استقرار الليرة مرهون بوقف التعبئة وفتح المطار

استقرار الليرة مرهون بوقف التعبئة وفتح المطار

عاد الصرّافون المرخّصون إلى العمل وتمّ الإفراج عن الموقوفين منهم، بعد أن التزموا تخفيض سعر صرف الدولار تدريجياً ليصل إلى 3200 ليرة للدولار في غضون أسبوعين. وبالتوازي أطلق مصرف لبنان منصّة التداول التي تربطه بالصيارفة إلكترونياً، والتي تهدف إلى تقنين الدولار على المواطن عبر تعقيد إجراءات الحصول على العملة الصعبة وفرض سقف 200 دولار في الشهر للفرد. ويأمل مصرف لبنان من خلال هذه المصيدة أن يُقنع بعض من أنقذ دولاراته وخبأها في المنزل، أن يعود ويبيعها للصراف قبل بلوغ الدولار عتبة الـ3200 ليرة.

لن تنجح هذه الإجراءات في لجم سعر الدولار، إذا ما استمرت الحكومة في تمويل نفقاتها (وسحوبات المصارف) عن طريق طباعة الليرة بكميات تفوق تدفقات الدولار إلى لبنان. وستبقى السوق السوداء ناشطة لتلبية حاجات المواطن التي تفوق الـ200 دولار، اللهم إلّا إذا أقدمت السلطة على قمعها هي الأخرى. وحينها سيضرب سعر صرف الدولار أرقاماً قياسية بسبب انقطاعه، وستختفي العديد من المواد الأساسية والأدوية من السوق ويعمّ الفقر والعوز كما يحصل في معظم الدول التي تلجأ إلى مثل هذه السياسات.

ويتفاوض لبنان مع صندوق النقد الدولي، لمحاولة تأمين قروض بالعملة الصعبة، تأمل الحكومة في أن تصل إلى 10 مليارات دولار، علماً أنّ المعطيات الموضوعية تشير إلى صعوبة الحصول على أكثر من 4 مليارات دولار تُدفَع على 4 سنوات، على ألّا تتخطّى الدفعة السنوية 1.3 مليار دولار. وفي المقابل، فقد تراوحت عائدات السياحة في لبنان بحسب الأرقام الصّادرة عن منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة (United Nations World Tourism Organization) ما بين 7 و8 مليارات دولار سنوياً بين العامين 2010 و2018. وعلى الرغم من انحدار عائدات السياحة في العام 2019، فإنّها ما زالت توازي، في سنة واحدة، مجموع ما يطمح لبنان إلى الحصول عليه من صندوق النقد على مدى 4 سنوات. ولكن لبنان، وبطبيعة الحال، سيخسر هذه المليارات طالما كان الزوار غير قادرين على القدوم بفعل استمرار سياسة التعبئة وإغلاق مطار بيروت.

وللمقارنة، أعادت قبرص، المنافس المباشر للبنان في قطاع السياحة، فتح مطارها للرحلات الجوية الدولية. وقد قرّرت الحكومة القبرصية تشجيع قدوم الزوار عبر تغطية تكاليف السكن والطعام والشراب والأدوية، للسياح الذين يصابون بمرض كورونا خلال إقامتهم في البلاد، كما خصّصت مستشفى بسعة 100 سرير للوافدين الذين قد يصابون بالفيروس، والتزمت بتأمين «فندق صحي» من 500 غرفة لعائلات المرضى وجهّزته بوسائل اتصال وثيقة مع المريض. وبالطبع، يحتاج المسافرون إلى قبرص إلى القيام بفحص Covid-19 قبل الزيارة وقياس درجة حرارتهم عند الوصول.

أما لبنان، فما زال يضيّع الفرص ويجدّد التعبئة ويفرض قوانين مثل المفرد والمجوز، التي تحرم الشركات المحلية من نصف قدرتها الإنتاجية في الأيام التي يكون فيها المدير في المكتب، لأنّ نصف موظفيه في المنزل، ومن أكثر من النصف في الأيام التي يلزم فيها المدير بيته، لأنّ النصف الآخر من الموظفين يعمل دون حسيب أو رقيب. وإضافةً إلى تدهور إنتاجية الشركات اللبنانية، فقد ارتفعت الكلفة عليها بسبب إجراءات الوقاية، ما أدّى وسيؤدي إلى خسارة هذه الشركات قدرتها على المنافسة، وهي التي كانت تعاني أصلاً من خسائر فادحة بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية والمصرفية. وفي المحصلة، ينتج من هذه الإجراءات تعميق الركود الاقتصادي وتسريع إقفال الشركات وتسريح المزيد من الموظفين وزيادة نسب البطالة والفقر.

ويتمنّى العديد من اللبنانيين في المهجر الاستفادة من سياسة العمل عن بُعد التي اعتمدتها الشركات الأجنبية للعودة والعمل من لبنان، ما يتيح لهم فرصة الاستمتاع بموسم الصيف بصحبة الأهل والأصدقاء. ويضخ هؤلاء دولارات (Fresh Dollar) يفوق حجمها ما قد يوفّره صندوق النقد في العام 2020 عن طريق السهر في المقاهي والملاهي والمطاعم وريادة الشواطئ والسباحة في البحر. كما يمكن للبنان اقتناص فرصة تأخّر عدد من الدول المنافسة عن فتح مطاراتها، لجذب فئة جديدة من السياح، تتمثل في من سئم المكوث في منزله ويتطلع للسفر إلى بلد مشمس، ولا يمانع القدوم إلى لبنان في ظل غياب الوجهات السياحية التي اعتاد ريادتها. ويمكن للبنان أن يستثمر سجّله المميز في احتواء الفيروس، وأن يستفيد من سمعته كمركز للرعاية الصحية في المنطقة، وأن يراهن على قدرة القطاع السياحي والخدماتي على تأمين إطار صحي يحمي الوافدين، لجذب المزيد من الزوار.

وعلى عكس لبنان اليوم، تمتلك البلدان الثرية، أو تلك التي لا تعتمد على السياحة، ترف تأخير فتح مطاراتها والتضحية بموسم الصيف. أما لبنان، فيؤدي إبقاؤه على التعبئة وإغلاق المطار حتى نهاية حزيران، إلى خسارة ثلث موسم الصيف والتفريط في الأفضلية التنافسية الناتجة من تقلّص عدد الوجهات السياحية المتاحة عالمياً. ويقضي تمديد التعبئة وإغلاق المطار حتى منتصف تموز على نصف مداخيل الصيف على الأقل، وهو ما سيطيح استراتيجية الحكومة التي تنوي إرساء سعر الصرف حول مستوى الـ 3500 ليرة للدولار في الـ2020. من هنا، توازي اليوم أهمية السرعة في فتح المطار واستبدال إجراءات التعبئة الجماعية بالوقاية الفردية، أهمية السرعة التي تميّزت بها الحكومة في فرض التعبئة. وبقدوم المغتربين والسياح، يتحرّك البلد ويعود الناس إلى العمل، بدل انتظارهم على أبواب المصارف وتشاجرهم مع الموظفين وتلهيهم بالمضاربة. فكما يقول المثل الشعبي اللبناني «القلّة بتولّد النقار».

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع الجمهورية