في ”الدولة اللبنانية الغافلة“: سوء وإستياء وإساءة!

في ”الدولة اللبنانية الغافلة“: سوء وإستياء وإساءة!

إنّ الخوف مما قد يحمله المستقبل القريب بات واضحاً، حيث تتعمق الأزمة الإقتصادية الراهنة وتتدهور مستويات المعيشة بسرعة هائلة في بلدٍ أصبح فريسة لموقعه الجغرافي، وضحية لتقسيماته الطائفية، وطريدة للمصالح السياسية.

ورغم صغر حجم هذا البلد، إلا أن طموحات سُلْطته السياسية لا تتسع ضمن حدوده، وراتبها الشهري (حوالي مليونين و700 ألف ليرة لبنانية) الأعلى عالمياً بالنسبة للحد الأدنى للأجور لا ”يشبعها“، فلا يبقى حل أمامها سوى حط النظر على جنى عمر المواطن في المصارف، وعلى لقمة عيش الطبقة الفقيرة… وما أدراهم أن هذه اللقمة تحول الأباء إلى قطاع طرق من أجل أطفالهم!

وبالتالي، لم يَسْلم أصحاب المحال التجارية والمؤسسات الخاصة من التدهور الدراماتيكي الذي يصيب الحياة الاقتصادية اللبنانية أيضاً، إذ تعثر هذا القطاع ليصبح على ”شفير الموت“، مجبراً إحد أهم المحال التجارية الإنسحاب من السوق اللبناني حتى إشعارٍ آخر، من ضمنها، Marie France LcWaikiki ،Etam ،Jennyfer ،MikeSport ،Brand for Less وغيرها الكثير…

ولكن رغم كل الإساءة والإستياء، رفعت هياكل بعلبك صوت الموسيقى عالياً رافقها مزيج من التاريخ والفن والتراث والعظمة لتبعث رسالة ”صمود“ إلى اللبنانيين في الخامس من تموز. فناموا على ”علو صوت الموسيقى“ وأفاقوا على ”علو الدولار“ بشكل غير منطقي بعد إنخفاضه قرابة السبعة ألآف ليرة لبنانية بين ليلة وضحاها. وإذا كان اللبناني قد حاول التمسك بنبض الحياة يوم أمس، فلم يبقى لديه من الأصل أي نبض اليوم.

نَعم، إنه التقصير الرسمي الفاضح والفادح لمكونات السلطة، أي الحكم والحكومة. إنه كذب ونفاق وشجع الطبقة الحاكمة التي وعدت بالقضاء على الفساد بإصلاحاتها المالية- الإقتصادية والمعيشية-الإجتماعية ولكن كيف لفاسدٍ أن يقضي على الفساد وهو بالأصل حليفٍ لها؟

لقد دمروا لبنان بإحاكة المؤامرات من تحت الطاولة، وشوهوا صورته على الصعيدين الإقليمي والدولي بشن حروبٍ إفتراضية وخيالية ضد عدو وهمي. إذ حولوا لبنان الأخضر الذي كان يضم أول محطة قطار في العالم العربي وأضخم أنابيب نفط على المستوى العالمي إلى لبنانٍ أسود لا يتضمنه شيئاً إلا إنهيار للعملة المحلية وإنقطاعات مستمرة للتيار الكهربائي وشح للمواد الأولوية. فنَعم، إنه تحولاً مأساوياً من ”سويسرا الشرق“ إلى ”فنزويلا الشرق“…

من ”سويسرا الشرق“ إلى ”فنزويلا الشرق“
يرى الخبير الإقتصادي الدكتور بيار خوري أن ”لبنان يميل في أزمته الحالية أكثر نحو النموذج الفنزويلي“. وأضاف خوري ”الحصار الإقتصادي والسياسي والمالي أدى إلى انهيار إقتصاد فنزويلا الداخلي، وذلك بالإضافة إلى الأخطاء التي ارتكبت في إدارة الرئيس الفنزويلي مادورو للأزمة“.

فعلى صعيد وتيرة الأزمات السياسية الداخلية، شهدت فنزويلا أزمات سياسية حادة وخطيرة زعزعت الإستقرار الأمني في البلاد نتيجة الحصار الإقتصادي-السياسي الأميركي المُحكم، الأمر الذي أدى إلى سلسلة من الإحتجاجات الشعبية الواسعة النطاق.

تزامناً، يشهد لبنان حالياً أزمة متشابهة أودت بالبلاد إلى داخل نفق قاتم من الانقسامات السياسية الحادّة والخضّات الأمنية المستمرة، ناهيك عن الشلل الإقتصادي الذي كان عاملاً أساسياً في إندلاع التحركات والإحتجاجات الرافضة لبقاء زعماء الصراع المحتدم على السلطة.

التضخم المالي
ومع إزدياد وطأة الأزمة الفنزولية الإقتصادية والمالية سوءاً نتيجة لجوء الحكومة إلى الإستدانة المفرطة دامت لسنوات طويلة، إرتفعت نسبة التضخم بحدة، وخاصة بعد إنتخاب مادورو رئيساً لها، إلى معدلات قياسية تجاوزت 1،000،000 بالمئة في نهاية عام 2018.

أما اليوم، انخفض معدل التضخم السنوي إلى ما يقارب 2296.6 بالمئة في أيار 2020 بحسب البنك المركزي في فينزويلا.

