النتائج المترتبة على رفع سعر الدولار الجمركي والتداعيات على القطاعات الإنتاجية

النتائج المترتبة على رفع سعر الدولار الجمركي والتداعيات على القطاعات الإنتاجية

رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني: سنلمس تحفيزاً على التهريب الجمركي، ولو كان ذلك بشكل غير مقصود ومباشر.

هل فعلاً ما نشهده من استقرار في سعر الصرف هو اصطناعي ومؤقت والغاية منه تمرير الموازنة؟ وهل ستتضمن الموازنة جملة إصلاحات معينة تمهد للتعاون مع صندوق النقد؟ وما النتائج المترتبة على رفع سعر الدولار الجمركي؟ وهل ستتأثر القطاعات الإنتاجية بهكذا إجراء؟

مارديني والسعر الاصطناعي!

بداية أفادنا رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني بأنّ سعر الصرف في السوق اصطناعيّ تم تخفيضه من قبل مصرف لبنان وذلك بغية تمرير الموازنة وأكد بأن المودع هو الذي يدفع كلفته كما يتم تحميل المواطن الخسائر من أجل إعادة تكوين رأسمال المصارف، اضافة الى أن الحكومة تريد توحيد سعر الصرف.

– هل سيستمر ذلك فترة طويلة؟ أي هل سيعاود الدولار ارتفاعه مجدداً؟

– بعد الانتخابات الدولار سيرتفع لأن خطة الحكومة لمعالجة الأزمة المصرفية وتوزيع الخسائر تتم عن طريق تخفيض سعر صرف الليرة لكن على المدى الطويل أمر غير مستدام، بواسطة تليير الودائع.

وتابع مارديني قائلاً: صندوق النقد كانت لديه حساسية حول موضوع “التليير” كونه يؤدي الى مزيد من التضخم، أما توزيع الخسائر فخطة سيئة، وهناك تعتيم على المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، وهناك إرادة لانقاذ الحكومة والمصارف على حساب المواطن.

– حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أكد أن أموال المودعين ليست لدى المركزي، فما مدى دقة ذلك؟

– إن الجزء الأكبر من الودائع هي لدى مصرف لبنان الذي لا يريد الاعتراف بالخسائر.

الاستقرار المستبعد!

– بعيداً عن كلام سلامة وقريباً من الواقع يبدو أن الوضع الاقتصادي لم يعد مقبولاً ألا يفترض تأمين نوع من الاستقرار وكيف سيتم ذلك؟

– يجب تأمين استقرار نقدي عن طريق انشاء مجلس نقد الذي يخدم على حد سواء المواطن والقطاعات الانتاجية والمصارف التي تريد إعادة اموال مودعيها، وتؤمن انضباط مالي على السلطة السياسية وتفتح المجال لإصلاحات هيكلية.

– تتكلم عن إصلاحات هيكلية فهل يتم اعتماد ذلك من قبل السلطات المعنية بالموازنة حالياً؟

– إن الموازنة الحالية لا تختلف كثيراً عن سابقاتها وهي تحمل عجزاً بقيمة 10 ألف مليار ليرة، والملفت هو نزول الدولار خلال فترة مناقشة الموازنة في مجلس الوزراء. ما يؤكد بأن الحل في تثبيت سعر الصرف والطريقة المثلى لهذا التثبيت تكون عن طريق إنشاء مجلس نقد.

– وماذا عن الاختلاف بين المعنيين حول سلفة قطاع الكهرباء، وألا يعتبر ذلك وعياً نوعاً ما وبالتالي ما مصير هذه السلفة؟

– إن سلفة قطاع الكهرباء ستمرّر في قانون منفصل عن الموازنة معطوف على خطة شاملة لإصلاح القطاع علماً أن هذا الملف مسؤول عن جزء كبير من الدين العام.

– وماذا عن الدولار الجمركي أليس مطلباً من الصندوق وألا يعتبر إصلاحات في مكان ما وبالتالي ما سلبياته وايجابياته؟

– هناك محاولة من قبل الدولة اللبنانية للخروج من أسعار الصرف المتعددة وتوحيدها على سعر منصة صيرفة وهنا تم الدخول بموضوع الدولار الجمركي والذي يتم الحديث اليوم على احتسابه على أساس سعر هذه منصة…

وتابع مارديني قائلاً: كذلك هناك إيجابيات تكمن في موضوع الدولار الجمركي أولها يتمثل بالقرب من توحيد سعر صرف الدولار وثانيها بمحاولة حصول الدولة على إيرادات أكثر.

وماذا عن السلبيات؟

– إن سلبيات الدولار الجمركي عديدة، فلبنان لديه تعقيدات جمركية عديدة وهناك كلفة مرتفعة في الجمارك بالأخص أنه يوجد “برطلة” في الاستيراد والتصدير، وبالإضافة إلى زيادة سعر الصرف الجمركي تم وضع 10% تعرفة جمركية على كل السلع التي تستورد ولديها بديل في لبنان و 3% على كل المستوردات المتبقية، فإذاً هناك زيادة لنسب الضرائب الموجودة.

