خسائر “المركزي” فوق المليار دولار… هل يصمد إلى الانتخابات؟

خسائر “المركزي” فوق المليار دولار… هل يصمد إلى الانتخابات؟

لا تبدو أرقام الميزانيّة نصف الشهريّة التي نشرها مصرف لبنان الأسبوع الماضي مطمئنة، لناحية استمراره في السيطرة على سوق الصرف عبر منصة صيرفة. وتظهر الأرقام أن “المركزي” خسر أكثر من مليار و300 مليون دولار من احتياطه بالعملات الأجنبية، منذ بدء ضخ الدولارات في السوق بلا سقوف في سياق تطبيق التعميم رقم 161 لخفض سعر الدولار بعدما بلغ أكثر من 33.000 ل.ل، ولا يزال مستمراً بهدف تثبيته على سعر 20.000 ل.ل في المرحلة المنظورة، كما يلاحظ.

ويؤكد رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “ثبات سعر الصرف حالياً على نحو 20.000 ليرة، اصطناعي، ولا يعكس حقيقة الواقع المتدهور يوماً بعد يوم. والإثبات على أن هذا السعر وهمي وغير حقيقي، هو خسارة المصرف المركزي لاحتياطي العملات الأجنبية”.

ويوضح، أنه “لو كان سعر الـ20.000 ل.ل سعر توازن للسوق بين العرض والطلب، لما كان مصرف لبنان يخسر من الاحتياطي. فخسارة أكثر من مليار دولار خلال شهرين ونيّف تقريباً تدلّ على أن السوق غير متوازن، وأن الطلب على الدولار أكبر بكثير من عرضه، لذلك يخسر البنك المركزي احتياطاته. ما يعني أن السعر الحقيقي للدولار اليوم أعلى بكثير من 20.000 ل.ل”.

ويشدد مارديني، على أن “الهدف من تثبيت الدولار على 20.000 ل.ل، كان سياسياً بحتاً. أولاً، لمحاولة تمرير الموازنة العامة للعام 2022، إذ وضعوا فيها أرقاماً على أساس سعر صرف قريب من الـ20.000 ل.ل، بهدف القول لصندوق النقد الدولي إن أرقام الموازنة واقعية، لأن سعر الدولار المعتمد فيها يوازي سعره في السوق تقريباً”.

والسبب الثاني، يتعلق بخطة التعافي الاقتصادي التي تقدَّمت بها الحكومة لصندوق النقد، حول تغيير الودائع، إذ قاموا بعملية تحوير للودائع على أسعار صرف متعددة. فهناك مثلاً ودائع بالدولار تتحوَّل إلى اللبناني على سعر 12.000 ل.ل، فيهمّهم أن يعتقد الناس أن الهيركات طاول ودائعهم بنسبة 40% فقط بالمقارنة مع سعر السوق 20.000 ل.ل”.

لذلك، يضيف مارديني، “خفَّضوا سعر الصرف إلى 20.000 ل.ل، لأنهم لو تركوه على الـ30.000 ل.ل أو أكثر، لانتبه المودعون أنهم يتعرَّضون لهيركات يفوق الـ50%. بالتالي هدفهم إيهام الناس أن خطة التعافي تفرض عليهم هيركات خفيفاً، مراهنين على تقبُّلهم للأمر”.

ويعتبر الخبير الاقتصادي ذاته، أن “هذه الخدعة فشلت لأن هذه الألاعيب لا تمر مع صندوق النقد، والاتفاق معه طار. وكذلك بالنسبة للموازنة، طارت، لأنه لم تعد لديهم مصلحة بإقرار الموازنة بما أن الاتفاق مع الصندوق لم يعد متاحاً. بالتالي، من المفترض أن يزداد عدم الاستقرار والاضطراب في السوق، بظل هذا الواقع”.

