خبراء ينتقدون مسار التفاوض عبر «جنوبية».. لبنان لا ينظر «خارج» صندوق النقد!

خبراء ينتقدون مسار التفاوض عبر «جنوبية».. لبنان لا ينظر «خارج» صندوق النقد!

لم تكن وجوه أعضاء وفد صندوق النقد الدولي برئاسة رنستو راميريز، توحي بالإرتياح خلال إجتماعهم الاسبوع الماضي مع الرئيس نجيب ميقاتي، والوفد اللبناني المخوّل وضع خطة التعافي، ليس بسبب الشكليات الرسمية، بل لأن الوفد قدّم الكثير من الملاحظات على بنية الخطة ورؤية الحكومة للخروج من الازمة المالية والاقتصادية، وهذا ما أجمع عليه المطلعون على أجواء الاجتماع. اقرا ايضا: الثنائي الشيعي «يغض النظر» عن التفاوض البحري..والحكومة مقصرة أمام تداعيات الأزمة الأوكرانية! سبب”عدم الرضا” لوفد الصندوق (بحسب ما تسرب من الاجتماع)، هو أن المسؤولين اللبنانيين يفضلون التخلص من عبء الخسائر، التي سببها أدائهم المالي والاقتصادي الفاشل، وتحميل معظمها للمودعين، والتهرب من مواجهة الأزمة بإصلاحات جذرية في بنية المالية العامة، والقطاع العام وإعادة هيكلة المصارف، وإقرار قوانين تعزز مناخ الشفافية وحكم القانون.

إذا يحاول المسؤولون السياسيون، تقديم حلول ترقيعية للأزمة، وتركيب طرابيش على الطريقة اللبنانية، بالرغم من إنكارهم ذلك، والتشديد بأن الخطة التي تمّ تسريبها إلى وسائل الاعلام، ليست الخطة التي تمت مناقشتها مع وفد الصندوق، لذلك من المفيد البحث في السيناريوهات المحتملة للمباحثات الجارية بين لبنان وصندوق النقد حول خطة التعافي، طالما أن اللقاء الرسمي الاول بينهما لم يكن مثمرا، ومن المنتظر أن تقوم بعثة كاملة من الصندوق بزيارة لبنان في النصف الثاني من الشهر الحالي، لمواصلة المناقشات الرامية إلى الوصول الى إتفاق على برنامج مع الصندوق.

يقارب الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف في مصرف لبنان سمير حمود ل”جنوبية”، موضوع المحادثات الجارية بين لبنان وصندوق النقد، من زاوية مختلفة عما يتم تداوله حول رفض الاخير لخطة الحكومة، ويشرح ل”جنوبية” أنه “لا يمكن القول أن صندوق النقد يرفض أو يقبل خطة ما، بل يناقش بعض النقاط ويحاول تعديلها، أو الطلب من الحكومة النظر فيها، وهناك نقاط أخرى تحاول الحكومة إقناعه بضرورة إستمراريتها لوضع خاص في لبنان”، لافتا إلى أنه “بحسب معلوماته لم يرفض صندوق النقد الدولي خطة التعافي التي عرضتها عليه حكومة الرئيس ميقاتي، كما أنه لم يقبل بها لأنه يعتبر أن محادثاته مع الحكومة اللبنانية تدل على أنه ليس هناك نضوج كامل للخطة، وتعاني من نواقص ويجب إستكمالها بالكثير من الاجراءات الداخلية التي لا يمكن تنفيذها من قبل الحكومة اللبنانية على أبواب الانتخابات النيابية، لأنها تصنف بأنها إجراءات جريئة وغير شعبوية، ولبنان غير مهيأ في المرحلة الحاضرة على إتخاذ إجراءات قاسية”.

يضيف:”الخطة التي سربت إلى الاعلام، ليست الخطة التي قدمتها الحكومة بحسب ما قال لي نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، وكسمير حمود أرى أنه علينا أولا تصحيح الوضع المصرفي، كمقدمة لأي خطة تعافي يمكن أن نسير فيها قبل مخاطبة صندوق النقد الدولي”. ويوضح أن “خلاف لبنان مع صندوق النقد الدولي، كان دائماً وتحديداً في السنوات الخمس الأخيرة، عدم السير على السكة الصحيحة، لجهة اتباع المعايير الدولية في النظام المصرفي والنقدي والمالي والسياسي كاملة، ومن أبرز نقاط الخلاف بين الحكومة والصندوق حاليا، هي توزيع الخسائر وتحميل المودعين الجزء الاكبر منها”، مشددا على أن “موضوع “الهيركات” هو خارج الدستور والقانون، فلا يمكن استرداد المواطنين الودائع بأقلّ من قيمتها. فإذا كان هناك استحالة في استعادة ودائع الناس نتيجة أزمة سيولة، يجب إعادة برمجة تلك الودائع من دون الإقتطاع من قيمتها على الإطلاق”.

يقرأ الخبير المالي الدكتور باتريك مارديني مشهد المفاوضات الجارية بين الحكومة وصندوق النقد من زاوية أخرى، إذ يجزم ل”جنوبية” أن “هذه المفاوضات وصلت إلى حائط مسدود، والحكومة كانت تأمل بإمكانية وصول إلى إتفاق مع الصندوق قبل الانتخابات لكن هذا لن يحدث ولكن المباحثات ستكمل من دون أن يحصل إتفاق قبل الانتخابات النيابية والارجح الرئاسية أيضا”، لافتا إلى ن “بعض المتفائلين كانوا يأملون بأن يمد لنا صندوق النقد يد العون بدعم مالي قبل الانتخابات لكن هذا الامر لن يحدث”.

ويوضح بأن “صندوق النقد طلب من الحكومة أن تعطيه خطة شاملة، لأن على لبنان التفاوض على 5 ملفات مطروحة هي إعادة هيكلة القطاع العام والقطاع المصرفي وإستقرار سعر الصرف وملفات الكهرباء والشفافية ومكافحة الفساد”، لافتا إلى أنه “من أصل 5 ملفات طرحت الحكومة، للأسف الشديد خطة تقوم على علاج ملف واحد هو القطاع المصارف عبر”ليلرة الودائع” وهذه الخطة تؤدي إلى معالجة مشكلة المصارف، ولكن تؤدي إلى تضخم مفرط وإنهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار”. إلى أين نحن ذاهبون في ظل هذه المراوحة وهذا الاداء اللامسؤول؟ يجيب مارديني “نتيجة هذا الاداء نحن ذاهبون إلى زيادة الضغط على إحتياطي مصرف لبنان بالعملات الاجنبية، والمصرف المركزي سيخسر دولاراته بوتيرة أسرع وسيزيد إقبال المواطنين على تحويل الليرة إلى دولار لأن لا ثقة لديهم بأن هناك إتفاق قريب مع صندوق النقد”، مشددا على أنه “إذا أراد مصرف لبنان المحافظة على سعر الصرف على 20 ألف ليرة، سيضطر إلى بيع الدولار مقابل هذه الليرة، وهذا خسارة إحتياطات بوتيرة أسرع، كما أن الحرب الحاصلة في أوكرانيا أدت إلى إرتفاع أسعار النفط، و هذا يعني ان فاتورة النفط في لبنان، صارت أكبر والاستمرار بدعم القمح، يعني أن خسارة احتياطي المركزي سيكون كبير جدا”. ويضيف:”كل هذا الضغط على إحتياطي البنك المركزي سوف يؤدي إلى ذوبان سريع لإحتياطي المركزي، ولذلك عليه بحلين، الاول السماح لسعر الصرف بالإرتفاع إلى ما فوق العشرين ألف ليرة لتخفيف الضغط على إحتياطاته”، مشيرا إلى أن “الخيار ثاني هو الاستمرار في خسارة الاحتياطات، ولكن يزيد في الوقت نفسه من أزمة الودائع والمصارف، وحين لن يتمكن من لجم سعر الصرف، عندها سيكون الارتفاع قاسيا و الاستمرار بهذه السياسة يعني أننا سنكون أمام يوم لا سقف فيه لسعر الدولار”. يعتبر مارديني أن “الحكومة اللبنانية تتحمل مسؤولية كبيرة، ليس فقط لأن الخطة التي قدمتها رفضت وهذا ما دفع إلى الاقبال على شراء الدولار، بل لأن هناك إصلاحات كان يجب على الحكومة القيام بها لإراحة الوضع المالي، وتمتنع عن القيام بها هو إنشاء مجلس النقد”. ويختم:”مجلس النقد يسمح بإستقرار سعر الصرف، ويحد من خسارة احتياطي المركزي وهذا الاصلاح يجب على الحكومة القيام به، لتخفيف ذوبان إحتياطي الودائع إلى أن تتم الانتخابات النيابية و الرئاسية و يتم الوصول إلى حل”.

يوافق الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة على أن “لا حل في الافق للأزمة التي يتخبط فيها لبنان، و يشرح ل”جنوبية” أن صندوق النقد لا يجبر الحكومة على إتخاذ قرارات إصلاحية، بل جُل ما يمكن أن يقوم به هو تقديم خطط للإنقاذ و في حال رفضها لبنان يتم التداول بإقتراحات إنقاذية أخرى “، معربا عن “إعتقاده أن لا خطة إنقاذية في لبنان، إلا بعد أن تتم الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأنه بعد الانتخابات النيابية ستتشكل حكومة لفترة قصيرة، بعدها تجري إنتخابات رئاسية و بعدها تتشكل حكومة جديدة، و الامور لن تحسم إلا في العام القادم”.

ويرى أنه “صحيح أن الوضع المالي و النقدي لا يسمح بإستمرار حالة المراوحة، و لكن الطبقة السياسية لا تهتم بذلك، و الدليل حالة الانهيار التي نعيشها منذ سنتين ولا تحرك جدي لإيقافه” ويختم: “نحن بلد مفكك سياسيا ولن نتفق على خطة إنقاذية ولا شيء يجمعنا”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع جنوبية