النزوح السوري بين خسائر ومكاسب لبنان الاقتصاديّة.. إلى أين تميل كفّة الميزان؟

النزوح السوري بين خسائر ومكاسب لبنان الاقتصاديّة.. إلى أين تميل كفّة الميزان؟

يتوزّع النازحون السوريون على طول الخريطة اللبنانيّة، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، في أرقام مخيفة وعداد ولادات كبير ينذر بتغيير وجه لبنان في السنوات العشر المقبلة..

كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:

تخطى عدد النازحين السوريين حاجز المليونين في لبنان، أي نصف سكّان البلد الذين يصل عددهم إلى 4 مليون لبناني، وهذا الرقم يعكس فقط عدد النازحين المسجّلين، ولا يحصي عدد غير المسجّلين، أو الأطفال مكتومي القيد.
وبحسب أرقام المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين، يتوزّع هؤلاء على طول الخريطة اللبنانيّة، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. في أرقام مخيفة وولادات بأعداد كبيرة تنذر بتغيير وجه لبنان في السنوات العشر المقبلة إذا بقيت هذه الأرقام تتزايد. فمن المتوقّع وصول عدد النازحين إلى 3 ملايين بعد 4 سنوات، أيّ بزيادة مليون نسمة. ففي لبنان أكثر من 275 ألف طفل سوريّ مسجّل تحت سنّ الـ5 سنوات مقابل أكثر من 150 ألف طفل سوريّ غير مسجّل. هذا ولم تسقط مفوضيّة شؤون اللاجئين صفة اللجوء عن أكثر من 500 ألف مسجّل كنازح سوري، يتنقّلون شهرياً بين لبنان وسوريا، لا بل أعطت مساعدات ماليّة جديدة للسوريين، إلى جانب الإعاشات، بالاضافة إلى مبالغ ماليّة جديدة للحوامل، في الوقت الذي تتراوح فيه أعمار النازحين السوريين الذين يقدمون على الزواج بين الـ15 والـ19 سنة!

النزوح يرفع من نسبة البطالة والفقر
ويشكل هذا الكم من النازحين ضغطاً على البنى التحتية وخدمات الكهرباء وخدمات الصرف الصحي، وهذه كلفة غير مباشرة على الاقتصاد اللبناني تقدّر بالمليارات، ومن المعروف أن الفقر انتشر في لبنان، وارتفع معدله من 55% عام 2020 إلى 74% من مجموع السكان عام 2021، بحسب تقرير أصدرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” في أيلول من العام الماضي. وبحسب التقرير “إذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82% من السكان”.
وبدوره كان التقرير الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية قد لفت إلى “ارتفاع في معدل البطالة في لبنان من 11,4 في المئة في الفترة الممتدة بين عامي 2018 و2019 إلى 29,6 في المئة في كانون الثاني 2022، وهذا يعني أن ثلث القوى العاملة الناشطة كانت عاطلة عن العمل مطلع هذا العام”. وما زاد الوضع سوءاً، مزاحمة السوريين للبنانيين في الأعمال الحرّة والإيجارات، والمواد الغذائيّة الأساسيّة وعلى رأسها الخبز وصولاً إلى الطبابة. حيث يقوم بعض النازحين السوريين بتأجير بطاقاتهم الصحيّة لمواطنين لبنانيين، ليتمكنوا من التطبب على حساب الأمم، ابتداءً من 100 دولار في اليوم، وصولاً إلى 500 دولار لإجراء عمليات جراحيّة. في الوقت الذي تتواطأ فيه بعض المستشفيات، في هذا الملفّ، والتي بدورها تفضّل التعامل مع المنظمات الدوليّة التي تدفع لها نقداً وبالدولار على التعامل مع الدولة أو الضمان أو حتى شركات التأمين.
وعلى قاعدة المثل اللبناني “القلة تولّد النقار”، بلغ الاحتقان بين المجتمع اللبناني المضيف والمجتمع السوري النازح، مستويات غير مسبوقة في الآونة الاخيرة مع استفحال الأزمتين المالية والاقتصادية في لبنان والتدهور المتواصل في سعر الليرة اللبنانية، مقابل الارتفاع الدراماتيكي لسعر الدولار، ما أدى لتفاقم الصراع على مقومات العيش، كما على الخدمات وفرص العمل. لتهدد بذلك “قلة الموارد” بصدام اجتماعي لبناني ـ سوري. وسط تخويف سياسي مستمرّ، يتحدّث عن مشروع دوليّ لتوطين السوريين في لبنان.

