الدولار ما بعد أيلول… ارتفاع “مدوْزَن”

الدولار ما بعد أيلول… ارتفاع “مدوْزَن”

أما بعدما نالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ثقة مجلس النواب، لا مهلة لها للمباشرة فوراً بالتصدي لوقف مسلسل الذل الذي يعيشه اللبنانيون، لا مئة يوم ولا حتى مئة ساعة. فعمرها، المبدئي، المقاس بالأشهر، يفرض عليها “الإنجاز” بالساعات للإيفاء بما ألزمت نفسها به، في ملفات المحروقات والدولار والأسعار، وسائر الوعود والتعهدات التي قطعتها للّبنانيين.

ولعلَّ أولى الملفات التي ستواجه الحكومة، محاولة الحفاظ على استقرار سعر الدولار ضمن الحدود التي بلغها عند الـ15.000 ليرة لبنانية، على الأقل. ومواجهة الصراع الحاد بين استقرار الدولار وعودته إلى التفلت باتت قريبة جداً، والموعد المرتقب هو في آخر أيلول الحالي، حين يرفع الدعم عن المحروقات كلياً ويأتي دور البنزين، بعدما سبق رفع الدعم عن المازوت وبات التعامل بهذه المادة بالـFresh dollar والتسعير على هذا الأساس حصراً.

وتتقاطع مقاربة أكثر من جهة مصرفية وصناعية وتجارية، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، عند نقاط عدة في هذا الملف. وتقول، إن “رفع الدعم عن المحروقات سيترك آثاراً مباشرة على سعر الدولار صعوداً، والذي يتبعه حكماً ارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات ربطاً بارتفاع كلفة الانتاج والنقل وفاتورة الكهرباء والمولدات وما شابه”.

وترى المصادر ذاتها، أن “ارتفاع سعر الصرف لن يكون مستغرباً عندها تبعاً لقاعدة العرض والطلب”، لافتة إلى أنه “في حال توقف مصرف لبنان عن تأمين الدولارات لمستوردي المشتقات النفطية، من أين سيأتون بالدولار لدفع ثمنها للمورِّدين؟ من السوق الموازية طبعاً، التي ستشهد طلباً متزايداً على الدولار ما يؤدي إلى ارتفاع سعره حكماً. علماً أن حاجة السوق اللبناني من البنزين والمازوت يومياً تقارب الـ10 ملايين دولار، بحسب معدلات الأشهر الماضية لفاتورة المحروقات ما بين 250 إلى 350 مليون دولار شهرياً”.

وتحذّر الجهات ذاتها، من “رهان البعض، المستغرب، على تراجع استيراد المحروقات والتهريب بعد ارتفاع الأسعار، وبالتالي انخفاض الطلب على الدولار لهذه الناحية إلى أقل من 5 ملايين دولار يومياً”. وتعتبر، أن “هذه مقاربة اقتصادية معتورة، إذ من غير المنطق الاقتصادي السليم الرهان على انكماش الاقتصاد وتراجع الاستيراد لخفض الطلب على الدولار!”.

وتضيف، “إذا تراجع حجم الاقتصاد كيف يرتفع حجم الكتلة النقدية بالعملات الصعبة؟ ومن أي أبواب سيدخل الدولار إلى البلد مع انكماش الاقتصاد وتراجع الحركة التجارية؟ علماً أن ارتفاع أسعار المحروقات بعد رفع الدعم، خصوصاً المازوت، سينعكس مباشرة على ارتفاع كلفة الانتاج الصناعي في البلد، ما يصعِّب المنافسة بين المنتوجات اللبنانية الصناعية ومثيلاتها الأجنبية، فتتراجع بالتالي نسبة التصدير ودخول الدولار (الفريش) إلى البلد”.

من ناحيته، يطرح رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، مقاربة مختلفة لهذه المسألة. ويقول، لموقع “القوات”، إن “مصرف لبنان حين قرر وقف تأمين سعر صرف مدعوم لاستيراد المحروقات، أعلن أنه مستعد لتوفير الدولارات للمستوردين على سعر منصة صيرفة. بالتالي لن يكون هناك ضغط إضافي على السوق السوداء في موضوع المحروقات”.

