رؤوس الأموال تنخفض حدّ الاضمحلال… والمصارف تتحوّل الى دكاكين 15000 ليرة للدولار… “يصفّر” رساميل البنوك

رؤوس الأموال تنخفض حدّ الاضمحلال… والمصارف تتحوّل الى دكاكين  15000 ليرة للدولار… “يصفّر” رساميل البنوك

تنتظر المصارف اللبنانية المعلقة على «خشبة» التعاميم الإستنسابية وإعادة الهيكلة المزعومة مصيراً ضبابياً. فمع تخفيض سعر صرف الليرة في شباط القادم عشرة أضعاف، من 1500 ليرة إلى 15 ألفاً، ستضمحل رساميلها المقومة بالعملة الوطنية تلقائياً. من الناحية النظرية، يصبح هناك إستحالة على القطاع المصرفي المدين بحدود 98 مليار دولار (مجموع حجم الودائع المتبقية بالعملة الأجنبية)، الاستمرار بأي شكل من الأشكال. فالإجراء يحوّل القطاع إلى «خردة»، لا يصلح حتى للبيع «كسراً». إنما فعلياً، فان حاكم المصرف المركزي استبق قرار تخفيض سعر الصرف باصدار مجموعة من التعاميم والقرارات التي تضخم أصول المصارف وهمياً، وتعطيها نفساً جديداً للإستمرار مرحلياً تحت كتل الأزمة الجليدية كـ»مصارف زومبي»، أي حية ميتة!

موجودات المصارف

لتبسيط قراءة المعطيات المعقدة والمتشابكة، ينبغي العودة دائماً إلى قواعد المحاسبة الأساسية. فـ»المصارف لديها موجودات وعليها مطلوبات». يقول المستشار المالي والمصرفي د.غسّان شماس. وموجودات البنوك تتوزع على الشكل التالي:

– الرأسمال. المقدر بـ 16.3 مليار دولار حالياً.

– الديون. وهي القروض المعطاه للقطاع الخاص وشهادات الإيداع وسندات اليوروبوندز.

– الأصول المنقولة وغير المنقولة، أي العقارات والسيارات والشقق.

– الإيداعات في المصارف الخارجية.

وبناء عليه، فان رأسمال المصارف المقدر بالليرة اللبنانية، سيقسم على 10 في حال احتساب سعر الصرف الجديد مطلع شباط القادم على أساس 15 ألف ليرة. وبالتالي ستنخفض قيمته من 16.3 مليار دولار إلى 1.6 مليار دولار. وهذا وحده كفيل بخسارة المصارف البالغ عددها حوالى 50 مصرفاً لكامل رأسمالها. ما يعني تحولها إلى «دكانة صغيرة»، بحسب شمّاس. «لا تملك الملاءة أو كفاية رأسمال لتغطية المطلوبات والتي تقدر بـ 98 مليار دولار».

الودائع المتبخرة

أما بالنسبة إلى ودائع المصارف في «المركزي» والمقدرة بأكثر من 72 مليار دولار، فلا أمل باسترجاعها، أقله بقيمتها الحقيقية. وما تحمله المصارف من سندات يوروبوندز بقمية 8 مليارات دولار، لم تعد تساوي أكثر من 7 سنتات للدولار الواحد، أي أنها لن تستعيد منها أكثر من 0.5 مليون دولار. وفي ما يتعلق بالقروض للقطاع الخاص، فان مجمل قيمتها تقدر اليوم بين 10 و13 مليار دولار. واذا سمح «المركزي» باستمرار تسديدها على سعر 1500 ليرة بالنسبة للأفراد، حسبما فهم من حديث حاكم «المركزي» في برنامج تلفزيوني، وحتى لو سلمنا جدلاً باحتسابها على 15 الف ليرة، فهي لن تؤمن للمصارف أكثر من 3.6 مليارات دولار، إن جرى الإلتزام بتسديدها بانتظام، وهذا أمر مشكوك به. مع العلم أن الحاكم الذي أكد على إمكانية سحب الودائع على أساس 15 الف ليرة للدولار إبتداء من شباط، لم يذكر أي شيء عن مصير القروض. وهو ما يوجب من السلطة النقدية الكف عن اللعب باعصاب المقترضين وتوضيح المسألة بشكل قاطع.

القطب المخفية

تبقى نسب المؤونات التي يتوجب على المصارف أخذها على الديون المعدومة وتقييم الأصول. فجمعية المصارف ومصرف لبنان لم يتلزما بقواعد المحاسبة الدولية، وتخطيا المعيار الدولي IFRS9 المفروض في مؤتمر بازل، والذي يفرض أخذ مؤونات على الديون، ترتفع نسبها مع ارتفاع المخاطر. فالمصارف لا تأخذ مؤونات بأكثر من 20 في المئة، فيما يفترض أن تصل نسبة المؤونات إلى 100 في المئة على شهادات الايداع وسندات اليوروبوندز. وذلك على غرار ما تطلب المصارف المركزية من البنوك الاجنبية التي لديها ودائع في لبنان، ذلك لانها ديون معدومة. «أما القطبة المخفية فتكمن في طريقة تقييم الاصول، واحتمال التلاعب باحتساب سعر صرف الأرباح التي تحققها البنوك من عمولات حسابات الدولار»، يقول شماس. و»هي التدابير الوهمية التي يمكن أن تعوض على المصارف إنهيار رساميلها نتيجة تخفيض سعر الصرف إلى 15 ألف ليرة».