فما مدى حجم الخسائر التي يتكبّدها لبنان من جراء النزوح السوري؟ وهل لهذا النزوح انعكاسات إيجابية على الوضع الداخلي للبلد؟
في هذا الإطار يرى الخبير الاقتصادي باتريك مارديني في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّه “يتمّ التركيز على مسألة النازحين السوريين من الناحية السلبيّة أكثر من الناحية الايجابيّة، علماً أنّ كفّة الميزان قد تميل لمصلحة هذه الأخيرة أكثر. ولذلك يجب أن يتمّ تقييم حسنات وسلبيات هذه الأزمة ومقارنتها لمعرفة إذا ما كان النزوح السوري في لبنان مضرّاً أو له حسنات”.
ويضيف مارديني “يمرّ لبنان بأزمة اقتصاديّة قاسية أدت إلى إغلاق العديد من الشركات أو المصانع في مختلف القطاعات، والتي أصبحت تكاليفها التشغيليّة أعلى من إيراداتها. أمّا الشركات التي تمكّنت من الصمود بوجه الأزمة هي التي تمكّنت من تخفيض التكاليف التشغيليّة لديها، عبر توظيف نازحين سوريين، لكونهم يتقاضون رواتب أقلّ بكثير من اللبنانيين”.
“كما أنّ وجود النازحين السوريين في لبنان أدّى إلى رفع الطلب على الخدمات وأوّلها الإيجارات. حيث أنّ هذا الطلب أمّن دخلاً ثابتاً لعدد كبير من الأسر اللبنانيّة التي رفعت من قيمة إيجاراتها. علماً أنّ جزءاً كبيراً من الدولارات التي تأتي إلى النازحين السوريين في لبنان تبقى معظمها داخل البلد وتحرّك العجلة الاقتصاديّة، لكون هؤلاء يشترون سلعاً وخدمات”، بحسب مارديني، الذي أشار إلى أنّ “هناك أيضاً بعض الأساتذة اللبنانيين الذين يستفيدون من وجود النازحين في لبنان حيث يدرّس هؤلاء النازحين في ساعات بعد الظهر ويضمنون مدخولاً إضافياً”.
وعن الأثر السلبي للنزوح السوري في لبنان، قال مارديني أنّ “بعض القطاعات كالكهرباء، والاتصالات والصرف الصحي، والتي تدار من قبل الحكومة بشكل خاطئ، والتي تبيع من الأساس بخسارة، عندما ترفع من نسبة مبيعاتها إلى الضعف، فستزيد من نسبة خسارتها”، مشدداً على أنّ “المشكلة هنا ليست من النازحين بل من إساءة إدارة الحكومة لهذه القطاعات فهي من الأساس متعثّرة”.

