فاجأ حاكم مصرف لبنان اللبنانيين رياض سلامة بالسماح لمصارف بإجراء السحوبات النقدية بالدولار بكوتة معينة وفق سعر الصرف على منصّة صيرفة.
ومنصة صيرفة هي منصة تابعة للمصرف المركزي تمارس أعمال الصيرفة العادية وفق تسعير يومي للدولار الأمريكي، ويكون بالعادة قريبا من سعر صرف السوق السوداء.
التعميم الذي يحمل الرقم 161 كان من المتوقع أن ينتهي العمل به في نهاية يناير/كانون الثاني إلا أن حاكم المصرف مدده مع إضافة بند يعطي الحق للمصارف بزيادة عن الكوتة التي يحق لها شهرياً سحبها بالليرة اللبنانية، وأصبحت تأخذها بالدولار الأمريكي على منصة صيرفة، أي أن تشتري الدولار الورقي من مصرف لبنان مقابل الليرات اللبنانية التي بحوزتها أو لدى عملائها على سعر منصة صيرفة، من دون سقف محدد.
القرار أدى إلى ارتفاع حجم التداول على منصة صيرفة من 3 إلى 5 ملايين دولار يومياً إلى ما يفوق 35 مليون دولار كرقم وسطي في اليوم.
وأعلن سلامة أن حجم التداول اليومي على منصة Sayrafa لا يمثل عمليات تدخّل من قبل مصرف لبنان في السوق النقدي للدولار، ولا حجم تدخله، لأن منصة Sayrafa لا تتضمن فقط العمليات التي يقوم بها مصرف لبنان مع المصارف، وإنما يسجل عليها كل عمليات بيع وشراء الدولار التي تتم في السوق بين المسجلين على هذه المنصة عبر المصارف والصرافين، حتى وإن لم يتدخل فيها مصرف لبنان.
ضبط سعر الصرف
كان لقرار المصرف تأثير مباشر على سعر الصرف، حيث انخفض من 33000 ليرة للدولار الواحد إلى حدود الـ20 ألف ليرة، مطلع هذا الشهر، وعبرت الأرقام المنشورة من قبل المصرف أنه كنتيجة لعمليّات بيع الدولار عبر منصّة صيرفة، تمكّن مصرف لبنان من امتصاص ما يقارب 3937 مليار ليرة لبنانيّة من السوق المحلّي، أو ما يقارب 8.5% من إجمالي الكتلة النقديّة التي كانت المتداولة في السوق في منتصف الشهر الماضي.
سعر دولار الواردات في لبنان.. الحكومة تعلن عن قرار جديد
وبذلك، يمكن القول إن المصرف المركزي تمكّن بالفعل من تقليص حجم السيولة الموجودة في السوق بالليرة اللبنانيّة خلال فترة قياسيّة لا تتجاوز الأسبوعين. وهو ما يمثّل تطوّراً لافتاً وغير مسبوق في سياق الأزمة النقديّة اللبنانيّة.
في المقابل، عكست الميزانيّات في الوقت نفسه كلفة عمليّات مصرف لبنان الأخيرة الباهظة، والتي تمثّلت في حجم الاستنزاف الذي تحمّلته احتياطات العملات الأجنبيّة المتبقية في مصرف لبنان.
ومن هنا كثرت الأسئلة عن إمكانية تعويض المصرف للدولارات المدفوعة وهو لا يملك أي مورد بالدولار، كما بدأت المخاوف تظهر من أن التدخل بهذه الطريقة كان من الاحتياطي الإلزامي، أي ما تبقى من دولارات المودعين وبالتالي تبديدهم.
عملية نهب
الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور إيلي يشوعي، يؤكد أن “ما يحدث اليوم استكمال لأكبر عملية نهب في لبنان، فحاكم مصرف لبنان رياض سلامة يستعمل رصيد المودعين، ويغامر بما تبقى من مليارات في الاحتياطي”.
وعن الآلية التي استخدمها سلامة لخفض الدولار قال يشوعي لـ”العين الإخبارية”، “ما يحدث اليوم ، هو ذاته الذي حصل يوم تم دعم السلع، وكلفنا الأمر 12 مليار دولار، وعوضا من أن يتسفيد المواطنون، استفاد المهرّبون والمحتكرون من الدعم، واستكملوا عمليّة السرقة المنظمة بحق اللبنانيين، ما حصل يومها، يتكرر اليوم، ومن بيده رأس المال يشتري الدولار، فيما الفقير من يدفع الثمن”.
وتابع يشوعي “سلامة يضخ يوميا، ما يقارب من 60 مليون دولار في السوق، والكميّة المعروضة، تفوق حجم المطلوب، من الدولار، لذا نشهد هذا التراجع في سعر صرف الدولار، وهي لعبة أشك أن ينجح سلامة في المضي فيها إلى ما بعد شهر مارس/آذار”.
ولفت يشوعي إلى أن “هذه الخطة اليوم، هي نتيجة صفقة بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وسلامة، بوقف الملاحقات، في مقابل ترحيل الأزمة، والدفع بها إلى الأمام”.
