تشكل ظاهرة التهريب الجمركي خسارة كبيرة لخزينة الدولة اللبنانية، إذ تظهر الأرقام الرسمية انخفاضاً ملحوظاً في الإيرادات الجمركية مقارنةً بحجم الواردات الضخمة. بلغت الرسوم الجمركية في عام 2024 حوالي 548 مليون دولار أمريكي فقط، في حين وصل إجمالي الواردات خلال العام ذاته إلى ما يتراوح بين 16 و17 مليار دولار أمريكي.
تمثل هذه الإيرادات الجمركية نسبة 3.3% فقط من إجمالي الواردات، وهو رقم منخفض بشكل كبير، خاصة أن أدنى رسم جمركي مطبق في لبنان يبلغ 5%. يعود هذا الانخفاض الكبير إلى عدة عوامل، منها وجود سلع ومواد غذائية ومواد أولية معفاة من الرسوم الجمركية، لكن في المقابل توجد سلع ومواد غير أساسية تفرض عليها رسوم جمركية مرتفعة جداً.
شهد الوضع تغييراً في الآونة الأخيرة، لكن ليس بالنسبة والطريقة المطلوبة. تبين البيانات المتعلقة بموازنة عام 2025، أو بالأحرى بالأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، أن الإيرادات الجمركية بلغت حوالي 457 مليون دولار، وهو ما يعادل 84% من إجمالي ما تم تحصيله خلال عام 2024 بأكمله. انطلاقاً من هذا الرقم، يمكن التوقع أن تصل الإيرادات الجمركية بنهاية العام الحالي إلى حوالي 1.4 مليار دولار.
يبقى هذا الرقم منخفضاً نسبياً ويشكل حوالي 7% فقط من إجمالي الواردات المتوقعة، خاصة أن التقديرات تشير إلى أن لبنان سيستورد حوالي 20 مليار دولار خلال العام الحالي. تظهر هذه الأرقام بوضوح وجود نسبة تهرب جمركي كبيرة جداً تحدث بأكثر من طريقة، رغم جميع عمليات التحديث الجارية على المرافق البحرية بشكل أساسي.
يطرح السؤال المهم حول ما إذا كان ضبط المرافق الحدودية ومنع التهريب قادراً على تأمين مورد مالي ضخم يعوض عن فرض ضرائب إضافية على المواطنين. تفرض الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المقارنة، رسوماً جمركية لا تقل عن 15% بأي حال من الأحوال، بل يمكن أن تصل إلى 40% و50% و60% أو حتى أعلى على بعض الدول.
يمثل وضع لبنان حالة استثنائية بشكل كبير، إذ أن فرض رسوم جمركية عالية جداً كما يحدث في بقية الدول قد يدخل إلى الخزينة إيرادات نظرية من جهة، لكنه من جهة أخرى قد يفوت على لبنان فرصة النمو والازدهار ويزيد الضغط على الأسر، لأن هذه الرسوم الجمركية ستنعكس مباشرة على الأسر والعائلات.
تكمن الإشكالية الأساسية التي يواجهها لبنان في أن الرسوم الجمركية التي تطبق على الاقتصاد الشرعي تثقل كاهله بشكل كبير جداً وتجعل أسعاره أعلى من أسعار البضائع التي تدخل بشكل مهرب، مما يؤدي إلى زيادة نمو الاقتصاد غير الشرعي.
انطلاقاً مما سبق، يمكن تلخيص الحل في إقامة ضريبة جمركية موحدة وعادلة، من دون تفاوت بين 5% و10% و20% و25%. يجب تطبيق ضريبة موحدة على جميع السلع، وبهذه الطريقة يمكن تقليل إمكانية التهرب الجمركي، إذ تصبح كلفة التهرب أعلى من كلفة دفع الرسوم الجمركية المقررة.
يحقق هذا النظام العدالة بين جميع المستوردين والتجار، كما يؤمن إيراداً ثابتاً ومتوازناً لخزينة الدولة يساعدها على الإنفاق وتلبية احتياجات المواطنين. يساهم هذا الحل في معالجة الاختلال الحاصل بين الاقتصاد الشرعي والاقتصاد غير الشرعي، ويضمن تحصيل إيرادات عادلة من جميع الواردات دون تمييز أو استثناءات تفتح المجال أمام التهرب والفساد.