حتى الآن لا يبدو أن ثمة حظوظا لأي خيار آخر غير البواخر العائمة، لكن المفاجئ أن ثمة شركات تعتمد خيارات أخرى تصر على المشاركة وطرح مشاريعها على رغم النصائح التي تسدى اليها من بعض المستشارين في وزارة الطاقة بأن الوزارة لن تأخذ في الاعتبار اي عروض ما لم تكن تتضمن بواخر مزوّدة للطاقة.
هذه الشركات قدمت عروضا لتوليد الطاقة عبر مولدات توضع على اليابسة بأسعار منافسة، وكذلك عبر معامل موقتة تستخدم الغاز وتبنى على اليابسة خلال فترة قياسية. من هذه الشركات شركة أوروبية لا تزال تجرب حظها في امكان الدخول على خط انتاج الكهرباء من خلال مولدات يمكنها انتاج الطاقة المطلوبة بأسعار أدنى من البواخر بنسب كبيرة. واللافت أن هذه الشركة لا تزال تحاول عبر سفارتها التواصل مع وزارة الطاقة لتحديد لقاء مع الوزير سيزار أبي خليل لمحاولة اقناعه بالحلول التي توفرها.
ومن الشركات التي لم يحالفها حظ المشاركة في المناقصات لان حلولها لا تتوافق مع “خطة البواخر” شركة APR Energy التي تمثلها في لبنان شركة وردة الهندسية، والتي قدمت عرضا يتمثل بمعامل للانتاج تعمل على “توربينات” الغاز من شركة جنرال الكتريك بكلفة 10.6 سنتات للكيلواط متضمناً سعر الغاز (ثابت على 5 سنوات) على نحو يوفر زهاء مليار و300 مليون دولار تقريباً على الدولة.
ولكي تضمن الشركة وصول عرضها الى الحكومة، تقدمت الشركة الأميركية بكتاب رفعته الى رئيس الحكومة سعد الحريري عرضت فيه مشروعها البديل لمشروع البواخر المزودة للطاقة يقوم على تركيب محطات توليد جاهزة وموقتة توضع على اليابسة وتعمل بالغاز وبطاقة 450 ميغاوط. وهذه المحطات جاهزة ويمكن احضارها وتجهيزها ووصلها بالشبكة خلال 90 يوما من تاريخ توقيع العقد.
وتضمّن الكتاب الموقع من مدير شركة وردة الهندسية عزام وردة، اشارة الى ان “السعر المعروض من الشركة يشمل اسعار الغاز الذي يعتبر غير ملوث للبيئة كما هي الحال في البواخر العاملة على الفيول الثقيل، وان السعر المحدد من قبلنا يقل بكثير عما هو معروض من آخرين بواسطة البواخر العاملة حاليا في لبنان وتلك المقدم عرضها الى مجلس الوزراء للموافقة عليها”.
ويشمل العرض المقدم من شركة APR Energy إنشاء معملين لتوليد الطاقة الكهربائية بقدرة تصل إلى 850 ميغاواط، يتم تنفيذهما على اليابسة بالقرب من معملي دير عمار والزهراني في فترة زمنية أقصاها 90 يوما. هذان المعملان يولّدان الطاقة بواسطة الغاز المنزلي (LPG)، على أن يتم تزويدهما الكميات المطلوبة عبر خزانات ثابتة على الارض بحسب المعايير الدولية. ووفق ما يؤكد وردة لـ”النهار” فإن كلفة إنتاج كل كيلواط ساعة بواسطة الغاز المنزلي هي أقل من كلفة إنتاجها بواسطة البواخر العاملة على الفيول.
والايجابية التي تميز عرض الشركة الاميركية وفق ما يشرح وردة، أن سعر الكيلواط ثابت طوال فترة التنفيذ، فيما اسعار الكيلواط المنتج من البواخر متحرك تبعا لأسعار الفيول اويل العالمية. كما أن الحل الذي تقدمه الشركة لا يتطلب اعمالا بحرية مماثلة لما تتطلبه البواخر من كاسر أمواج وتعميق البحر، وهي اعمال مكلفة للدولة. ومن الايجابيات ايضا أن الشركة تؤمن الكهرباء على الشبكة على أن تحصل على ثمنها من الدولة لاحقا. وهذا يوفر على الخزينة فتح اعتمادات لشراء الفيول اويل.
لماذا الاصرار على البواخر؟
لطالما سأل رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني هذا السؤال، لكنه لم يجد الجواب المقنع من المسؤولين عن هذه الخطة. مستندا الى القانون الرقم 462 تاريخ 2002/9/2 قانون تنظيم قطاع الكهرباء، يلفت مارديني الى أن المادة الخامسة منه (أصول الخصخصة) الفقرة ب (التراخيص) تقول: “اجراء مناقصات عامة للانتاج بقدرة تتعدى الـ 25 ميغاواط لتوزيعها في مناطق يتعدى فيها عدد مستهلكي الطاقة الخمسين الفا”… وهذا يعني على نحو واضح “اجراء مناقصة للانتاج، وليس مناقصة للانتاج عبر السفن”. وتاليا فإن ادخال “عبارة عبر السفن” يعتبر بدعة برأي المارديني “لتفريغ المناقصة من مضمونها وحصرها بالسفن، بما يعني أنه يمنع على اي مستثمر آخر المشاركة في المناقصة حتى لو كان يستطيع تأمين كهرباء بكلفة أقل من السفن وفي وقت قياسي وبأثر بيئي أفضل من السفن، علما أن هذا الامر يمكن أن يؤدي الى كلفة أكبر على جيوب المواطنين وزيادة في التلوث. ولو أن المناقصة أجريت وفق القانون (مناقصة عامة للانتاج) لكانت شركات عدة شاركت بواخر وغيرها من الشركات التي يمكن أن تبني معامل أو مولدات.
وبما ان قطاع الكهرباء هو ملك للدولة فإنه لا يمكن مقاضاتها من جراء التلوث الذي تسببه معامل الانتاج”. هذا الكلام يقوله مارديني ليشير الى أنه “لا يمكن مقاضاة البواخر في شأن التلوث الذي ستتسبب به لأن الدولة هي التي رخصت لها”. ويلفت ايضا الى أن “المشكلة الاساسية هو تدخل الدولة في قطاع الكهرباء، فثمة شركات على استعداد لبيع الكهرباء بسعر أرخص من الدولة. ولكن عندما تحصر المناقصة بأشخاص محددين وتمنع آخرين من المشاركة، فإن الدولة تكون قد فرضت على مواطنيها خياراتها”. لذا يرى أن على الدولة “ان تبقي السوق مفتوحة وعدم حصرها بشركات محددة”. وفي هذا السياق، يشير مارديني الى مسألة مهمة، “بما أن الكهرباء مدعومة، فإن ذلك يعني أن الدولة تشتري الكهرباء من البواخر بسعر مرتفع ومن ثم تبيعها للبنانيين بسعر مدعوم. أي بمعنى آخر ان الدولة اللبنانية تدعم الصناعة التركية، بدل أن يكون الدعم لمنتجين محليين”.
ويختم: “ان فتح السوق للشركات والترخيص لها ببيع الكهرباء مباشرة الى المواطنين، سيسمح بأن ينعم المواطن بكهرباء على مدى 24 ساعة، اضافة الى دخول شركات تنتج طاقة نظيفة، والاهم من ذلك أن الدولة لن تتكلف ما تتكلفه اليوم على نحو يوفر مئات ملايين الدولارات، علما أن فتح السوق سيسمح بتنافسية الاسعار”.