكل أفضل، وسيكون لها دافع للقيام بأعمال الصيانة المطلوبة بالطريقة المثلى، لأنها في حال لم تقم بذلك وفق المعايير المطلوبة، فإنها ستخسر استثمارها الخاص الذي ستضعه في هذا القطاع.

وسط كل هذه المعطيات، يبقى المضي بهذا المشروع رهن ما ستؤول إليه التطورات في البلاد، في مرحلة مصيرية قبيل الانتخابات النيابية المرتقبة في مايو (أيار) المقبل.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع المجلة