تشبه الموازنة الحالية إلى حد بعيد الموازنات السابقة من حيث الشكل، مع وجود احترام للمواعيد الدستورية هذه المرة، حيث تم تقديم الموازنة قبل ثلاثة أربعة شهور من نهاية السنة، مما يعطي مجالاً لدراستها ومناقشتها بشكل أفضل. يمثل هذا الالتزام بالمواعيد الدستورية جانباً إيجابياً من الناحية الشكلية.
أما من حيث المضمون، فتبقى الموازنة مشابهة للموازنات السابقة، إذ تقتصر على جمع الضرائب لدفع معاشات الموظفين والمنافع الاجتماعية، دون أي جهد حقيقي للإصلاح. تفتقر الموازنة إلى رؤية إصلاحية حقيقية، رغم مرور تسعة شهور على تشكيل الحكومة الحالية، والتي كان من المأمول أن تستغل هذه الفترة لإعداد موازنة إصلاحية جادة.
تشكل النفقات الجارية نحو 89% من إجمالي النفقات، ما يعني أن معظم الموازنة تذهب لتسيير المرفق العام. كان من الأجدى ترشيد هذه النفقات من خلال إعادة هيكلة القطاع العام، حيث يعاني لبنان من فائض كبير في عدد الموظفين نسبة لحجم الناتج المحلي. يمكن تصغير حجم القطاع العام إلى النصف دون الشعور بفرق كبير في الأداء، ما يسمح بتوفير موارد لزيادة معاشات الموظفين المنتجين.
تتطلب إعادة الهيكلة خطة واضحة تهدف إلى جعل القطاع العام أكثر رشاقة وكفاءة، بحيث تتمكن الإيرادات من تغطية النفقات مع تحقيق وفر معين. لا تتضمن الموازنة الحالية أي بند لخدمة الديون، خاصة سندات اليوروبوند، ما يعني استمرار التخلف عن دفع الديون وتدهور سمعة لبنان في المجتمع الدولي.
تحتاج عملية الإصلاح إلى إرادة سياسية قوية أكثر من حاجتها إلى الوقت، حيث يمكن إغلاق المؤسسات غير المنتجة واتخاذ قرارات حاسمة خلال فترة قصيرة إذا توفرت الإرادة اللازمة. يمكن لكل وزير تخفيض نفقات وزارته بنسبة معينة، وتحويل الوفر الناتج لزيادة معاشات الموظفين المنتجين، بينما يتم التخلي عن الموظفين غير المنتجين بشكل عادل.