الصناعيون يطالبون بسياسة حمائية لمنتجاتهم… فهل ترتد سلباً عليهم؟

الصناعيون يطالبون بسياسة حمائية لمنتجاتهم… فهل ترتد سلباً عليهم؟

لم تكن الصرخة التي أطلقها رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل في أيار الماضي هي الاولى التي تطلقها الجمعية، فهذه الصرخة تتكرر منذ أعوام، وهي “صرخة صناعية نابعة من وجع عميق وأليم طال أمده، ومن نزف أصاب هذا القطاع الحيوي والأساسي في اقتصادنا الوطني وفي حياة بلدنا ومجتمعنا، نزفٌ أفرغ الكثير من قدراتنا وقضى على الكثير من مصانعنا”.

اذا كانت المشكلات التي تعاني منها الصناعة أصبحت معروفة، ولم تعرها الدولة حتى الآن أي اهتمام حتى الآن، فإن الاخيرة تحضّر لسلسلة ضرائب يمكن أن تزيد الفقراء فقراً، كما تدرس تدابير حمائية اقترحتها جمعية الصناعيين في كتب ارسلتها الى الوزارات المختصة والجهات المعنية لبعض السلع بغية حمايتها من المنافسة غير المشروعة التي تتعرض لها من سلع اغراقية من دول تدعم صناعاتها. هذه الصناعات، وإن كان بعضها لا يمسّ الفقراء على نحو مباشر، إلا أن بعضها الآخر كالمواد الغذائية (البرغل، السكاكر، المعكرونة، الأجبان والالبان، بسكويت، الدقيق، رقائق الذرة، الكورن فليكس، الدجاج) يمكن أن يؤثر عليهم خصوصاً اذا نتج منها ارتفاع بالاسعار.

هذه الاجراءات التي تطالب بها جمعية الصناعيين وإن كانت على حق، إلاّ أن رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني وجد فيها باباً لحرمان الفقراء من الحصول على سلع منخفضة الثمن، “فالضرائب التي أسقطها الشعب اللبناني في الشارع ستعيدها الدولة اليهم من الشباك عبر ما يسمى بالسياسات الحمائية التي هي في الواقع رزمة ضرائب جديدة سيكون ضحيتها اللبناني، خصوصاً انها ستطاول بشكل غير مباشر المنتجات الاستهلاكية”.

وفيما تعتبر جمعية الصناعيين أن المراسيم الحمائية ستؤدي حتماً الى خفض الاسعار، على اعتبار أن انتاج المصانع سيزيد بما سيخفف الكلفة عليه وسيترجم ذلك انخفاضاً للأسعار في السوق المحلية، يؤكد مارديني أن “التدابير الحمائية ستطاول أولاً الفقراء، لأنها تشمل المنتجات الرخيصة والتي يقولون انها تنافس الصناعة المحلية”. ويتخوّف من زيادة نسبة الفقراء التي بلغت في 2016 بحسب دراسة لـUNDP نحو 28.5% من سكان لبنان، فيما يعيش نحو 350 الف لبناني في فقر شديد اي أقل من دولار يومياً وفق دراسات أخرى، معتبراً أن الوسيلة الانجع لمحاربة هذه الآفة هي خفض الاسعار وليس رفعها، وهي النتيجة المتوقعة بعد السياسة الحمائية”.

الى ذلك سيشمل ارتفاع الاسعار، وفق مارديني، الحديد الغرانيت والرخام والادوات الصحية التي تستخدم في قطاع البناء، وتالياً اذا تمّ رفع سعرها فإن ذلك يعني أننا نرفع كلفة الوحدات السكنية، علماً أن التبادلات العقارية في لبنان انخفضت من 8.8 مليارات دولار بـ2011 الى 6 مليارات في 2016. ولن يقتصر انخفاض الطلب على الشقق، كما أن القطاعات المرتبطة بقطاع البناء من “الألف الى الياء” ستتأثر بتباطؤ القطاع العقاري وانكماشه، علماً أن القطاع العقاري يساهم في 15% من الناتج المحلي ويوظّف نحو 12% من اليد العاملة.

الجميل: المنافسة شرسة

مرت الصناعة اللبنانية بسنوات عجاف عانت خلالها الكثير من المشكلات والأزمات، لذا “لا بد من سياسة تحفيزية للقطاع الصناعي، يكون أول بنودها توفير المناخ الملائم للصناعة لزيادة عملها وانتاجيتها ووضعيتها عبر توفير الحماية لها من المنافسة الاجنبية القوية، ووقف الاغراق بشكل نهائي. فالجميع يعلم انه عندما يضرب المرض الجسم، لا بدّ من توفير الوقاية والحماية والأدوية والمنشطات اللازمة ليستعيد الجسم عافيته ووضعه الطبيعي قبل كل شيء”. هذا الكلام لرئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل أتبعه بمطالبة بـ”فرض رسوم حمائية على السلع المنافسة لمنتجاتنا اللبنانية، لا سيما ان قراراً كهذا لا يتعارض مع الاتفاقات التجارية الموقعة مع لبنان”. وهذه السياسة وفق ما قال الجميل لـ”النهار”، سيكون مردودها ايجابياً على فرص العمل بما يخفض من نسب الفقر، والأهم أن انعكاسها سيكون ايجابياً على الصادرات وكذلك على المنافسة في الداخل”. إذ يشير الجميل الى ان الصناعة تتعرض الى منافسة شرسة، سببها أن ثمة دولاً مثل تركيا ومصر تدعم صناعاتها مباشرة (تكاليف الطاقة، والتصدير) فتصل بضائعها الى لبنان بأسعار منافسة، والسبب الآخر هو أن بعض الشركات العالمية، وحتى لا تكسر اسعارها، تغرق بعض الدول بفائض السلع الذي لديها بأسعار خيالية”.

وهو إذ يؤكد أن الصناعيين لا يهدفون من وراء المطالبة بالسياسة الحمائية الى وقف الاستيراد، خصوصاً وأن ثمة سلعاً لا يمكننا انتاجها، يشير الى أن لبنان يستورد بنحو 19 مليار دولار سنوياً، لذا يمكن أن نخصص من هذا المبلغ نحو 3 أو 4 مليارات دولار لشراء المنتجات المحلية”.

في المقابل، لا ينفي مارديني ما ذكره الجميل عن معاناة الصناعة، إلا أنه يلقي اللوم في ذلك على الدولة، “صحيح أن تعرفة الكهرباء مدعومة، ولكن عدم توافر الكهرباء على مدار الساعة يجبر الصناعيين على الاستعانة بمولدات الكهرباء بما يرفع من كلفتهم، عدا عن الكلفة المرتفعة لليد العاملة بسبب ارتفاع الاجور بما يجعل من كلفة الانتاج مرتفعة مقارنة بتركيا أو مصر أو دول المنطقة، خصوصاً أن الصناعة تستورد المواد الاوّلية، وتالياً عندما تقول الدولة إنها تريد زيادة التعرفة الجمركية، فإن ذلك سيشمل المواد الاوّلية وخصوصاً الورق والحديد والرخام”.

والكلفة المرتفعة برأي مارديني، سببها تدخل الدولة في القطاع، وتالياً فإن السياسيات الحمائية التي تتبعها يمكن ان ترتد سلباً على الصناعة، لأنه اذا وضعت الدولة رسوماً جمركية مرتفعة على المستوردات من الخارج ستضطر الدول التي نستورد منها الى معاملتنا بالمثل. اذ رغم الصعوبات (كلفة مرتفعة، مواد اولية، كهرباء، ويد عاملة مرتفعة)، يعتبر مارديني أن الصناعة اللبنانية استطاعت أن تصدّر كميات مقبولة من انتاجها الى الخارج، مستنداً الى التقرير الذي أعدته مصلحة المعلومات الصناعية في وزارة الصناعة، والتي أشارت فيه الى أن الصادرات الصناعية بلغت خلال الأشهر الاربعة الاولى من العام 2017 نحو 806.9 ملايين دولار، فيما بلغ المعدل الشهري للصادرات الصناعية اللبنانية خلال الأشهر الاربعة الاولى من 2017 201.7 مليون دولار.

هذه الصادرات، ورغم تواضعها، إلا أنها وجدت موطئ قدم لها في الخارج. وما يتخوف منه مارديني أنه اذا قررت الدولة منع الانتاج غير اللبناني من دخول لبنان، فإن الدول الاجنبية ستحذو حذونا وستمنع دخول البضائع اللبنانية اليها”.

إضغط هنا لقراءة المقال على الموقع النهار