الفجوة المالية في لبنان تبلغ 80 مليار دولار: آليات التوزيع والحلول المقترحة

تشهد ملفات الإصلاح المالي في لبنان تطورات مهمة، خاصة فيما يتعلق بقانون توزيع الخسائر أو ما يُعرف بـ”الفجوة المالية”. وضعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ حكومة الرئيس حسان دياب وحتى اليوم أربعة مشاريع قوانين لتوزيع الخسائر، والتي كانت تُعرف سابقاً بقانون الإصلاح المالي والانتعاش المالي، لكنها بقيت حبراً على ورق ولم تُطرح بشكل جدي على مجلس الوزراء.

تغيّر الوضع مع وصول الحاكم الجديد لمصرف لبنان واستلامه زمام الأمور، حيث دأب على وضع خطة لتوزيع الخسائر والانتعاش المالي. تُتوقع عرض هذه الخطة للمناقشة على مجلس الوزراء قبل منتصف تشرين الأول كحد أقصى، خصوصاً أن وفداً من صندوق النقد الدولي سيحضر قبل نهاية أيلول وسيسأل عن هذه الخطة.

يأتي هذا التطوير بعد إنجاز لبنان لقانون السرية المصرفية وقانون إعادة هيكلة المصارف، مع وجود بعض علامات الاستفهام على قانون إعادة هيكلة المصارف وموقف صندوق النقد منه والملاحظات التي قد يضعها على هذا القانون.

تواجه عملية إقرار الخطة تحديات أساسية، خاصة مع اقتراب الانتخابات النيابية في منتصف عام 2026. ستتضمن هذه الخطة اقتطاعات للودائع، مما يجعلها غير شعبوية، وسيتحاشى النواب الدخول فيها وإقرارها قبل الانتخابات. لذلك، يُتوقع عدم دخول هذا القانون حيز التنفيذ إلا بعد الانتخابات النيابية والحكومة الجديدة.

تبلغ الودائع في القطاع المصرفي اليوم حوالي 89 مليار دولار مما تبقى من ودائع من أصل 173 مليار كانت قبل الانهيار، أي أن لبنان فقد نصف قيمة الودائع خلال خمس سنوات. تقابل هذه الودائع احتياطات بالنقد الأجنبي تبلغ 11.6 مليار دولار في جميع مصارف لبنان، مما يعني وجود فجوة نقدية تتراوح بين 76 و82 مليار دولار، وهي تساوي ضعفين إلى أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي.

تجعل هذه الأرقام من المستحيل رد كامل المبالغ للمودعين، وسيجري تقسيم الودائع وفق خطة محددة. تتضمن الخطة شطب الفوائد العالية على القروض، وعدم وجود حل عادل للودائع بالليرة اللبنانية. ستُعامل الودائع التي حُولت بعد عام 2019 من الليرة إلى الدولار معاملة مختلفة عن الودائع الأساسية بالدولار، كما ستُعامل الأموال المشكوك في تحصيلها والأموال التي يعجز صاحبها عن تبريرها معاملة خاصة وقد تُشطب.

تهدف الخطة إلى تقليل الفجوة المالية من حوالي 80 مليار دولار إلى حوالي 40 مليار دولار لتصبح مساوية لموجودات مصرف لبنان من الذهب والعملات الأجنبية.

تطرح هذه الخطة تحديات إضافية، خاصة فيما يتعلق بالأموال المشكوك فيها، حيث تتبع المصارف قاعدة “اعرف عميلك”، وسيقع العبء على المودع لتبرير مصدر أمواله. يُعتقد أن جزءاً من هذه الأموال يعود لدول أخرى، خاصة ودائع ليبية وعراقية وسورية في المصارف اللبنانية، والتي كانت تهرب من الأنظمة السياسية في بلدانها وتُوضع في جنات مثل لبنان التي تتمتع بالسرية المصرفية.

يواجه قانون إعادة هيكلة المصارف اعتراضات من صندوق النقد الدولي، حيث يرى الصندوق ضعفاً في آليات المحاسبة وتضارباً محتملاً بين لجنة الرقابة على المصارف ودور الهيئة المصرفية العليا. تثير هذه الاعتراضات مخاوف من تكرار سيناريو قانون السرية المصرفية، الذي أُقر في 2022 ثم عُدل مرة أخرى في 2025 بناء على ملاحظات صندوق النقد.

تؤثر هذه التأخيرات سلباً على الاستثمار الأجنبي، حيث استقطب لبنان مشروعاً استثمارياً أجنبياً واحداً فقط في 2024، بينما استقطبت الإمارات حوالي 1400 مشروع والسعودية حوالي 400 مشروع. في المقابل، استثمر اللبنانيون في الخارج في 41 مشروعاً استثمارياً جديداً في دول أجنبية.

يفتقر لبنان حتى اليوم إلى ثقة المستثمرين والخارج، وهو أمر طبيعي في ظل إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لتبييض الأموال وعدم وجود قطاع مصرفي فعّال وتأخر إعادة هيكلة القطاع العام.

تُطرح إمكانية عقد مؤتمرين لدعم لبنان، الأول للمساعدة في إعادة الإعمار والثاني استثماري، لكن التجربة السابقة في 2018 تثير التساؤلات، حيث أُقرت قروض ومساعدات بقيمة أكثر من 11 مليار دولار لم يصل منها شيء للبنان بسبب عدم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

تشمل التحديات الحالية دخول لبنان إلى اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي، مما يدفع المستثمرين لوقف التعامل مع لبنان، بالإضافة إلى التخلف عن سداد الديون بالعملة الأجنبية (اليوروبوندز). تتطلب قروض صندوق النقد الدولي إعادة هيكلة الديون والخروج من اللائحة الرمادية كشروط أساسية للحصول على التمويل.

اضغط هنا لمشاهدة المقابلة على قناة Beirut24