ليبان بوست هو مكتب البريد الوطني في لبنان. وهي شركة بريدية صغيرة نسبيًا ، تأسست في عام 1998. وهي مملوكة للقطاع الخاص ، المسؤولة عن تشغيل القطاع البريدي.
ومن الواضح ان اكثر من خمسة وعشرين سنة قد مرت على الصفقة وما زالت المستحقات عالقة بين ليبان بوست ووزارة الاتصالات منها قيمة بدلات الايجار ورأس المال وحصة الدولة من العائدات البريدية ، ويقال ان للدولة اكثر من مليار ليرة في ذمة ليبان بوست ولو تم احتسابها قديما على سعر الصرف لكانت مبالغ جدا كبيرة اما حاليا فللاسف لم يعد لها اية قيمة .
كما ان وزير الاتصالات في حكومة تصريف الاعمال قد أشار بتاريخ 12-5-2023 الى ان ليبان بوست ستستمر بتسيير هذا القطاع لغاية 31-5-2023 ، او الى حين ان ترسي المزايدة على شركة أخرى .
فهل هذا التمديد يغتبر منطقي؟ وهل فعلا للدولة مستحقات بذمة ليبان بوست ؟ وما الحل الأفضل؟
مارديني وعلامات الاستفهام!
بداية افادنا الدكتور باتريك مارديني رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق قائلا :
أن “الليبان بوست ومنذ تأسيسها، تشوب عقودها علامات الإستفهام، وقد أبرمت خارج الأطر القانونية، ومدد لها من قبل جهات غير مخولة للتمديد، بالإضافة إلى مشكلة مالية بينها وبين الدولة اللبنانية”.
*- حدثنا عن التمديد غير القانوني وعن المشاكل المالية؟
تم تمديد عقد ليبان بوست لعدة مرات حصلت من خارج القانون، كما العقد الأساسي الذي استبدل الفائز فيه، بمزايدة غير قانونية، بمزايد اخر ربح بالحظ من دون اجراء مزايدة. هذه التمديدات المتتالية تخالف الدستور وتخرق القوانين والأصول من دون الالتفات الى مصلحة الدولة المالية ولإثراء الملتزم على حسابها. وحصلت هذه التمديدات تارة من قبل وزير الاتصالات، وتارة من قبل مجلس الوزراء او بموافقات استثنائية من رئيسي الجمهورية والحكومة.
ونذكر على سبيل المثال:
التمديد لمدة 3 سنوات بموجب كتاب وزير الاتصالات تاريخ 19/08/2015
التمديد لمدة 8 أشهر بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 5 تاريخ 05/09/2019
التمديد بحكم الاستمرارية لمدة 8 أشهر تنتهي بتاريخ 15/05/2020.
التمديد لغاية 31/12/2021 بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 11 تاريخ 05/05/2020
التمديد من 01/01/2021 لغاية 30/06/2021 بموجب موافقة استثنائية بتاريخ 15/12/2020 من كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء.
وماذا عن المشاكل المالية؟
يقول ديوان المحاسبة في تقريره الخاص رقم 11/2021 منذ مباشرة تنفيذ العقد ولغاية تاريخه لم تتم محاسبة مالية سنوية بين طرفيه، وشارك في صنع هذه التمديدات الأطراف المشاركة في السلطة على مدى أكثر من عشرين سنة.
وكأن هناك إيرادات للدولة غير مدفوعة؟
يقول ديوان المحاسبة في تقريره الخاص رقم 11/2021 انه أجرى تدقيق العقد وقدم تقريره بناءً على كتاب ورده من لجنة الاتصالات النيابية اثر جلستها المنعقدة في 10/04/2021 ومن ابرز نتائج هذا التدقيق:
لم يتم توفير أي وثيقة رسمية تبين بوضوح وبالتفصيل قيمة الايرادات المتوجبة لصالح الدولة اللبنانية- وزارة الاتصالات- من تاريخ 22 تموز 1998 لغاية 15 أيلول 2001، أي ان الدولة اللبنانية قد حققت ايرادات صفر على الارجح لحوالي ثلاث سنوات.
مع أن الدولة اللبنانية لم تحصل أي واردات بين عامي 1998 و2001 إلا أنها كانت تتحمل الأعباء التشغيلية من رواتب وأجور وقرطاسية وإيجارات مما يزيد الخسائر على الخزينة.
قبل التلزيم، كان يتم نقل بريد الادارات العامة مجانًا ومع ذلك، ارتفعت إيرادات الدولة من 4.5 مليار ل.ل. في العام 1997 الى 7.9 مليار ل.ل. سنويًا عام 1998، أي حوالي الضعف خلال سنة. اما بعد التلزيم، فانخفضت إيرادات الدولة المالية الى صفر بينما حققت الشركة أرباحا طائلة.
وتابع مارديني قائلا:
تضمن العقد نصًا بأن يدفع المشغل حصة اضافية بقيمة 5% من الايرادات البريدية إذا تعدت الايرادات ارقامًا سنوية وصفت بالخيالية، لا يمكن ادراكها بالنظر الى عدد سكان لبنان ومساحته الجغرافية، فكان هذا النص ميتًا واقتصرت حصة الدولة اللبنانية على ال 5% الأساسية عن الايرادات البريدية دون سواها.