النزوح تحوّل إلى لجوء
على المقلب الآخر يعتبر الخبير المالي بهيج الخطيب في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “النزوح السوري تحوّل إلى لجوء بمباركة من المجتمع الدولي الممثّل بالمفوّضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان. وتشريع بقاء السوريين في لبنان هو جزء من مشروع يهدف إلى خدمة إسرائيل وخلق حرب أهليّة طاحنة”.
وعن التداعيات السلبيّة لهذا النزوح يقول “أدّى إلى مزاحمة الأيدي العاملة اللبنانيّة وبالتالي رفع نسبة البطالة في لبنان، إلى جانب تدنّي المستوى المعيشي لحياة الفرد، حيث يقبل المواطن السوري العمل برواتب منخفضة فيما لا يمكن للبناني تحمّل تراجع الأجور في لبنان، لأنّ مستواه المعيشي يتطلّب مدخولاً معيّناً في الشهر”.
هذا ويعطّل النزوح السوري، بحسب الخطيب، “عمل مساحات شاسعة من الأراضي الزراعيّة والتي اتّخذ منها السوريون مسكناً، وإن لم تتوفّر فيه أدنى مستويات العيش الكريم. كما أنّه يستهلك الموارد الطبيعيّة كالمياه والخدماتيّة كالكهرباء وغيرها. ويساهمون في رفع نسبة التلوّث في الأرض الجوفيّة وفي الطبيعة والبحر بسبب النفايات التي يفرزونها ويرمونها عشوائياً أينما كان”.
ويضيف “يقوم العديد من السوريين من أصحاب الشهادات كالمهندسين والصيادلة والأطباء، بفتح أعمال لهم في لبنان دون الحصول على تراخيص، مزاحمين بذلك اللبنانيين أصحاب الاختصاص، حيث يعتمدون تسعيرات مخفّضة وعشوائيّة. كما أنّ مداخيل السوريين من مساعدات الأمم أصبحت تضاهي مداخيل موظفي الدولة في الفئات الأولى والعليا. كما أنّ النزوح السوري يشكّل خطراً على الوضع الأمني في لبنان، حيث أدّى إلى رفع نسب السرقات والاعتداءات وعمليات السطو ونسب التحرّش وحالات الاغتصاب والقتل”.

أوضاع النازحين تتحسّن على حساب اللبنانيين
من جهته يؤكّد الخبير الاقتصادي د. خلدون عبد الصمد في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “لبنان يعاني حاليا أزمة اقتصادية غير مسبوقة، جعلت معدلات الفقر تتخطى الـ ٥٠%، كذلك ناهزت البطالة هذا الرقم ناهيك عن التضخم والانكماش الاقتصادي وانحدار معدلات الناتج المحلي الإجمالي، ومن ضمن مخاوف اللبنانيين، العدد الهائل للنازحين السوريين في لبنان والذي يعادل ربع عدد السكان في لبنان. والحقيقة أنّ هناك جانباً مشرقاً وآخر سوداوي للنزوح السوري في لبنان”.
“فالمساعدات الدولية للنازحين السوريين في لبنان ومهما بلغت يصرف قسم منها في الأسواق اللبنانية وهذا محرك فعال للعجلة الاقتصادية في لبنان، إلا أنّ لها وجه آخر يتبين في ضرب اليد العاملة اللبنانية وما يترتب عن ذلك من زيادة في البطالة. ناهيك أيضاً عن أنّ البنى التحتية اللبنانية كانت بالكاد تكفي الشعب اللبناني فكيف بوجود هذه الاعداد الكبيرة من النازحين السوريين الذين بدورهم يحتاجون إلى استهلاك الطاقة والمياه والصرف الصحي وغيرها من مستلزمات الحياة”، بحسب عبد الصمد.
واعتبر أنّ “أزمة لبنان الحالية تضرب جميع القطاعات الحيوية في لبنان وتؤثّر بشكل مباشر على الشعب اللبناني مع عدم تقديم المساعدات الدولية له بالشكل الفعّال، عكس ما يتم تقديمه للنازحين السورييّن والذين تحسّن وضعهم المعيشي حالياً بفعل ارتفاع الدولار مقابل العملة الوطنية، وكما هو معروف بأنّ المساعدات الدولية غالباً ما تكون إمّا ماليّة، بالعملة الخضراء أو عينيّة عبر الإعاشات”.

اضغط هنا لقراءة المقال على الموقع هنا لبنان