في خطوة غير متوقعة وصادمة، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع للحكومة بثه التلفزيون الروسي، أنه قرر تطبيق سلسلة من الإجراءات لتحويل الدفعات مقابل إمدادات روسيا من الغاز إلى الدول غير الصديقة إلى الروبل الروسي، وقد منح المصرف المركزي الروسي مهلة أسبوع لتطبيق تلك التغييرات، وإيجاد طريقة لتحويل تلك الدفعات بعيداً عن العملات الأخرى، وقال إن روسيا ستتوقف عن تلقي الدفعات بالعملات التي وصفها بـ”المخترقة”، أضاف بأن “روسيا ستواصل تزويد الغاز بالكميات المثبتة في العقود السابقة”.
حرب إقتصادية – نقدية عالمية قد نشهد بدايتها ونعايشها، فما مصير الدولار؟ وماذا يعني قرار بوتين؟ وكيف سوف ينعكس ذلك على الإقتصاد العالمي والنقدي؟ خصوصاً أنه قد ارتفع سعر الروبل الروسي في سوق الصرف بنسبة ٣٪ ، بعد أن كان قد ارتفع بأكثر من ٨٪ مرتين خلال التعاملات.
الدولار أساساً يواجه شكوكاً حول مستقبل حفاظه على موقعه العالمي، خصوصاً منذ صعود القوة التجارية والاقتصادية للصين واستخدامها لأدوات تسوية غير دولارية في الصفقات التجارية، من بينها الصفقات التبادلية، وتأسيسها لبورصات للذهب والنفط والمعادن الأخرى، فبات يواجه منافسة شرسة.
وحسب توقعات خبراء، فإن الدولار سيواجه خلال الاعوام القادمة أكبر اختبار في تاريخه، ليس فقط بسبب جائحة كورونا وتداعياتها، ولكن بسبب الاختلالات الكبيرة في الميزان التجاري، والحساب الجاري، والضعف الاقتصادي، واحتمال ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة الاميركية، ولا يستبعد اقتصاديون ومصرفيون أن يخسر الدولار موقعه كـ”عملة احتياط” لدى البنوك المركزية العالمية، وكعملة مهيمنة على سوق الصرف والتسويات التجارية العالمية خلال السنوات القليلة المقبلة، اذ انه تراجع بسرعة مخيفة في العام ٢٠٢١ مقابل العملات الرئيسية، وسجل انخفاضات تفوق التوقعات التي وضعها له العديد من خبراء المال والنقد، حيث هبط سعر صرف الدولار إلى أدنى مستوياته، مقابل كل من الفرنك السويسري واليوان الصيني واليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني، كما تراجع كذلك مقابل العملات الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية.
وفي هذا المجال، اكد الخبير الاقتصادي باتريك مارديني ل “الديار” أن حصر شراء الغاز بالعملة الوطنية الروسية الروبل، سوف يؤدي حتماً إلى زيادة الطلب على العملة، وبالتالي سوف يؤدي إلى ارتفاعه وهو ما يتم إستعماله كسند للعملة الوطنية في روسيا. واشار الى أن هناك عقود بين روسيا والدول التي تشتري منها الغاز، وهي غير مقيدة بالعملة الروسية وانما بعملات أخرى، ولا ندري إذا كان سيتم تغيير العقود حالياً، أم سوف يتم إعتماد الروبل حصراً في العقود القادمة وعند التجديد، كما تحدث عن كون العملية معقدة بسبب العقوبات على المصارف الروسية، وهو ما سوف يُصعّب الأمر على أوروبا لشراء الروبل، كون هذه المصارف لا يمكن التعامل معها لأنها تخضع لعقوبات.
وأكد أن الدولار بمأمن نسبياً عن أي مخاطر محتملة، كونه عملة التجارة العالمية، والعملة التي يتم تسعير كافة المواد الأولية بها، ومن ضمنها النفط والغاز، و٨٠٪ من التداول العالمي يتم بالدولار أو باليورو، وبالتالي ما حصل لن يغير في الصورة الكبيرة، خاصة وأن الثقة بالدولار أكبر، كون الناس تتجه إليه وتستعمله للتداول، لأنه يتمتع باستقرار بسعر الصرف بشكل نسبي، كما أن معظم الناس تثق بنشاط الإقتصاد الأميركي وبحكمة المصرف المركزي الأميركي، وهو ما لا تتمتع به روسيا بعد، وبالتالي إستعمال الدولار نتيجة وليس سبب، ومن الصعب أن تحل محله أي عملة غير مستقرة كالروبل.
ورأى مارديني أن الدولار ثابت، بل أنه بعد الحرب الروسية – الأوكرانية إرتفع مقابل اليورو، والروبل هو الذي إنهار بشكل كبير، كما أن تأثر لبنان محدود بإرتفاع أسعار النفط عالمياً وتضاعفها من العام المنصرم حتى يومنا هذا، وهو ما ينعكس إرتفاع في أسعار المحروقات ويخلق ضغط تضخمي في البلد من ناحية، كما أن أسعار القمح ارتفعت كنتيجة للحرب، ويتوجب علينا إيجاد بدائل للتصدير، والتي قد تكون بلدان بعيدة، وبالتالي كلفة النقل سوف تكون أعلى، وهو ما سوف ينعكس إرتفاع في أسعار المواد الغذائية أيضاً في البلاد