يشكل القطاع العام أهم ركائز الدولة، والمسرح الأرحب للعمال في لبنان، كما أنه من القطاعات المرتبطة بالشؤون الحياتية، سواء الصحية أو الاجتماعية أو التعليمية. لكن القطاع، وآلاف العمال فيه، يعانون منذ الانهيار المالي من مشاكل جذرية وفشل كبير، نظراً إلى انهيار قيمة العملة الوطنية وعجز الحكومات المتلاحقة عن إيجاد بدليل، على الرّغم من جميع المحاولات.
عصفت الإضرابات طوال 5 سنوات بهذا القطاع، ممّا شلّ الدولة بشكل شبه كامل، إلّا أن التحرك الحكومي في آذار الماضي أعطى حوافز للموظفين أعادتهم جزئياً إلى أعمالهم، من دون أن تنصفهم أو على الأقل تُعيد قيمة الرواتب إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، وغلّفتها برزمة من الشروط والتعقيدات المتداخلة غير المفهومة، التي لم تُنفذ بأغلبيّتها حتى اللحظة، في الوقت الذي فصلت الشروط بين موظفي الإدارة العامة والتعليم والقضاة والسلك العسكري حتى تكاد لا تجد موظفين من الرتبة نفسها والدرجة نفسها في وزارتين مختلفتين يتقاضون الراتب ذاته.
حتى الحديث عن إنصاف موظفي الإدارة، وإغداق التقديمات عليهم، أبقى رواتبهم بعيدة في القيمة عمّا كان يحصلون عليه قبل الأزمة المالية عام 2019.
وفي نظرة تفصيلية عبر الأرقام يظهر أن الخسارات في الرواتب لا تزال فوق الـ55 في المئة عمّا كانت عليه.
ففي عام 2019 بلغت رواتب أجراء الفئة الخامسة: 950 ألف ليرة كأصل أدنى للراتب، أي نحو 630 دولاراً.
وفي عام 2024، أضيف إلى الراتب 9 رواتب جديدة، و8 صفائح بنزين، وبدل مثابرة بقيمة 15 مليون، أي 27 مليون ليرة، ليُصبح الراتب كاملاً 27 مليوناً، أي 11 مليوناً و250 ألف ليرة، أي ما يُعادل 450 دولاراً.
-الفئة الرابعة، وهم الحائزون على شهادة terminal أو إجازة جامعية، ويُصنّفون ضمن الرتبة الثانية: 1.250 مليون ليرة أي نحو 800 دولار قبل الأزمة.
في عام 2024، أضيف إلى راتبهم 9 رواتب على أساس الليرة اللبنانة، و10 صفائح بنزين، و17 مليون ليرة بدل مثابرة، أي 32 مليون ليرة، ليُصبح 43 مليون ليرة و250 ألفاً، أي 483 دولاراً على أساس سعر الصرف الجديد.
الرتبة الأولى من الفئة الرابعة بلغ راتبها 1,600 مليون ليرة، أي نحو 1070 دولاراً قبل الأزمة:
في عام 2024: أضيف إلى الراتب 9 رواتب أخرى، و10 صفائح بنزين، و17 مليون ليرة بدل مثابرة، أي 32 مليون ليرة، ليصبح الراتب الإجمالي 46 مليوناً و400 ألف ليرة، أي ما يُعادل نحو 520 دولاراً.
– الفئة الثالثة بلغ راتبها مليونين ومئتي ألف ليرة، أي نحو 1500 دولار، وهم رؤساء دوائر وأقسام حسب الدرجات.
في 2024، أُضيف 9 رواتب، و12 صفيحة بنزين، و19 مليون ليرة بدل مثابرة، أي 37 مليوناً، ليُصبح الراتب 56 مليوناً و800 ألف ليرة، أي ما يُعادل نحو 635 دولاراً.
-الفئة الثانية هم رؤساء المصالح، وبلغ راتب الفئة 3 ملايين ليرة، أي ما يُعادل 2000 دولار من دون الدرجات.
