بعد إقرارها.. هل موازنة لبنان 2024 تتناسب مع أزمته الاقتصادية المتفاقمة؟

موازنة

رغم ما يعيشه اقتصاد لبنان من انهيار متتابع منذ عام 2019 جاءت موازنة 2024 دون المستوى فلم تتماش مع الأزمة التي تعيشها البلاد، ولم تشمل الإصلاحات اللازمة لتصحيح المسار، فضلا عن تضمينها عدة بنود مجحفة بحق المواطنين والموظفين.

وبلغ مجموع النفقات في الموازنة الجديدة 295 ألف مليار و113 مليونا (3.3 مليارات دولار بسعر صرف عند 89500 ليرة)، بمعدل يبلغ سبعة أضعاف مثيلاتها في موازنة عام 2022.

وتم تخصيص 44.66 بالمئة من إجمالي النفقات للرواتب والأجور والمخصصات الاجتماعية ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة وتحويلات القطاع العام.

في المقابل، بلغ مجموع الإيرادات الرقم نفسه، أي بمجموع 3.3 مليارات دولار، تتوزع بين الإيرادات الضريبية المختلفة لتستحوذ على 77.8 بالمئة من مجموع الإيرادات، فيما بلغت الإيرادات غير الضريبية 22.1 بالمئة.

وشملت تلك الموازنة فرض غرامات استثنائية بـ 17 بالمئة للمستفيدين من منصة صيرفة من غير الأفراد، كذلك فرض ضريبة استثنائية على التجار الذين استفادوا من الدعم الذي أمنه مصرف لبنان بنسبة مقدارها 10 بالمئة من حجم الأعمال، بما فيها شركات النفط.

موازنة رديئة

ويأتي تمرير الموازنة عقب ثلاثة أيام من الخلافات التي شملت عدة مشاحنات في قاعة البرلمان مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الأمر الذي يعكس الانقسامات العميقة في بلد يعاني من انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم.

وبحسب رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، باتريك مارديني، فإن تلك الموازنة جاءت خالية من الإصلاحات اللازمة، فضلا عن كونها تعد رديئة جدا، مشيرا إلى أن الإخراج النهائي لها لاقى بعض التحسينات من قبل مجلس النواب كإلغاء بعض الضرائب العشوائية وتقييد قدرة الحكومة على الاستدانة. 

وأضاف لـ”الاستقلال”، أن الموازنة شملت بعض الجوانب الإيجابية من بينها إقرارها ببداية العام وهو ما ليس مألوفا خلال السنوات الماضية، مشيرا إلى أن موازنة عامي 2022 و2023 جاءت بنهاية العام المالي “لتصبح دون ذات جدوى”، فضلا عن مخالفتها المواعيد الدستورية.

وذكرت مؤسسة “مبادرة سياسات الغد” البحثية أن مشروع الموازنة يؤدي إلى “إثقال كاهل الأسر متوسطة ومنخفضة الدخل بشكل غير متناسب مقارنة بالأسر الغنية” من خلال خفض حد دفع ضريبة القيمة المضافة بالنسبة للشركات وتقديم إعفاءات ضريبية للشركات الكبرى.

ويأتي ذلك في وقت يعاني فيه لبنان من تفاقم معدل الفقر إلى حد هائل في غضون عام واحد، لينال 74 بالمئة من السكان، كما تضاعفت أعداد السكان الذين يعانون من الفقر المتعدد الأبعاد بين عامي 2019 -2021 من 42 إلى 82 بالمئة. 

بدوره، يرى أستاذ الاقتصاد الدولي في الجامعة اللبنانية، جاسم عقاجة، أن موازنة 2024 جاء بها الكثير من العيوب وأنها لم تأت على مستوى التحدي الذي يجب أن تكون عليه اليوم بحكم الظروف التي تواجهها لبنان. 

ورأى خلال حديثه لـ”الاستقلال”، أن هذه الموازنة تعد موازنة تشغيلية فقط، مشيرا إلى أنها لن تحل مشكلة لبنان ولا تحوي أي رؤية للمستقبل، إلا أن “وجود هذه الموازنة ضروري لتسير أمور الدولة”.

تصفير وهمي

وتتضمن تلك الموازنة التي تم إقرارها تصفير العجز، عبر مساواة النفقات تماما مع الإيرادات، وهو ما يعد غير واقعي، إذ تعاني البلاد من أزمات كبرى تعرقل القطاعات الاقتصادية الفاعلة الدافعة للضرائب.

فضلا عن محدودية معدلات النمو، الأمر الذي يعكس نسبة الزيادة الهشة التي قد تحدث في الإيرادات مقابل زيادات ملحوظة في النفقات.

ويرى مارديني، أن تصفير العجز هو أمر ضروري اقتصاديا كونه يعد أساس الإصلاح، إلا أن هذا التصفير للعجز الحاصل في موازنة 2024 وهمي، مشيرا إلى أن هناك تضخيما غير واقعي للإيرادات من أجل ادعاء تصفير العجز.

وأوضح الخبير اللبناني، أن هذا التضخيم غير الواقعي للإيرادات خطير للغاية كونه لا يعترف بوجود مشكلة بالأساس، الأمر الذي يعني عدم الذهاب للبحث عن حلول حقيقية بجانب خلق مشكلة مستقبلية وهي عدم القدرة على تمويل النفقات في ظل عجز الإيرادات عن مجاراة تلك المصروفات.

وتابع: “من أجل تصفير العجز كان لابد من ترشيد نفقات الحكومة بدلا من زيادتها بـ50 بالمئة، فضلا عن أنه من غير المنطقي تضخيم الإيرادات بهذا الحد مقابل نمو اقتصادي متوقع خلال العام الجاري يتراوح بين 1 إلى 1.7 بالمئة فقط”.

وكان مشروع موازنة 2024 المقدم بالأساس من قبل وزارة المالية  قد قدر العجز بـ 41.73 تريليون ليرة، قبل أن تسفر مناقشات لجنة المال والموازنة عن تصفير العجز على الورق من خلال رفع الإيرادات بحوالي 37 تريليون ليرة وتخفيض النفقات بمعدل 5.41 تريليونات ليرة.

وانكمش الناتج المحلي الإجمالي للبنان بـ 0.2 بالمئة خلال عام 2023، وفق تقرير للأمم المتحدة، مع توقعات بأن يرتفع بـ 1.7 بالمئة في العام 2024 و3.8 بالمئة في العام 2025. 

ومنذ عام 2019 تراجع حجم موازنة لبنان من 17.2 مليار دولار إلى 800 مليون دولار في موازنة 2022، بحسب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لتعاود الارتفاع إلى 3.3 مليارات دولار بموازنة العام الجاري.

من جانبه، قال عقاجة، إن تصفير العجز من خلال مساواة الإيرادات بالنفقات ليس واقعيا فهناك بعض البنود لم تشملها الموازنة مثل الدين العام وإنفاق الكهرباء، فضلا عن وجود احتجاجات شعبية تطالب بزيادة الأجور والتي تجاهلتها الموازنة أيضا، وبالتالي لا يوجد عجز صفري.

وأشار أستاذ الاقتصاد الدولي إلى أن الموازنة تجاهلت تطورات الأحداث في محيط لبنان، مشيرا إلى أنه في حال حدوث تصعيد مع العدو الإسرائيلي سيكون هناك “سيناريو كارثي” كونه سيتسبب في تداعيات مالية ستزيد العجز، “أيضا إذا أخذنا في الحسبان أسعار النفط التي في حال صعودها ستزداد الكلفة وبالتالي ستسجل الحكومة تلقائيا عجزا بالموازنة”.

ويتكبد القطاع الزراعي في لبنان خسائر فادحة نتيجة القصف المتقطع على الحدود الجنوبية بين حزب الله وإسرائيل منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث تشكل الزراعة مصدر دخل لحوالي 70 بالمئة من سكان الجنوب، فضلا عن كونه يسهم بنحو 21.5 بالمئة من إجمالي المزروعات في لبنان.

وتوقع البنك الدولي أن يتسبب التصعيد في غزة بعودة الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود، رغم التوقعات المتفائلة التي تحركها السياحة وتحويلات المغتربين في البلاد التي تشهد أزمة.

وأشار البنك إلى أن أكثر من نصف حجوزات السفر إلى لبنان لتمضية العطلة الشتوية ألغيت، محذرا من اعتماد لبنان على السياحة وتدفقات التحويلات المالية، ومضيفا أنه لا يمكن لهذا القطاع أن يكون بديلا عن محركات النمو الأكثر استدامة وتنوعا.

وتوقع الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، عبد الله الدردري، أن تسجيل لبنان والأردن ومصر فقدانا في الناتج المحلي في عام 2024 بـ4 بالمئة، بما يعادل 18 مليار دولار في حال امتداد الحرب إلى 6 أشهر، فضلا عن خسارة في التنمية البشرية للدول الثلاث تتراوح بين عامين و3 أعوام.

أسعار الصرف

وعددت الموازنة الجديدة أسعار الصرف، حيث استخدمت مسودة الموازنة سعر صرف قدره 89 ألفا و500 ليرة لبنانية للدولار لحساب معظم إيرادات الضرائب، بينما حددت حسابات أخرى بأسعار صرف جاءت عند 50 ألف ليرة و15 ألف ليرة.

وأوضح مارديني، أن تعدد أسعار الصرف في لبنان اليوم أصبح يستخدم كوسيلة للحد من السحوبات المصرفية، مشيرا إلى أن وجود مودعين لدى البنوك بالدولار تقوم المصارف برد تلك الودائع إليهم عند أدنى سعر صرف بواقع 15 ألف ليرة بدلا من 89 ألفا و500 ليرة أي بأقل مما يزيد على 80 بالمئة من قيمتها بالسوق.

وبالتالي لا تستطيع الموازنة توحيد أسعار الصرف لأن هذا الأمر سيجبر المصارف على رد هذه الأموال عند سعر السوق في حين أن المصارف غير قادرة على رد هذه الأموال.

إلا أن الشيء الإيجابي من الموازنة أنه اعترف بسعر السوق عند 89 ألفا و500 ليرة لبعض الضرائب وغيرها من الأمور ما يعد خطوة نحو توحيد أسعار الصرف بالمستقبل على سعر السوق، وفق تعبير مارديني.

ومنذ أن بدأ الاقتصاد اللبناني في الانهيار عام 2019، فقدت العملة المحلية حوالي 95 بالمئة من قيمتها، ومنعت البنوك معظم المودعين من سحب مدخراتهم وبات أكثر من 80 بالمئة من السكان تحت خط الفقر.

واندلعت الأزمة بعد عقود من الإسراف في الإنفاق وفساد النخبة الحاكمة التي قاد بعض أفرادها البنوك التي قدمت قروضا كبيرة للدولة، وتقدر الحكومة إجمالي خسائر القطاع المالي بأكثر من 70 مليار دولار معظمها تراكم لدى البنك المركزي.

من جهته، قال عقاجة، إن تعدد أسعار الصرف داخل الموازنة يأتي نتيجة عدم قدرة الحكومة على توحيد سعر الصرف وعدم قدرتها على مواجهة نفقاتها.

وأشار إلى أن الموازنة شملت ثلاثة أسعار للصرف، فهناك أسعار صرف الإيرادات عند 89 ألفا و500، وسعر صرف للضمان عند 15 ألفا، وسعر صرف لأجور القطاع العام عند ألف و500 ليرة.

ويرى عقاجة، أن توحيد سعر الصرف في لبنان لا يمكن محوه بسهولة قبل حل مشكلة الدين العام وفرض سيادة الدولة المالية على الأراضي اللبنانية.

وسجل إجمالي حجم الدين اللبناني في مطلع يناير/ كانون الثاني 2023 مستوى الـ 102.47 مليار دولار، بزيادة بنحو 3.16 مليارات دولار على صعيد سنوي، بحسب إحصاءات جمعية المصارف في لبنان.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الاستقلال