كيف ذلك؟

«في منتصف العام 2020 أصدر مصرف لبنان تعميماً، سمح بموجبه للمصارف إعادة تقييم أصولها من أبنية وعقارات، وأكثر من 1000 فرع، 75 في المئة منها ملكها، بحسب القيمة السوقية الحالية. فمثلاً المبنى المقيّم في الدفاتر بمليون دولار أصبح سعره اليوم يعادل 40 مليار ليرة، تتم إضافتها على رأس المال. وعليه تتحول كل رؤوس أموال المصارف أو أصولها إلى قيود زائفة بثمن العقارات غير المنقولة. يعني مقابل انهيار رساميلها تصبح قيمة أصولها مرتفعة جداً، لانها ببساطة مقيمة على دولار السوق». ومن الممكن أن ترتفع قيمة أصول المصارف المقدرة بحدود 13 مليار دولار، بحسب الآلية الجديدة إلى 30 أو حتى 40 مليار دولار (تحتسب على أساس 40 ألف ليرة وتقسم على سعر 15 الفاً). واللافت أن إعادة التخمين هذه ستتم بواسطة المصرف نفسه، ومن ثم يعرضها على «المركزي» ولجنة الرقابة على المصارف التي لها القرار في الموافقة على التخمين الجديد. وهي ستوافق في النهاية لعجزها عن تكليف عشرات الخبراء لإعادة العمل مرة جديدة. وحدها الاصول المستحوذة بواسطة آليات الرهن تعتبر مستثناة من هذه الآلية الجديدة.

تدوير الارباح

القطبة المخفية الثانية تتمثل في إمكانية تدوير الارباح الناتجة عن العمولات الكبيرة التي تتقاضاها المصارف على حسابات «الفريش» دولار، وإضافتها على رأس المال. وهو الأمر الذي يستوجب طرح مجموعة من الاسئلة ومنها: كيف تقيم الارباح وتحديداً الأرباح المدورة، في ظل عدم توزيع أنصبة الارباح؟ وكيف تقيم العوائد الناتجة عن عمليات التجزئة؟ هذه الأسئلة تقود بحسب شماس إلى فرضية أن المصرف الذي يتقاضى عمولة على حساب الفريش دولار بقيمة 10 دولارات، يحتسبها 400 الف ليرة. فهل المصارف تعمد إلى «تفقيطها» على أساس سعر الصرف الرسمي، أي 1500 ليرة، وتضيفها على رأسمالها كأرباح مدورة بقيمة 266 دولاراً؟ سؤال يتوجب أيضاً توضيحه برأي شماس، «بسبب تعدد أسعار الصرف وعدم معرفة السعر الذي يعمل به وبأي شكل أو طريقة».

هذا الجزء المتعلق بحساب الأرباح والخسائر (ما باع وما اشترى المصرف) لا احد يتحدث عنه ولا معلومات عن الأرباح التي يحققها. وإذا كان من المفروغ منه أن البنوك لا تدر عوائد من الفوائد باستناء ما تتقاضاها مناصفة بين الليرة واللولار كفوائد على شهادات ايداعها في «المركزي»، فان أكثر المداخيل أهمية التي تعتمد عليها هي الخدمات التي تقدمها. وتحديداً على حسابات الفريش دولار. وهي خدمات تدفع أكلافها بالدولار. وعلى المعنيين من مصرف لبنان والهيئات الرقابية توضيح كيفية تقييم هذا الدولار وعلى أي سعر.

خارج الميزانية

ما يؤكد فرضية شماس هو عدم إحتساب الدولارات التي تتقاضاها المصارف من الزبائن بدل عمولات، من ضمن ما يعرف بـ Off-balance-sheet، أو نشاط التمويل غير المدرج في الميزانية العمومية. حيث قد يكون لدى بعض الشركات مبالغ كبيرة من الأصول والخصوم غير المدرجة في الميزانية. وعلى الرغم من أن الـ Off-balance-sheet عادة ما تكون بالدولار، يظهر بحسب آخر البيانات التي أصدرها أحد البنوك تقييم الميزانية الخارجية بالليرة اللبنانية. وهو ما يثير الشكل والريبة بطريقة الاحتساب وكيفية تقييم هذا الحساب.

تحرير من الاحتياطي

ما ساعد المصارف أيضاً إصدار مصرف لبنان تعميماً يسمح فيه للمصارف عدم أخذ احتياطي الزامي على حسابات الفريش دولار، وذلك على عكس المبدأ الذي وضعه «المركزي» والذي يفرض على المصارف أخذ 15 في المئة (خفّضها أخيراً إلى 14 في المئة) كاحتياطي الزامي. وعليه فان كل الأموال التي لا يتم أخذ احتياطي الزامي عليها هي أموال يجب وضعها وفق القانون بـ Off-balance-sheet. وذلك على غرار كل النقود التي توضع في البنوك للاستثمار، لا تخضع للاحتياطي الإلزامي، وتدرج في خارج الميزانية. وعليه «فان هذه الاموال المتاحة خارج الميزانية يحق للمصرف احتسابها من ضمن رأسماله من ضمن ما يعرف بـ Tier 3 capital. أو ما يعني الباب الثالث لرأس المال» بحسب شماس، مع العلم أن البنك ملزم بارجاعها. فهل المصارف تستعمل عوائد الفريش دولار التي يتم وضعها كاموال متاحة وتزيد رأسمالها بها؟

أمام كل ما تقدم، فان تراجع رساميل المصارف حدّ الاضمحلال نتيجة تخفيض سعر الصرف سيعوض برفع قيمة أصوله بما يتراوح بين الضعفين وثلاثة أضعاف، وإمكانية استعمالها عوائد العمولات بالعملة الاجنبية النقدية وحسابات الفريش دولار لزيادة رأسمالها بهندسات محاسبية تتيح تحولها إلى الليرة على سعر السوق، من ثم احتسابها بالدولار على السعر الرسمي. ما يعني أننا باختصار سنبقى نراوح مكاننا، وأن شيئاً لن يتغير.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن