رغبة بدل المناقصة
برسالة موجّهة إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بتاريخ 21 نيسان، أبدت شركتا توتال وقطر للطاقة رغبتهما بـ”تطوير مشروع الطاقة الشمسية، وإنتاج طاقة بقدرة 100 ميغاواط”. لكن دخول الشركتين إلى القطاع، يأتي حالياً بلا مناقصة رسمية، بل عبر تفاوض توتال مع شركات حازت على التراخيص منذ العام 2022. ومن غير الواضح حتى الآن من هي الشركات التي قد تتنازل عن ترخيصها، لكن من الواضح من حجم الطاقة التي ينوي تحالف توتال وقطر للطاقة إنتاجه، أن التحالف سيستحوذ على الحصة الأكبر في المشروع. إذ ينوي إنتاج 100 ميغاواط في حين أن القدرة الكاملة التي يفترض بالشركات الـ11 إنتاجها، هي 165 ميغاواط. (راجع المدن).
يسير التحالف بخطى ثابتة نحو المشروع، ولم تلوِّح وزارة الطاقة أو مجلس الوزراء بصيغة تعاقد قانونية تُنهي التراخيص السابقة وتعطي تراخيص جديدة، عبر مناقصة تفتح مجال التنافس أمام شركات جديدة قد ترغب هي الأخرى بالاستثمار في هذا المجال. وغياب احتمال إجراء أي مناقصة، يعني أن التلزيم المفترض، يجري بـ”إعلان نوايا” مماثل للإعلان الذي تمّ بموجبه إعطاء التراخيص للشركات الـ11، بصلاحيات غير قانونية لمجلس الوزراء حينها، إذ أن “المجلس “عندما وافق على إعطاء التراخيص بتاريخ 12/5/2020، كان قد استنفذ المهلة القانونية المعطاة له لمدة 3 سنوات بموجب القانون 129/2019 بتاريخ 30/4/2019، للحلول مكان الهيئة الناظمة للقطاع. إذ انتهت هذه الصلاحية بتاريخ 30/4/2022″، وفق ما يؤكّده المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون، الذي يشير في حديث لـ”المدن”، إلى أن تلزيم المشروع للتحالف الجديد، يعني “شراء تراخيص غير قانونية أصلاً. وهذا يشكّل مخالفة تضاف إلى مخالفة أخرى هي أن “صلاحيات الهيئة الناظمة للقطاع بإعطاء التراخيص مرتبطة بإجراء مناقصات واستدراجات عروض بحسب القدرة المطلوبة”، ولم يتم منح التراخيص بموجب مناقصة.
اتفاق مبدئي وغطاء سياسي
لم تنتظر توتال الردّ الرسمي من الحكومة على نوايا الاستثمار، فبدأت إجراء تفاوض مع عدد من الشركات التي تملك التراخيص، لشراء تراخيصها والدخول مكانها في المشروع. وتشير مصادر من بين الشركات في حديث لـ”المدن”، إلى أنه “تم التوصّل إلى اتفاق مبدئي بين توتال وإحدى الشركات لكن لم يتم توقيع أي اتفاق رسمي في هذا الشأن. كما أن توتال تتفاوض مع شركات أخرى تنتظر تلقّيها أفضل العروض للتتنازل عن ترخيصها لصالح توتال”.
وإذا كانت صعوبات الحصول على تمويل دولي لتنفيذ المشروع، هو العقبة الأساسية التي تواجهها الشركات منذ العام الماضي على الأقل، فإن المصادر لا تنفي وجود “غطاء سياسي خلف دخول توتال إلى المشروع”. ومع ذلك، فإن “مصير المشروع معلّق رغم دخول توتال إليه، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية في لبنان والمنطقة. ولذلك، قد تحصل توتال على التراخيص لكنها قد لا تبدأ المشروع إلى حين انتهاء الأزمة في المنطقة والحرب في غزة”.
وفي ظل القلق حول المشروع، تلفت المصادر النظر إلى أن “شركة CMA CGM اشترت رخصتين وهي تسير بخطوات ثابتة أكثر من توتال”. ولا تستبعد المصادر شراء كامل الرخص من الشركات الحالية “لأن الحصول على التمويل صعب جداً”.
عراقيل مستقبلية
لا كهرباء من مشاريع الطاقة الشمسية في المدى المنظور. ومن غير المستبعد أن يبقى المشروع معلّقاً في الهواء كمشروع التنقيب عن الغاز في البحر، والذي تقوده توتال. فالعراقيل السياسية والأمنية حاضرة دوماً، ويضاف إليها العراقيل الداخلية المتعلّقة بتأمين الدولارات لشراء الطاقة التي ستُنتَج لاحقاً.
فبحسب المشروع يفترض البدء بإنتاج الكهرباء في أيار 2025، على أن تشتريه مؤسسة كهرباء لبنان وتوزّعه عبر شبكاتها، وستدفع المؤسسة ثمن الكهرباء بنسبة 70 بالمئة بالدولار النقدي و30 بالمئة بالليرة وفق سعر دولار منصة صيرفة. لكن صيرفة توقّفت ومنصة بلومبرغ البديلة لم تولد بعد. فكيف سيتم الدفع؟ كما أن المهلة المتبقّية حتى أيار المقبل، قد لا تكون كافية لإنجاز الجوانب التقنية للمشروع. ويضاف إلى ذلك، إشارة توتال إلى بيع الكهرباء بالدولار. فموجب الرسالة الموجّهة إلى ميقاتي، يشير التحالف إلى أنه “سيناقش مع الدولة اللبنانية توفير ضمانات دفع وتحويل إيرادات المشروع إلى الدولار الأميركي. وتحديد موقع مناسب للمشروع والحصول على التراخيص اللازمة”، أي أن التحالف، إلى جانب حرصه على إتمام الجوانب التقنية من المشروع، يصرّ على تقاضي كلفة الطاقة المنتجة بالدولار، وهذا يحيلنا إلى عدم قدرة المؤسسة على تأمين الدولارات الكافية. أما اللجوء إلى مصرف لبنان، فهو غير مكفول، خصوصاً وأن حاكم المصرف بالإنابة وسيم منصوري أعلن منذ توليه مهامه، وقف تأمين الدولارات لمؤسسات الدولة.
قد تنجح توتال وقطر للطاقة وCMA CGM في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية. فعلى المستوى التقني، للشركات المعنية باع طويل. لكن المسألة في لبنان لا ترتبط فقط بالقدرة التقنية والخبرات، وإنما بالقرار السياسي وبالقفز فوق القانون والسعي لتأبيد منطق الاحتكارات، وهو المنطق الذي أعطيت وفقه تراخيص إنتاج الكهرباء لـ11 شركة يتم اليوم نقل تراخيصها لشركات أخرى بلا مناقصات ومنافسة. ومع ذلك، فإن الكهرباء غير مضمونة بعد.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع المدن