ويتبين من تقرير ديوان المحاسبة أن إدارة البريد اللبنانية كانت تتمتع بالحصرية البريدية على كافة الأراضي اللبنانية وكان من بين الخدمات التي يقدمها المرفق البريدي المراسلات المحلية والدولية الصادرة والواردة، البريد المضمون مع اشعار بالاستلام، الطوابع البريدية، الطرود البريدية، العلب البريدية، البرقيات والتلكس، اصدار قرارات الترخيص لشركات نقل البريد بالمواكبة وغيرها من الخدمات .كما أن المديرية العامة للبريد كانت تتولى نقل وتوصيل بريد الادارات الرسمية دون مقابل، وانه يتبين من حساب مهمة محتسب المالية المركزي لعامي 1997 و 1998 أن حاصلات البريد المودعة في الخزينة للعامين المذكورين تقارب 12.5 مليار ليرة لبنانية لا غير.
*- ما المنافع التي حصلت عليها شركة ليبان بوست على حساب الخزينة؟
بموجب القرار رقم 21 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 09/08/2001، حصلت شركة ليبان بوست على “مكافأة” من الدولة اللبنانية اذ أصبحت الخدمات الجديدة التي تتولاها من خارج الخدمات البريدية لا تخضع فعليا لتقاسم الإيرادات مع الدولة. هذه الخدمات الجديدة تشمل خدمات انجاز المعاملات الحكومية الرسمية وهي عديدة ومتنوعة، خدمات الإعلان عبر الصحف، التأمين على بعض الاليات، خدمات الترجمة والمصادقات، عقود ضمان الاجراء الأجانب، عقود ضمان الحوادث الشخصية وغيرها من الخدمات. لم تنل الدولة اللبنانية من هذه الخدمات فلسا واحدا، فحصة الدولة المحددة ب ٥ ٪ من الإيرادات لا تتوجب الا عن شطور لا يمكن ادراكها الا نظريا.
وتابع مارديني قائلا:
كما أنه وسندًا لقرار مجلس الوزراء المذكور ثم تخفيض بدلات الإيجار التي تدفعها الشركة عن مركز بيروت للفرز من 1.200.000 إلى 600.000 دولار أميركي وإضافة الطابق الأرضي في مركز الفرز في المطار إلى الأبنية المؤجرة من الشركة دون بدل اضافي.…
واستطرد مارديني قائلا:
“هناك مخالصة لم تحصل من العام 1998 وحتى العام 2001 ، إذ لم تدفع ليبان بوست في هذه الأعوام، أي مبلغ للدولة اللبنانية لقاء إلتزامها خدمات البريد، علماً انه كان يجب عليها أن تدفع 5% من مجمل أرباحها، إضافة إلى أن على الدولة اللبنانية تحمّل النفقات التشغيلية للموظفين والقرطاسية وغيرها”.
*-كما كانت تبلغ إيرادات الدولة قبل التلزيم وكم هي القيمة بعد التلزيم؟
إن “إيرادات البريد قبل التلزيم كانت 8 مليار ليرة سنوياً وبعد التلزيم أصبحت صفر والنفقات على الدولة، وفي رأيي تلزيم قطاع البريد لشركة واحدة أمر غير جيد، والافضل أن تعطي الدولة ترخيصاً لمن يرغب بإستثمار في هذا القطاع وتفتحه على المنافسة”.
وأردف مارديني قائلاً: “أنا دعيت في العام 2022 الى بيع المرافق اللبنانية بالمزاد العلني، فقبل إنفجار المرفأ كانت مرتبة لبنان في التجارة العالمية 153 من أصل 190 دولة، وكان الإستيراد والتصدير عبر مرفأ بيروت صعب جداً ومعقد وغير فعّال، وهذا ما فتح الباب على الرشاوى والفساد، وإنفجار المرفأ أضاء على حجم الفساد وسوء الإدارة، علماً أنه في الماضي كان مرفأ بيروت مداراً من قبل شركة خاصة منذ سنة 1887 وتقريباً حتى سنة 1990، فوجود شركة خاصة تدفع ضرائبها وتسمح للدولة بإستيفاء الجمارك في المرفأ يحميه من التدخلات السياسية”.
*- وماذا عن التعديلات التي طرأت على قانون الشراء وهل من تجاوزات مغينة في هذه التعديلات؟
-يجب طرح جميع المرافئ للبيع ولتتنافس فيما بينها، فهذا أمر ينعش إقتصاد المناطق الموجودة فيها”.وفيما يتعلق بتعديلات قانون الشراء العام فإن “القانون الجديد تشوبه بعض الثغرات خاصة بمسألة تسهيل العمل البلدي، فجاءت التعديلات لتسهل هذا العمل ولتعطي أيضاً هذا القانون المزيد من الشفافية لناحية التصريح عن أصحاب الحق”.
*- وما الحل الأنسب بالنسبة لكافة المرافق العامة؟
-للخروج من الأزمة، يجب الإنتقال إلى نظام إقتصادي جديد يسمح بالنمو عن طريق تفكيك الإحتكارات وتشجيع المنافسة، فتعدد الشركات التي تقدم الخدمة نفسها، يسمح بتحسين الجودة وخفض الأسعار”.
وختم مارديني متسائلاً، “هل على الدولة مثلاً إنشاء مستشفيات حكومية أم إعطاء المواطنين بطاقات تأمين صحي وليتطببوا حيث يشاؤون؟ ويبقى على الدولة برأيي أن تؤمن مصاريف القضاء والأمن والسياسة الخارجية ويمكنها أن تؤمنها عن طريق الضرائب المسطحة والمقبولة نسبياً”