وإذ يشير مارديني، إلى أن “هذا من ناحية المبدأ أولاً. أما بالنسبة للنقطة الثانية والسؤال، هل مصرف لبنان قادر على تأمين الدولارات لسوق المحروقات؟ وهل سيكون بحاجة فعلاً لتوفيرها؟”، يلفت، إلى أن “البنك المركزي لا يزال يملك دولارات يمكنه التحرك بها، بالإضافة إلى الأموال التي دخلت أخيراً من صندوق النقد وربما يُستعمل جزء منها في هذا الإطار، والدولارات الوافدة من المغتربين، والتحويلات للنازحين وغيرها”.

ويضيف، “طبعاً لا يمكن للمصرف المركزي مواصلة تأمين الدولار للشركات المستوردة للمحروقات على فترة سنة مثلاً، لكنه لا يزال يملك مؤونة من الدولار تسمح له بالتحرك وتوفيرها إذا دعت الحاجة لفترة معينة”، معرباً عن اعتقاده بأن “انخفاض سعر الصرف كما شهدناه مع انطلاقة الحكومة، على صلة في جزء منه بتسهيل مرور رفع الدعم. فحين يتم ضخ كمية معينة من الدولار في السوق ينخفض سعره، ويصبح سعر صفيحة البنزين 230.000 بدلاً من 330.000 ل.ل مثلاً. يعني باللبناني (مبلوعة) أكتر”.

وبرأي مارديني، أن “هناك تضخيماً لحجم الطلب على الدولار لاستيراد المحروقات، لأن الناس ينظرون إلى حجم الطلب اليوم حيث يستورد لبنان كمية أكبر بكثير من حاجته”، مشيراً إلى أنه “مع رفع الدعم لن نعود بحاجة إلى هذه الكمية إذ ينتفي الحافز للتخزين والتهريب، فضلاً عن أن اللبنانيين سيجرون عملية ترشيد لنسبة استهلاكهم للمحروقات تبعاً لارتفاع سعرها”.

ويلفت، إلى أن “دعم مصرف لبنان لاستيراد المحروقات يستنزف احتياطه النقدي، وكلما تراجع حجم الاحتياطي بالعملات الأجنبية تتراجع الثقة بالليرة ويتهافت الناس على شراء الدولار، إذ هناك ترابط بين استعادة الثقة بالليرة وحجم الاحتياطي. أما اليوم مع الإعلان عن التوقف عن استعمال الاحتياطي لدعم المحروقات، ستستعيد الليرة شيئاً من الثقة في مكان ما لأن الناس سيعتبرون أن دولارات الاحتياطي المتبقية والتي تبلغ ربما 14 مليار دولار لن تُستهلك، واستعادة الثقة بالليرة عامل أساسي له انعكاساته على العرض والطلب”.

ولا ينفي مارديني، أن “رفع الدعم عن المحروقات قد يؤدي في مكان ما إلى ازدياد الطلب على الدولار، لكن ليس بما يشبه قفزة دراماتيكية، والزيادة ستكون طفيفة وبنسبة أقل بكثير مما يتوقعه الناس، لأن مصرف لبنان سيؤمِّن الدولارات للشركات المستوردة التي لن يكون استحصالها على الدولار متوقفاً على السوق السوداء. بالإضافة إلى أن الطلب الطفيف على الدولار حينها سيقابله ارتفاع الثقة بالليرة مع وقف استنزاف الاحتياطي، ما يشكل نوعاً من التوازن في سوق العرض والطلب”.

ويعتبر، أنه “في حال استمرار الاستقرار على فترة متوسطة نسبياً فإن حركة السوق ستتفاعل إيجاباً، ولن يرتفع سعر الصرف كثيراً وسيشهد نوعاً من التوازن”، مضيفاً أن “مصرف لبنان سيستمر في المرحلة الأولى بفتح الاعتمادات للشركات المستوردة، ربما لكي يقيس حجم الطلب الحقيقي على الدولار بعد رفع الدعم. وإذا لاحظ أن السوق متوازن لناحية العرض والطلب، قد يطلب من الشركات تأمين حاجتها من الدولار من سوق الصرف مباشرة”.

ويوضح مارديني، أن “هناك عاملين رئيسيين يدفعان الناس لطلب الدولار: إما للاستيراد أو لانهيار الثقة بالليرة”، مشيراً إلى أن “الارتفاع الطفيف على طلب الدولار بعد رفع الدعم عن المحروقات بغرض الاستيراد، يقابله انخفاض الطلب عليه المرتبط بالثقة بالليرة على ضوء الأجواء الإيجابية. أما إذا انهارت الثقة بالليرة مجدداً وعدنا إلى مسلسل المناكفات السياسية، هذا حديث آخر”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع Lebanese Forces