في لبنان، ارتفع معدل التضخم السنوي إلى 56.53 بالمئة في شهر أيار 2020، وهو أعلى معدل منذ عام 2008. ويتوقع الخبير الإقتصادي العالمي ستيف هانكي أن يتخطى معدل تضخم الأسعار إلى 500 بالمئة مع بداية شهر تموز الحالي.

في المقابل، لجأت فينزويلا إلى طبع كميات هائلة من أوراقها النقدية، أي البوليفار، وذلك بهدف تمويل عجوزاتها المالية، لتنهار العملة المحلية مقابل الدولار بعدها. وهو المرجع الأساسي لزيادة نسب التضخم بشكل ملحوظ.

وعلى الصعيد المتشابه، توجه مصرف لبنان إلى ضخ كميات عالية من الليرة اللبنانية، الأمر الذي أدى إلى إرتفاع غير مسبوق في كتلة النقد المتداول بالليرة، لتقدر بحوالي 12 مليار ليرة لبنانية.

العجز المالي وإنهيار العملة المحلية
والجدير ذكره أن النفط في فينزويلا يُعد إحد أهم صادراتها، إذ كانت تُقدر عائداتها ب 95 بالمئة من إجمالي عائدات البلاد، ولكن إنهيار أسعار النفط إلى ما يقارب الخمسون دولاراً للبرميل الواحد في أواخر عام 2014-2016 وجه ”ضربة صاحقة“ لإقتصادها، حيث أصبحت مُجمل العائدات لا تتخطى 18 بالمئة من مجموع الصادرات. وكان من نتيجة ذلك إنحسار الناتج القومي الإجمالي، وإرتفاع نسبة التضخم بشكل كبير.

وإن كانت فينزويلا تعتمد على النفط وعائداته بشكل أساسي، فإن الإقتصاد اللبناني يرتكز بمجمله على قطاع الخدمات بنسبة تفوق 82 بالمئة من الناتج المحلي، وتحديداً قطاع السياحة وما يشمله من فنادق ومطاعم وغيرها من الخدمات.

ولكن مع تفشي جائحة كورونا، تأثر القطاع السياحي ليلحق الضرر بأصحاب المؤسسات السياحية وبالإقتصاد اللبناني بشكل عام، وبذلك يكون لبنان البلد رقم ”12“ الأكثر عرضة عالمياً والأكثر عرضة بين الدول العربية من حيث تأثير إنخفاض العائدات السياحية العالمية على ماليته العامة.

وبينما تعاني الدولتين من أزمات عدة متشابهة، أفرطتا كليتهما بالإستدانة المفرطة، قتقلص الإقتصاد الفنزويلي بنسبة 16.6 بالمئة لعام 2017، ليرتفع حجم الديون إلى نحو 120 مليار دولار في العام عينه.

وبالتالي، شهدت البلاد إنهيار لافت في قيمة البوليفار مقابل الدولار​ من 10 بوليفار للدولار الواحد في شباط 2018 إلى 248 ألف بوليفار للدولار في آب 2018 (فقدت العملة خلال خمسة أشهر 87 بالمئة من قيمتها أمام اليورو). ونتيجة هذا التضخم والإنهيار المالي، إرتفعت أسعار المواد الغذائية والصحية، الأمر الذي أسفر عن وجود 87 بالمئة من الفنزويليين تحت خط الفقر، مع الإشارة إلى أن عدد السكان الإجمالي في البلاد يتخطى 32 مليون نسمة.

وبحسب مصادر وإحصاءات حكومية فينزويلية:

قال 6 من كل 10 إنهم يأوون إلى النوم وهم جياع لعدم قدرتهم من شراء الطعام.
9 من كل 10 من السكان لا يتمكنون من إبتياع ما يحتاجونه من غذاء.
8.2 مليوناً من الفنزويليين لم يتسن لهم إلا تناول وجبتين في اليوم أو أقل.

أما لبنانياً، فشهدت الليرة اللبنانية السيناريو المطابق لفيلم هبوط وارتفاع القيمة الشرائية، إذ إنخفضت قيمة الليرة إنخفاضاً لافتاً في سعر الصرف مقابل الدولار في السوق الموازية إلى مستويات غير مسبوقة لامست عتبة العشرة آلاف ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد، ليرتفع الدّين العام في لبنان من أربع مليار دولار في نهاية العام 1993 إلى ما يناهز 90 مليار دولار اليوم.

إذاً، شبح الجوع بات يلاحق اللبناني دون تفريقٍ أو تمييزٍ، ليصل عدد اللبنانيين الذين هم اليوم تحت خط الفقر إلى ما يفوق 45 بالمئة، فاستحوا! استحوا واتخذوا من التجربة الفينزويلية عبرة لكم، لعلها تكون وخزة ضمير لسلطة تغيبت عن الإصلاحات الجذرية اللاطائفية… ولكن اعتدنا أن ”لا حياة لمن تنادي“.

فسلطة كهذه منشغلة بإصلاحاتها الوهمية، وغائبة عن الواقع المؤلم اليوم، لن ترتفع عن أنانيتها ولن تخجل من حقراتها لأن ”الي استحوا“ فعلاً ماتوا!

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع Beirut Today