تتعدّد نماذج البطاقات التموينية حول العالم، ويبقى الهدف واحد: توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة لمحدودي الدخل والفقراء. إلا ان حتى هذا الهدف البسيط يفشل الكثير من البطاقات في اصابته بسبب شكل البطاقة اولاً، والظروف العامة المحيطة التي تعطى بها، حيث لا تعود مثل هذه البطاقات تنفع مع التضخم الهائل وتفاقم المشاكل بشكل كبير.
في لبنان ما زال الوضع ضبابياً. احدٌ لم يعرف بعد ان كانت هذه البطاقة التموينية ستعطى لكل من يتقدم لها، كما هو مفروض، أم ستُحصر بالعائلات الاكثر فقراً. فبحسب “البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً” ان عدد العائلات المحتاجة كان يقدر بـ 43 الف اسرة، منها 15 الفاً تعاني من الفقر المدقع. إلا ان البنك الدولي يتوقع ان تؤدي الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة إلى دفع أكثر من 155 ألف أسرة (850 ألف فرد، أو ما يعادل 22% من السكان اللبنانيين) تحت خط الفقر المدقع؛ و356 ألف أسرة (1.7 مليون فرد أي ما يعادل 45% من السكان اللبنانيين) الى تحت خط الفقر الأعلى. ما يعني ان نحو 70 في المئة من اللبنانيين يعانون من الفقر، وسيحتاجون إلى المساعدة السريعة في حال رفع الدعم. فهل تؤمنها البطاقة للموعودين فيها؟
بطاقة “تذاكي”
في الشكل ستشبه البطاقة بطاقات الاعتماد credit card وستخصص للشراء مباشرة من نقاط بيع محددة سلفاً. وذلك على غرار البطاقات التي يحملها السوريون في لبنان والصادرة عن “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” UNHCR، مع فارق انه لن يسمح بالسحب النقدي منها عبر الصرافات الآلية. أما في المضمون فان ما يطلق عليه اسم البطاقة التموينية الذكية لن تكون إلا “بطاقة تذاكي لامتصاص الغضب الشعبي” بحسب الخبير الاستراتيجي في أسواق البورصة العالمية وشؤون الاستثمار جهاد الحكيّم. “إذ لا يمكن فصلها عن الظروف التي تعطى بها والتي ستحولها إلى نسخة ثانية من بطاقة سيستا CESTA TICKET التي اعطيت في فنزويلا”. وبالتالي ستكون هذه البطاقة برأي الحكيّم أشبه بـ “الاعاشة” التي تهدف إلى تأمين المدخول الاساسي للبقاء على قيد الحياة GLOBAL BASIC INCOME”. أما في ما يتعلق بقيمة الأموال المرصودة لها فما زالت لغاية اللحظة مجهولة، إلا ان المعلوم ان قيمة هذه البطاقة ستتأثر بعاملين اثنين وهما: عدد البطاقات الموزعة وقيمة العملة الوطنية. بحيث انه كلما زاد عدد البطاقات وتدهورت قيمة العملة مقابل الدولار ستتراجع القيمة الفعلية لهذه البطاقات، حتى تصبح مثلها مثل البطاقة الفنزويلية التي تبلغ قيمتها مئات آلاف البوليفار… أي 2.5 دولار!
الدعم المباشر أفضل
الدعم الذي اعتمدته الدولة اللبنانية مع اشتداد وتيرة الازمة الاقتصادية لم يكن خطأ حسابياً بسيطاً، بل جوهرياً. فسياسة دعم السلع التي انتهجت تعتبر “الاسوأ” بحسب الخبير الاقتصادي باتريك مارديني. “ذلك لان نتائجها صبت في جيوب التجار الذين حصلوا على الدولار ولم يرخصوا الاسعار. فما حصل ان الكثير منهم احتكروا البضائع وباعوها في السوق السوداء داخل لبنان وخارجه، ولم تصل فوائد الدعم إلى عموم المستهلكين”. إلا ان أكثر ما يخشاه مارديني هو ان نكون قد “فوتنا الفرصة الذهبية لاتباع طريقة الدعم المنطقية والسليمة والتي تقضي بتسليم الأموال مباشرة إلى المستهلكين عبر البطاقات التموينية”. ما يدفع إلى هذا الخوف هو نفاد الاحتياطي من العملات الاجنبية في مصرف لبنان بعد نحو سنة من بدء الدعم على السلع. و”بهذا سيضطر المركزي الى تعبئة البطاقات بالليرة المطبوعة، ما سينعكس نتائج تضخمية خطيرة” يقول مارديني.
التمويل على “المركزي”
إذاً “البطاقات” ستموّل في المرحلة الاولى من مصرف لبنان وليس من موازنة الحكومة، وهو ما يشكل فرقاً كبيراً. فالتمويل من موازنة الدولة يتطلب تخفيض الانفاق على غير أبواب، كي يبقى عجز الموازنة مضبوطاً ضمن الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي والجهات المانحة في مؤتمر سيدر. حيث كان تخفيض العجز في الموازنة بنسبة واحد في المئة سنوياً ابتداء من العام 2019 وعلى فترة 5 سنوات أي لغاية 2023 يعتبر شرطاً اساسياً من شروط المانحين لاستحصال لبنان على القروض. وبالتالي على “الحكومة حسم خياراتها وتطهير الادارة العامة من فائض الموظفين وتخفيض النفقات على المشاريع التي يعتريها الكثير من الهدر والفساد مثل السدود والبواخر ومشاريع الكهرباء والانصراف إلى دعم المواطنين بشكل مباشر من أجل الحد من تداعيات الازمة الاقتصادية القاسية عليهم” يقول مارديني. وبهذا تكون الحكومة أصابت “عصفورين” دعم المستهلكين وترشيد الانفاق العام، “بحجر” البطاقة التموينية.
الايجابية المباشرة التي قد تظهر مع اعتماد البطاقة التموينية هي توقف التهريب إلى سوريا ووقف النزيف في احتياطي العملات الاجنبية. في حين انها لن تكون بحسب الحكيم “سوى تدبير موقت، سيفقد قيمته سريعاً في حال عدم وصول التدفقات المالية المشروطة بالاصلاحات من الخارج “.
إضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن