هبط اليورو بشكل قياسيّ ليوازي الدولار، وهو هبوط تاريخيّ لم تشهده العملة منذ 20 عاماً. تراجع اليورو بنسبة 12 في المئة لأسباب متعدّدة، منها الحرب في أوكرانيا، وأزمة الطاقة، والتهديد الروسي بقطع صادرات الغاز، والتخوّف من دفع منطقة الاتحاد الأوروبي إلى الركود.
لكن السؤال الوجيه هنا: هل من انعكاس لهذا الانخفاض على لبنان؟ نعم، بالطبع. بما أنّ لبنان دولة هشّة تتأثّر بأيّ عاصفة تهبّ في الخارج، انعكس انخفاض اليورو على السوق اللبنانيّة، حيث حاول “اللبناني الحربوء” استغلال هذه “الفرصة”، إلى جانب اعتماد لبنان بشكل كبير على الاستيراد من دول الاتحاد الأوروبي.
في هذا الإطار، يفصّل الخبير الاقتصادي، البرفسور بيار خوري، في حديث لـ”النهار” بين سوق المضاربة والسوق التجاريّة.
ولشرح الأولى، يوضح خوري مفهوم التكافؤ. فاليورو يخضع لهذا المبدأ، أي سعر اليورو الذي يُتداول خارج لبنان بالمقارنة مع سعر الدولار عالمياً. فاليورو عملة تشتقّ سعرها من سعر الدولار. واليوم، سعر اليورو الواحد في لبنان يبلغ دولاراً واحداً.
وسعر 1.02 لليورو مقابل الدولار لا يُمكن أن يخلق سوقاً سوداء في لبنان، إنّما السوق السوداء لليورو في لبنان مشتقة من السوق السوداء للدولار. مثلاً: إذا كان الدولار في لبنان 29000 ليرة، يسعَّر اليورو بـ29000 ليرة زائد 2 في المئة. لذلك، الحديث عن سوق سوداء لليورو في لبنان يُقصد بها سوق الدولار السوداء نفسها، والتي ليست منفصلة عنها بتاتاً.
وعندما ساوى سعر اليورو الدولار، يشير خوري إلى أنّ كثيرين اعتقدوا أنّه أصبح بإمكانهم التعامل باليورو لتمكّنهم من تسعيره كدولار واحد يساوي يورو واحداً، أي أصبح شراء اليورو أسهل بالنسبة إليهم بنظرهم، وساد انطباع بأنّ انخفاض اليورو الكبير يزيد من احتمال ارتفاعه مجدّداً، و”هنا لعب عقل اللبنانيّ المضارب”، الذي يستفيد من أيّ فرصة “للتشاطر” عبر شراء اليورو بسعر منخفض وبيعه عندما يعاود الارتفاع.
أمّا السوق التجارية، فهي السوق الحقيقية لليورو في لبنان، لا سيما على صعيد الاستيراد. فلبنان مستفيد من انخفاض سعر صرف اليورو، لأنّ معظم تجارته مع منطقة اليورو، وأي انخفاض في سعر العملة يجب أن يخفّض من سعر المستوردات الأوروبية الآتية إلى لبنان، بحسب خوري.
فمنذ عام تقريباً، كان اليورو يساوي دولاراً وعشرين سنتاً، وهذا يعني أنّ مع سعر صرف اليورو الذي انخفض حالياً، هناك انخفاضاً بنحو 17 في المئة على قيمة السلع المستورَدة من منطقة اليورو.
لكن خوري يلفت إلى أنّه مع ارتفاع سعر الدولار محليّاً، والفوضى العارمة في التسعير، من الصّعب التماس انعكاس انخفاض اليورو على السّلع في لبنان، “فنحن في حالة تفلّت أسعار، وسوق لبنان غير منظّمة حالياً، ومن الصعب بالتالي التماس الفروقات الصغيرة”.
وأكثر السلع المستورَدة من منطقة اليورو إلى لبنان هي المواد الغذائية الاستهلاكية اليوميّة، لا سيما الحليب؛ فكلّ الحليب المستورَد إلى لبنان يأتي من دول أوروبا. كذلك، جزء كبير من الكتب التي تُستورد لجميع المدارس والجامعات الفرنكوفونية، إضافة إلى آلات الصناعة، تأتي من أوروبا.
ومع الخروج من جائحة كورونا عالمياً، ستعيد كلّ الدول اقتصاداتها، وفق ما يشرح عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة “القديس يوسف” ورئيس الاتحاد الدولي لرجال وسيّدات الأعمال اللبنانيين MIDEL الدكتور فؤاد زمكحل، في حديث لـ”النهار”. ففائض السيولة التي طبعتها الدول دفع إلى التضخم الهائل لديها، ممّا أدّى بشكل أو بآخر إلى انخفاض سعر اليورو.
لكن برأي زمكحل أنّه بالرّغم من أنّ لبنان مستفيد من انخفاض سعر اليورو نظراً لاستيراده الكبير من دول أوروبيّة، فإن تدهور سعر الليرة أكبر من تدهور سعر اليورو. ويُضيف أنّ الأزمة المالية العالميّة ستؤدّي إلى تضخّم إضافيّ في سعر السّلع، وهو تضخّم ستدفع ثمنه البلدان المستورِدة، ومنها لبنان الذي يستورد 70 إلى 80 في المئة من حاجاته من أوروبا بالعملة الصعبة، “وبالتالي سيشهد ارتفاعاً كبيراً في أسعارها”.