المولّدات تضع الطُعم للدولة… هل تنخفض الفاتورة؟

المولّدات

تبيع المولّدات الخاصة الكهرباء للمواطنين من دون مسوّغ قانوني يحكم وينظّم وجودها ودورها. إلاّ أنّ الحاجة الفعلية إليها، في ظل تراجع قدرة الدولة على إنتاج الكهرباء، حَتَّمَ تعاظم قطاع المولّدات وتحويله إلى أمر واقع. واليوم يطرح “تجمّع المولّدات الخاصة”، مشروع بَيع الكهرباء للدولة، انطلاقاً من عدّة مسوغات. فهل تشتري الدولة الكهرباء من المولّدات؟ 

دخول من الثغرات

لسنوات، تدور الدولة وأصحاب المولّدات الخاصة في حلقة من السجالات المتعلّقة بتأمين الخدمة بسعر مناسب وبالمعايير المطلوبة وشروط السلامة العامة. وبين احتدام العلاقة وهدوئها، يبقى المستهلك هو الحلقة الأضعف، خصوصاً أنّ عدم تبنّي الدولة مطالب أصحاب المولّدات، أو عدم التزام هؤلاء بقرارات الوزارات المعنية، لا سيّما وزارتيّ الاقتصاد والطاقة، ينعكس انقطاعاً للكهرباء أو رفعاً للأسعار أو عدم التزام بالعدّادات. وبهدف “طيّ الصفحة القديمة”، وفق ما يقوله رئيس تجمّع المولّدات الخاصة، عبدو سعادة، جاء طرح بيع الكهرباء للدولة. ويوضح سعادة، في حديث إلى “المدن”، أنّ الفكرة أتت انطلاقاً من “واقع إنتاج المولّدات للكهرباء في كل لبنان، ومنعاً للخلافات مع الوزارات”.

محاولة الدخول إلى واقع جديد عبر نوع من الشراكة مع الدولة، جاء بفعل ثغرات في آلية إنتاج وتوزيع الدولة للكهرباء، فضلاً عن التسعير والجباية. وهي ثغرات استند إليها التجمّع لدعم فكرته. فيوضح سعادة أنّ “جباية أصحاب المولّدات تبلغ 95 في المئة، فيما جباية مؤسسة كهرباء لبنان لا تتجاوز الـ40 في المئة، وبالتالي فإنّ تلزيم الجباية لأصحاب المولّدات، يوقف الهدر”. ولمزيد من المكاسب على المواطنين، يقترح سعادة “دعم المولّدات بمازوت بأسعار مخفّضة، وهو ما يقلّص فاتورة المشتركين الذين سيدفعون في تلك الحالة، فاتورة واحدة عوض فاتورتين، واحدة للمولّدات وأخرى لكهرباء لبنان”.

الاقتراح لا يزال في مرحلته الأولى، ويوضح سعادة أنّه “طلبنا موعداً مع وزيريّ الطاقة والاقتصاد لشرح الفكرة، أمّا التفاصيل، فتطرحها اللجان المعنية بمتابعة الموضوع من جانبنا ومن جانب الوزارات التي نأمل منها التعاون لننتهي من المرحلة السابقة”.

فكرة غير مرحَّب بها

لا جوابَ حتى هذه اللحظة على المشروع الذي يطرحه أصحاب المولّدات، ذلك أنّه لم يُطرَح بعد بشكل رسميّ على الوزارات المعنية. كما أنّ الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، هي الجهة التي باتت تحكم مشاريع القطاع من الألف إلى الياء. لكن مع ذلك، تُبدي مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان عدم ترحيبها بالمشروع. وبحسب ما تقوله المصادر في حديث إلى “المدن”، فإنّ “القرار لدى الهيئة الناظمة للقطاع، إلاّ أنّ ما يقوله أصحاب المولّدات فيه مغالطات، وتحديداً ناحية الجباية، فالمؤسسة تجبي اليوم بنسبة تصل إلى 90 في المئة”. وتذكّر المصادر بأنّ المولّدات قطاع غير قانوني “وهو يتعدّى على شبكة مؤسسة الكهرباء، فضلاً عن عدم التزامه بمعايير السلامة العامة، إضافة إلى مساهمته بزيادة نسبة التلوّث”. وبشكل عام، فإنّ “مؤسسة الكهرباء جاهزة لأي تعاون تقرّره وزارة الطاقة ومجلس الوزراء”.

بالتوازي، ترى مصادر في وزارة الطاقة أنّ “تشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء أطلَقَ ورشة إصلاحات في ملفّ الكهرباء، وبدل تخطّي مسألة الامتيازات وشركات مقدّمي الخدمات، نحو مشاريع جديدة، يأتي طرح الاستعانة بالمولّدات”. وفي حديث إلى “المدن”، تقول المصادر إنّ “الهيئة الناظمة معنية بدراسة كيفية الانتقال نحو مشاريع جديدة وإشراك القطاع الخاص انطلاقاً من معايير ومؤهّلات معيّنة”.