التهرب المتوقع!

– هل سنشهد كما يشاع نوعاً من التهرب الجمركي في ظل رفع الدولار الجمركي؟

-هذا الأمر ستكون نتيجته سلبية إذ إنه في ظل الحال المتعارف عليها في لبنان التي تتمثل بتهرب جمركي كبير جداً فإن من يقوم باستيراد بضائعه بطريقة قانونية سيعتمد كما يقوم غيره على التهريب الجمركي، أما من يقوم بالتهريب فلا يتضرر، ولذلك هناك تحفيز نوعاً ما على التهريب الجمركي، ولو كان ذلك بشكل غير مقصود ومباشر.

وأضاف مارديني قائلاً: هناك فرضية أخرى تنتج عن رفع سعر صرف الدولار الجمركي وهي أن يقوم بعض التجار بإنهاء أعمالهم في لبنان والسفر إلى خارج البلاد، لذلك من الممكن أن تكون نتيجة الدولار الجمركي عكسية ولا تحقق الإيرادات التي تتوقعها الدولة بسبب تصغير الدائرة الجمركية.

– وماذا عن انعكاسات رفع الدولار الجمركي على الواقع الاقتصادي؟

– الانعكاسات ستكون سيئة جداً سواء على المواطن وهو المستهلك الأخير للسلعة او حتى على القطاعات الاقتصادية وشركات الاستيراد والتصدير. وذلك لأسباب عديدة. فلبنان يستورد معظم حاجاته من الخارج وليس فقط المواد الأولية التي تدخل في قطاعاته الصناعية، وبالتالي، فإنّ زيادة الجمرك على الاستيراد هو ضريبة غير مباشرة على المواطن، ما يعني تضرره على نطاق واسع، وما يعني مزيداً من التضخم وفقدان القدرة الشرائية. أما بالنسبة للقطاعات الإنتاجية، فالأضرار عليها هي الأخرى ستكون كارثية، فالمصانع والمعامل التي تستورد مواد أولية، ستزيد عليها كلفة التصنيع، فيما ستزيد الأعباء على شركات الاستيراد والتصدير.

وتابع مارديني قائلاً: إذا كانت هناك شركات تصدير واستيراد أبقت على عملها في لبنان رغم تقلب مستمر للدولار وغياب الاستقرار النقدي والأمني والسياسي، فما الذي قد يجعلها تبقى بعد إضافة أزمة جديدة متمثلة بتعرفة جمركية مرتفعة؟، وإذا ما زالت توجد عدة شركات استيراد وتصدير صامدة في البلد، فبعد اعتماد التعرفة الجديدة سوف لن يبقى منها إلا القليل.

– بعض الخبراء يعتبر أن ارتفاع الضرائب الجمركية او ارتفاع سعر صرف الدولار الجمركي يترجم بزيادة تلقائية بسعر الليرة الرسمي؟ فما موقفك من ذلك؟

– هناك اتجاه لتعديل سعر صرف الليرة الرسمي إذ تم الحديث بداية عن رفعه إلى 8 آلاف ليرة للدولار الواحد ومن ثم تم الحديث عن إمكانية رفعه ليصبح على سعر منصة صيرفة، وهنا اجزم بأنه من المؤكد أن تعديل الدولار الجمركي يهيىء الجو لتعديل سعر صرف الليرة الرسمي والخطوتان غير مرتبطتين ببعضهما البعض مع حتمية رفع سعر صرف الليرة الرسمي في وقت لاحق.

وتابع مارديني قائلاً:

– وفي وقت يعتبر فيه توحيد أسعار الصرف أحد شروط صندوق النقد الدولي، فإنّ تعديل الدولار الجمركي وتغيير سعر الصرف الرسمي يجب أن يكونا بالتوازي مع تخفيض التعرفة الجمركية، لا رفعها.

-على ماذا تعتمد بنظريتك السابقة؟

– انطلق من نظريتي هذه من واقع الجمارك اللبنانية كبؤرة فساد تضر أكثر مما تفيد، وإذ أرى بـ”إلغاء الجمارك” حلاّ ناجعاً للسيناريو اللبناني (حيث تخسر الدولة اللبنانية نحو 700 مليون دولار نتيجة التلاعب بالرسوم الجمركية والتهرّب منها)، فأشدد على ضرورة حصر العمل الجمركي بضمان عدم تهريب أسلحة ومخدرات إلى البلد وضبط المرافق العامة.

– ختاماً يبدو أننا لن نلمس زيادة برساميل الدولة نتيجة للدولار الجمركي؟

– إنّ زيادة الرسوم الجمركية لن تؤدي الى الزيادة المرجوة بإيرادات الدولة، فالإصلاح الجمركي يتم عن طريق الغاء كل الاستثناءات الجمركية وفرض ضريبة مسطحة وتخفيض التعريفات الجمركية لمنع التهريب، وعلى القطاع العام أن يتحمل المسؤولية كاملة كما يفترض عليه السعي لإعادة أموال المودعين..

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الأفكار