يواجه لبنان مجموعة من الأزمات المترابطة التي تُلقي بظلالها على جميع جوانب حياة المواطنين، وتشمل هذه الأزمات، الأزمة السياسية العالقة من الفراغ الرئاسي وعدم وجود رئيس للجمهورية للعام الثاني على التوالي، بسبب عدم التوافق بين الأطراف السياسية على مرشح واحد فيه الصفات المطلوبة للبنان الغارق بأزماته، وعدم وجود حاكم لمصرف لبنان، ما يؤثر على الوضع الاقتصادي والمعيشي، بالإضافة الى الوضع الأمني الذي يحتل الأولوية في مشهد الحرب على الجنوب اللبناني وانخراط حزب الله في الثامن من تشرين الأول 2023، في العمليات العسكرية ضد إسرائيل مساندة لغزة.
كما أن الأحداث الأمنية والجرائم اليومية من القتل إلى الخطف والسرقة وغيرها من الأحداث التي تهدد أمن لبنان واستقراره، تفتح الباب على الفلتان الأمني.
الأزمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان على رأس الأزمات ونسبة الفقر وصلت إلى أكثر من 80 ٪:
يعاني لبنان من انهيار اقتصادي حادّ، حيث انخفض إجمالي الناتج المحلي بنسبة 40% منذ عام 2019، وارتفع معدل الفقر إلى أكثر من 80%، بينما يعاني نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي.
أما الليرة اللبنانية، ففقدت أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، ما أدى إلى تضخم هائل وانعدام القدرة الشرائية لدى المواطنين. فيما يعاني القطاع المصرفي اللبناني من شلل شبه كامل، حيث تُفرض قيود على سحب الأموال وتحويلها إلى الخارج.
الخبير الاقتصادي باتريك مارديني تحدث لوكالتنا، وأوضح أن لبنان يعاني من أزمات متعددة، وأولها أزمة الإنفاق العام في لبنان، فالحكومة اللبنانية تنفق أكثر من مداخيلها، وبالتالي لجأت إلى الدين وهذا خلق أزمة الدين العام، وهي باتت عاجزة عن تسديد ديونها للمصارف المحلية والمصرف المركزي اللبناني، وهذا أدى إلى تفاقم الأزمة المصرفية في البلد، وأثّر على أموال المودعين التي احتجزت منذ عام 2019.
من ناحية أخرى، لجأت الحكومة اللبنانية إلى تمويل الإنفاق العام عبر المصرف المركزي من خلال طباعة الليرة، ما زاد من حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، وأدى إلى تضخم مفرط في البلد كما أدى إلى انهيار كبير في الأسعار وارتفاع الدولار الأمريكي مقابل الليرة، فبات المواطن غير قادر على تأمين حاجيته الأساسية من المواد الغذائية إلى الدواء والخدمات الصحية.
باتريك مارديني تحدث أيضاً عن الاحتكارات العامة التي تقوم بها الدولة اللبنانية وعلى رأسها احتكار قطاع الكهرباء ما أدى إلى عدم توفر الكهرباء إلا لأربع ساعات كحد أقصى يومياً، وهذا أثر على القطاعات الإنتاجية، لا سيما الصناعية والزراعية منها.
كما أن احتكار الانترنت أدى إلى ارتفاع الأسعار ووجود انترنت بطيء مقارنة بالنوعية التي تقدّم للمواطنين، وهذا منع لبنان من فرصة وجود قطاع تكنولوجي متطور.
مارديني لفت الانتباه إلى احتكار الطيران الشرق الأوسط الذي أدى أيضاً إلى غلاء أسعار تذاكر السفر من وإلى لبنان، وبالتالي تراجعت نسبة توافد السياح إلى لبنان وأضعفت المنافسة.
وشدد مارديني على أن الوضع الأمني أثّر على حركة الوافدين والسياح إلى لبنان بشكل كبير وزعزع ثقتهم بالبلد، فباتوا يتّجهون إلى بلدان أخرى أكثر استقراراً وأمناً.
وأكد باتريك مارديني أن كل هذه الأزمات تؤثر على اقتصاد لبنان واستقراره.
وتبقى الحلول بذهاب الدولة إلى ترشيد الانفاق العام بما يتناسب مع مداخيلها من خلال تخفيض نفقاتها، عبر إعادة هيكلة القطاع العام، وهذا يساعد في حل مشكلة الدين العام وتخلف الدولة عن سداد ديونها.
كما يجب فصل السياسة النقدية عن السياسة المالية من خلال منع المصرف المركزي من تسليف الحكومة أو منع الحكومة من الاستدانة من المركزي ومنع المصارف من توظيف أموالها في المصرف المركزي.
وأضاف أنه يجب منع المصرف المركزي من طباعة الليرة من أجل تفادي زيادة التضخم.
إن تفكيك الاحتكارات يمكنه تعزيز الإنتاجية في القطاعات الحيوية كافة. وهذه من أبرز الإصلاحات التي يمكنها تغيير الواقع اللبناني والنهوض في اقتصاده.
تُؤثّر الأزمات في لبنان إذا بشكل كبير على جوانب الحياة اليومية للمواطنين. وهناك حاجة ماسّة إلى حلول عاجلة وإصلاحات جذرية لمعالجة هذه الأزمات وإعادة الاستقرار والازدهار إلى لبنان.