انخفاض مرحلي
أما رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني فقال لـ”العين الإخبارية” إنَّ الانخفاض في سعر الدولار هو مرحلي يهدف إلى تمرير الموازنة التي تدرسها الحكومة في مجلس النّواب.
أضاف “أن إجراء مصرف لبنان مكلف ويجري على حساب أموال المودعين”.
وتابع مارديني أنّ عاملين أساسيين أثرا على هبوط الدولار إلى 21000 ليرة وهما: تدخّل المصرف المركزي وتوقعات السُّوق. فالمركزي هو اللاعب الأساسي على منصَّة صيرفة والسّوق السوداء على السَّواء. فهو يضخَّ الدولار في المصارف عن طريق التعميم 161 ما يزيد من عرض الدولار الذي يُستعمل لشراء الليرة من السوق، وبالتّالي فقدانها حُكمًا ما يخفِّض الطلب على الدولار في السوق الموازية وينعكس انخفاضا في سعره.
وتابع مارديني أنَّ تدخُّل مصرف لبنان في السّوق وتخفيض سعر الدولار جاء بالاتفاق مع الحكومة ونزولًا عند رغبة صندوق النقد الدولي بتوحيد سعر الصرف ولهذا التدخّل علاقة باستحقاق الموازنة التي وضعت على سعر صرف يترواح بين 15 و20 ألفا لتسهيل مرورها بمجلس النواب وبالتالي تصبح على سعر صرف السوق وتكون أكثر واقعيّة.
ورأى مارديني أنَّ هبوط الدولار لن يكون مستدامًا لأنَّ كميَّة الدولار التي يستطيع المركزي ضخها محدودة، متوقعا أن تشهد السوق قفزة كبيرة في سعر الدولار من الآن، وحتّى نهاية العام لأسباب عدّة أبرزها:
أولا: العجز في الموازنة الذي سيموَّل عن طريق المصرف المركزي، ما سيؤدي إلى زيادة في حجم الكتلة النقديَّة وطلب أكبر على الدولار وبالتالي ارتفاعا في سعره.
ثانيا: الموازنة الموجودة هي موازنة تضخُميّة بحاجة لتمويل سيتمّ عبر انهيار سعر صرف الليرة.
ثالثًا: خطة توزيع الخسائر وجزء كبير منها تليير الودائع (تحويل الودائع من دولار إلى ليرة لبنانية) وهذا سينعكس طلبا على الدولار ما يؤدي حكما إلى ارتفاع كبير في سعر صرف الدولار.
التدخل لا يمس بالاحتياطي
إلى ذلك علّق سلامة على الانتقادات التي طالته، وقال في حديث لصحيفة “الشرق الأوسط” إن الهدف من كل التدابير ضبط السوق الموازية، متحدثاً عن “مرحلتين استبقتا تدخل (المركزي) الذي أدى لانخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة 35%، الأولى تخللتها عملية وقف إخراج ليرات لبنانية من مصرف لبنان، والأخرى إيجاد موارد بالدولار نقداً لوضعها على منصة (صيرفة) وبيعها”.
وأوضح أن “المبالغ اللازمة تأمّنت من خلال بيع دولارات نقداً لمصرف لبنان على فترة ممّن يشحنون العملة لأنهم بحاجة لعملة لبنانية نقداً، وذلك بعدما كنا قد جفّفنا مدّ السوق بالليرة اللبنانية ما أدى لازدياد الطلب”. وأضاف: “نحن اليوم نتدخل بهذه الدولارات عبر (صيرفة) ولم يتم المس باحتياطي مصرف لبنان لإتمام هذه العملية حتى الساعة”.
واستغرب ترافق انخفاض سعر الصرف مع انتقادات من البعض طالته “علماً بأنه من المفترض أن يحسّن الواقع الجديد من القدرة الشرائية للبنانيين.. لكن هنا يأتي دور التجاذبات السياسية والمصالح التجارية في السوق الموازية، خصوصاً أن ما أزعج البعض هو أنه لم يعد هناك تقريباً سوق موازية وأصبحت منصة (صيرفة) هي الأساس، والكل يعتمد على سعر الصرف الذي تحدده، وهو أمر لمصلحة البلد»”.
وعمّا إذا كان سيتمكن من خلال الآلية الجديدة التي يعتمدها من الحفاظ على سعر الصرف بمستوى 20 ألف ليرة، قال سلامة: “سنترك السوق تتصرف، لن نتدخل لتثبيت السعر وسنترك السوق تأخذ مداها، ولكننا موجودون لمنع أي تقلبات حادة كما كان يحصل سابقاً.
وشدد على أن (صيرفة) أصبحت لديها القدرة النقدية بالدولار للتدخل، ومن ناحية أخرى هناك عملية تجفيف لليرات اللبنانية». ويضيف: “أصلاً سعر العملة لا يرتكز على تقنيات (المركزي) وحدها كما يروّج البعض، فهناك الجو السياسي، وعجز الموازنة، والنشاط الاقتصادي، وكيفية الخروج من عملية التوقف عن الدفع.. كلها عوامل مؤثرة على سعر الصرف في بلد (مدولر) كلبنان”.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع العين الاخبارية