ووفق مارديني، “المحافظة على سعر الـ20.000 ل.ل، على الرغم من الخسائر والوقائع المشار إليها، هدفه الوحيد تمرير الاستحقاق الانتخابي بسلام، خوفاً من عودة التحركات والاحتجاجات الشعبية في الشارع وتجدُّد الانتفاضة، في حال وقف التدخل في السوق وانفلات سعر الدولار مجدداً”، محذّراً من أن “كلفة التثبيت ستكون مرتفعة جداً. فإن كانت تخطَّت المليار دولار خلال شهرين ونيّف تقريباً، كم ستبلغ من الآن حتى موعد الانتخابات النيابية في 15 أيار المقبل؟”.

ويلفت مارديني، إلى أن “هذه الكلفة تكبِّر فجوة مصرف لبنان ونحن ندفعها من احتياطي العملات الأجنبية. بالإضافة إلى أنه مع الحرب المندلعة حول أوكرانيا سيزداد الطلب على الدولار أكثر لشراء المحروقات والمواد الغذائية على أنواعها، من قمح وسكر وزيوت نباتية وغيرها، مع الارتفاع العالمي للأسعار. وهذا يعني أننا سنشهد عملية تسارع بوتيرة انهيار احتياطي العملات الأجنبية”.

“لذلك، ليس أكيداً”، بحسب مارديني، “ما إذا كان مصرف لبنان يستطيع الصمود إلى موعد الانتخابات والمحافظة على سعر صرف بـ20.000 ل.ل، كما يخططون، لأن الكلفة ستكون كبيرة جداً على المودع والمصارف واشتداد الأزمة المصرفية والمالية والاقتصادية التي نعيشها”، من غير أن يستبعد صحة “بعض الاستنتاجات التي تبدو منطقية، بأن البنك المركزي بدأ يسحب من الاحتياطي الإلزامي لتغطية كلفة تثبيت سعر الصرف”.

ويرى مارديني، أننا “عدنا إلى نظام مشابه للذي كان سائداً قبل اندلاع الانتفاضة في العام 2019، عبر تدخل المصرف المركزي لضبط السوق فيخسر أموال المودعين من أجل إيهام الناس أن سعر الصرف 1.500 ل.ل، واليوم يريد إيهامهم أن السعر 20.000 ل.ل، أي العودة إلى السياسة ذاتها، تثبيت سعر الصرف من أموال المودعين”.

ويؤكد، أن “هناك طرقاً سليمة لتثبيت سعر الصرف، وبالتأكيد ليست المتبعة حالياً. والطريقة السليمة هي عبر ما قاله المدير الأسبق لصندوق النقد الدولي جاك دو لاروزيير، قبل ساعات، بأن (تثبيت السعر يكون عبر إنشاء مجلس للنقد Currency Board، لأن أسعار الصرف العائمة والمتعددة دمّرت بلادكم ونهبت مقدراتها)، كما قال”.

وينصح مارديني السلطة والحكومة ومصرف لبنان، أنه “في ظل انعدام فرصة إبرام اتفاق مع صندوق النقد لما بعد الانتخابات النيابية وربما الرئاسية، وإذا كان هدف الحكومة تثبيت سعر الصرف عن طريق هدر الدولارات، لن تتمكن من ذلك، لأن الدولارات الموجودة لن تكفي جرّاء الأحداث الحاصلة وارتفاع الأسعار عالمياً. فالدولار سيقفز، وكثيراً، وكلّما حاولوا تثبيته على الـ20.000 ل.ل القفزة ستكون أكبر، لأنه كلّما خسرنا دولارات من الاحتياطي سيزداد فقدان الثقة أكثر”.

بالتالي، يضيف مارديني، “الخيار الوحيد بيد الحكومة اليوم، هو إنشاء مجلس نقد لتثبيت سعر الصرف وتحقيق الاستقرار النقدي، ما يوحي بالثقة ويمنح الحكومة إمكانية التفاوض مع صندوق النقد عندما يحين موعد استئناف التفاوض من جديد. لأنه حتى خيار تثبيت سعر الصرف عبر هدر دولارات المودعين، غير مستدام، و(سيفرط) من يديها قريباً”، مشدداً على أنه “في حال عدم إنشاء مجلس للنقد، هذا يعني أن الحكومة مستمرة في تدمير البلاد ونهب مقدراتها، كما قال دو لاروزيير”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع Lebanese Forces