في عام 2024، أُضيف إليه 9 رواتب، و14 صفيحة بنزين، و22 مليون بدل إنتاجيّة، أي 43 مليون ليرة، ليُصبح بقيمة 70 مليون ليرة، أي ما يعادل نحو 780 دولاراً.
-الفئة الأولى وحدّها الأدنى للراتب الأساسي 4,500 ملايين ليرة، أي ما يُعادل 3000 دولار.
في عام 2024، أُضيف إلى الراتب 9 رواتب، و16 صفيحة بنزين، و25 مليون ليرة بدل مثابرة، أي 49 مليون ليرة، ليُصبح الراتب الكليّ 96 مليوناً و500 ألف ليرة، أي ما يعادل نحو 1100 دولار.
وعلى الرغم من الاعتراضات على تمييز القضاة عبر الدعم من صندوق التعاضد، وتأمين إيرادات كبيرة له، فإن المقارنة بين الرواتب الحالية ورواتب ما قبل الأزمة تُثبت أن الفوارق لا تزال كبيرة، ولا تزال الرواتب تفقد أكثر من 40 في المئة من قيمتها وأكثر، حسب الرتبة.
ففي عام 2019، كانت رواتب القضاة تتراوح ما بين 3 ملايين ونصف المليون ليرة كحدّ أدنى و8 ملايين كحدّ أقصى، أي ما بين 2200 دولار و5500 دولار.
في عام 2024 تمّت إضافة 7 رواتب، ومبلغ 1560 دولاراً من صندوق التعاضد، ليُصبح الراتب ما بين 1800 دولار و2200 دولار.
للمفارقة أنّه حتى الساعة لم تنفّذ هذه الزيادات التي رضي بها الموظفون، بالرغم من الخسائر بسبب عدم اعتماد مراسيم تنفيذية تحدّد ماهية المثابرة. وعلى الرّغم من فرض الحضور على موظفي الإدارة العامة إلى مراكز أعمالهم بمعدّل ١٦ يوماً شهرياً على الأقل، بشرط عدم الغياب غير المبرّر، وإلزامهم بكامل الدوام الرسمي يومياً، من أول آذار، مقابل إقرار زيادات ورقيّة فقط من بدل بنزين مقطوع، وبدل مثابرة ملغوم، ممّا يضعهم في ظروف صعبة وقاسية.
إلى ذلك، وبحسب الباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، فإن تصحيح الأجور يمثّل بالحدّ الأقصى 40% من قيمة ما كانت عليه الأجور قبل الأزمة.
وقال إن المادة 41 من قانون العمل تقول بوجوب أن يكون الحدّ الأدنى من الأجر كافياً ليسدّ حاجات الأجير الضرورية وحاجات عائلته، على أن يُؤخذ في الاعتبار نوع العمل؛ لذا يجب أن يتمّ تصحيح الأجور بناءً على نسب التضخّم المسجّلة، أو بناءً على أكلاف المعيشة. فمن ناحية نسب التضخم “بحسب أرقام الإحصاء المركزي، فإن التضخّم سجّل في عام 2019 نسبة 2.9%؛ وفي عام 2020 سجّل 84.9%؛ وفي عام 2021 سجّل 154.8%؛ وفي عام 2022 سجّل 171.2%؛ وفي عام 2023 سجّل 221.3%. وهذه النسب تعني أن «الحدّ الأدنى يجب أن يكون بحدود 50 مليون ليرة شهرياً”.
أما من ناحية أكلاف المعيشة، فإن “الأسرة اللبنانية من 4 أفراد تحتاج شهرياً للعيش بالحدّ الأدنى، إلى 52 مليون ليرة، أي ما يوازي 580 دولاراً”. وأضاف: “قبل الأزمة كان الحدّ الأدنى 675 ألف ليرة، وكان يوازي 450 دولاراً تقريباً، لكن الحدّ الأدنى ارتفع إلى 580 دولاراً نتيجة الأسعار عالمياً