استمرار المولّدات مستحيل

باب الشراكة والجباية الذي يدخل منه أصحاب المولّدات، ليس كافياً لتبرير تشريع قطاعهم والتعاون معهم، فالسلبيات لا تزال أكبر بكثير من الإيجابيات. وبحسب محلل سياسات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المعهد اللبناني لدراسات السوق، غسان بيضون، فإنّ إدخال المولّدات الخاصة إلى مسار إنتاج الكهرباء وبيعها للدولة “هو تعميق للفشل وإطالة لأمد أزمة الكهرباء، ومؤشّر على يأس الدولة من اتخاذ خطوات باتجاه الحلّ الصحيح لملفّ الكهرباء”. ويوضح بيضون في حديث إلى “المدن”، أنّ الحل الصحيح هو “لا مركزية الإنتاج والتوزيع”.

ولا يعني ذلك استبعاد أصحاب المولّدات. إذ يميّز بيضون بين الاعتماد على قطاع المولّدات وبين الاستعانة بأصحابها كمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، إذ “يمكنهم الاستثمار في مشاريع إنتاج الطاقة تقوم بها البلديات، ويدخلون فيها كمموّلين ومراقبين للشبكة، وليس بوصفهم أصحاب مولّدات بالشكل الحالي”.

ويرى بيضون أنّه “في الوقت الحالي، هناك تغيير في نهج وزارة الطاقة، وهناك قرض من البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار لتحسين شبكة النقل وتعزيز الإنتاج الكهرومائي، وتوجّه لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، وهذا التقدّم يتناقض مع الدخول في مسالك فرعية تمثّلها الاستعانة بالمولّدات الخاصة”.

أمّا بدعة تأمين الدولة للمازوت بأسعار مخفّضة، فهي “عودة لسياسة الدعم التي أرهقت الخزينة العامة. ورغم أنّ مؤسسة الكهرباء رفعت تعرفتها لتأمين موارد مالية، إلاّ أنّ الدولة لا تزال تدفع ثمن الفيول العراقي، أي أنّها تدعم قطاع الكهرباء، واليوم يطرح أصحاب المولّدات دعماً للمازوت، فهل يعقل أن ندعم توفير المازوت في حين نتوّجه لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجدّدة؟”.

بيع كهرباء المولّدات للدولة، مشروع غير مألوف في ظل التوجّه الإصلاحي في القطاع، إلاّ إذا ارتأت الجهات المعنية العودة التزام المسار السابق. وعليه، فإنّ “استمرار مشروع المولّدات الخاصة بحدّ ذاته بات مستحيلاً”، برأي بيضون، إذ اكتفى الناس من دفع فواتير مرتفعة إلى جانب الأضرار البيئية، فيما يمكن إطلاق مشاريع “إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بالتعاون مع القطاع الخاص مع البلديات التي تأخذ تراخيص من الهيئة الناظمة، وتنفّذ المشاريع على أراضٍ تابعة لها، فتوفّر كلفة استئجار الأرض، ويحصل الناس على الكهرباء من الطاقة الشمسية خلال النهار، فيما تغطّي المولّدات الفجوة ليلاً، أو تتمكّن مؤسسة كهرباء لبنان من زيادة إنتاجها”.

وإذا سلّمنا بأنّ مشروع المولّدات إيجابيّ بنتائجه النهائية، إلاّ أنّ أصحاب المولّدات هُم أفراد وليسوا كياناً قانونياً واحداً، ولذلك، يتساءل بيضون “كيف سيتمّ التعاقد معهم؟ هل ستتعاقد الدولة مع كلّ فرد منهم على حدة؟” أمّا إذا بات هناك شركة أو كيان قانوني يمثّل أصحاب المولّدات، يمكن التعاقد معه “فكم صاحب مولّد سيضم، وما هي الصيغة القانونية للتعاقد مع هذا الكيان؟”

كثيرة هي أسباب عدم استساغة إدخال المولّدات الخاصة في عملية بيع الكهرباء للدولة. أمّا مسألة خفض الكلفة على المواطن عبر دعم المازوت، فهي بمثابة طُعم. في حين أنّ التذرّع بتحسين الجباية، فهو طُعم آخر، لأنّ تجربة الجباية عبر شركات مقدّمي الخدمات لا تزال موجودة. فرغم جباية الأموال، تؤخّر الشركات تحويلها إلى حسابات مؤسسة كهرباء لبنان، فتستفيد منها في المصارف قبل تحويلها. وبعيداً من أي أفكار ومشاريع، فإنّ المطلب الأساس للمواطنين هو تأمين الكهرباء بسعر وعدد ساعات مناسبين، إن لم يكن بالإمكان تأمينها 24 ساعة في اليوم.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع جريدة المدن