المخارج لمعالجة أزمة المحروقات متوافرة… فهل يمكن اعتمادها؟

المخارج لمعالجة أزمة المحروقات متوافرة… فهل يمكن اعتمادها؟

تحتل “طوابير الذل” أمام محطات المحروقات سلّم الأولويات في جدول يوميات المواطن اللبناني، وتطول فترة الانتظار يوماً تلو الآخَر على وقع انهيار سعر الصرف. وقد قررت الحكومة أواخر حزيران الماضي الاستمرار بالدعم، ولكن على سعر صرف أعلى بهدف الحد من الخسائر. ولم تؤدِّ هذه الخطوة الى تفادي غضب الشارع أو تأمين المحروقات في الأسواق، فأزمة الطوابير مستمرة وتتزايد وتيرة الإشكالات الناتجة عنها.

وفق الباحث الاقتصادي والقانوني في المعهد اللبناني لدراسات السوق كارابيد فكراجيان، فإن الدعم على أساس سعر صرف 3,900 ليرة للدولار “لا يخفض استنزاف احتياط مصرف لبنان بالمقارنة مع العام الماضي، بل سيبقى أعلى، بسبب الانهيار المتزايد لسعر الصرف. فقد كان “المركزي” يدعم المحروقات بنسبة 90% على سعر صرف 1515 ليرة في مقابل الدولار، عندما كان معدل سعر الصرف الحقيقي للعام 2020 نحو 5 آلاف ليرة للدولار. وبذلك كان مصرف لبنان يخسر 62 دولاراً عن كل عملية استيراد تبلغ قيمتها 100 دولار، أي يتكبد 62% من قيمة كل عملية استيراد. أما اليوم، فعلى رغم اعتماد سعر صرف 3.900 للدعم ونسبة تغطية 85%، ارتفعت خسارة مصرف لبنان إلى 68 دولاراً لكل عملية استيراد بقيمة 100 دولار وذلك نتيجة ارتفاع سعر صرف الليرة إلى 20 الف ليرة مقابل الدولار، أي أن نسبة استنزاف الاحتياط ارتفعت من 62% إلى 68% من قيمة الكمية المستوردة. وبناء عليه سترتفع فاتورة دعم المحروقات من 2.13 ملياري دولار سنوياً إلى 2.25 ملياري دولار رغم زيادة الأسعار في لبنان”.

أصبح معروفاً أن آلية الدعم استنزفت أموال المودعين التي يستعاض عنها بطباعة الليرة لتسديد السحوبات على سعر صرف جائر، وتفضي هذه العملية وفق فكراجيان إلى “تضخيم الكتلة النقدية وتقليص الاحتياط في آنٍ واحد مما يؤدي إلى تسارع ارتفاع معدل التضخم المفرط فيتدهور سعر الصرف أكثر. ونتيجة تواصل انهيار سعر صرف الليرة يتوسع الفارق بين سعر السلعة الحقيقي والسعر المدعوم فيزداد استنزاف الاحتياط بدل تقليصه، علماً أن معدل سعر برميل النفط العام الماضي كان في أدنى مستوياته منذ عقد ونصف عقد بينما يبلغ معدل سعر برميل النفط منذ مطلع 2021 نحو63 دولاراً (50% أكثر من العام الماضي)، أي أن المبلغ المطلوب لتلبية حاجة السوق نفسها باتت أكبر، وتاليا الخسارة ستكون أكبر”.

أمام هذا الواقع يرى فكراجيان أن “مادة البنزين لن تتوافر في السوق ما لم يتم رفع الدعم كليا، لأن الفارق بين السعر الحقيقي والسعر المدعوم يترك هامش ربح كبيرا للمهربين والمخزّنين، فالحكومة تقوم عن غير قصد بالتحفيز على التهريب والتخزين عبر استمرارها بالدعم”.

ومع غياب أي بديل من السيارة الخاصة، فإنه ليس مستغربا التأثير الكبير لسعر البنزين على حياة المواطن، إذ يبلغ عدد آليات النقل المشترك في لبنان نحو 34 ألف سيارة و7 آلاف حافلة وميكروباص، وهذا العدد محدد قسراً بموجب القانون. في حين أن العدد الاجمالي للآليات الخاصة المستخدمة لتلبية حاجات المواطنين في لبنان، والتي لا بديل منها حالياً، هو 1.8 مليون آلية. وبما أن التعرفة مقابل هذه الخدمة محددة من وزارة النقل، من البديهي أن تنعدم المنافسة بين سائقي آليات النقل المشترك وان تنحدر نوعية الخدمة. والحل برأي فكراجيان هو “في زيادة عدد اللوحات وتحرير التسعيرة مما يسمح بتنوع الخدمات والأسعار. ويمكن أن تتم عملية زيادة اللوحات عبر آلية شفافة تضمن حقوق السائقين، وهي من خلال إصدار فئة جديدة دون تقديمات إضافية ودون سقف للعدد بهدف تأمين حاجة السوق، وإعطاء كل مالك لوحة قديمة لوحتين مجانيتين من الفئة الجديدة مع احتفاظه بالقديمة”. وبهذا يمكن تعويض السائقين الخسارة الناتجة عن زيادة العدد. وإذا كان الطلب على اللوحات أكبر مما اعطي للسائقين يمكن الدولة أن تبيع المزيد منها للسوق ما يؤمّن العدد اللازم ويشكل مدخولاً اضافياً للدولة ويؤمّن العمل للعديد من اللبنانيين الذين يعانون من أزمة بطالة. كما أن التعرفة المحددة مسبقاً تمنع تنوع الخدمات، فالسائق مرغم على تفادي المناطق البعيدة كون التسعيرة غير مرنة ولا يمكنه تطوير خدمته لأنه سيقع تحت خسارة نتيجة جمود السعر، لذلك يجب تحرير التعرفة لتحقيق المنافسة بالخدمات والأسعار وتأمين الخدمة في مناطق تغيب عنها حالياً، بما يخفف وطأة ارتفاع سعر صفيحة البنزين عن المواطن”.

مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار تزداد خسائر مصرف لبنان على الدعم، ويرجح أن يكون حجم الخسائر في العام 2021 أكثر من العام 2020 على رغم رفع سعر الصرف إلى 3900. وستبقى طوابير الذل ترهق المواطنين طالما أن سعر المحروقات المقنّع يجعلها في لبنان أقل من باقي الدول. وفي غياب بديل من السيارة الخاصة يكون أثر ارتفاع ثمن صفيحة البنزين مضاعفاً على اللبنانيين. وفي حين أن الحل الجذري يكون بمعالجة أساس المشكلة وهو انهيار سعر الصرف، ينشغل صنّاع القرار بالحقائب الوزارية، فيما ينشغل شباب الوطن بحقائب السفر.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار