مع إعلان مصرف لبنان، الأربعاء، البدء في دفع اعتمادات شراء المحروقات وفق سعر الصرف في السوق السوداء، يترقب اللبنانيون ارتفاعاً صاروخياً في أسعار هذه المحروقات، حيث أن القرار يعني عملياً، رفع الدعم الحكومي عن استيراد هذه المواد.
وعلى وقع شحّ احتياطي المصرف المركزي، شرعت السلطات منذ أشهر في البحث في ترشيد أو رفع الدعم عن استيرادسلع أساسية، أبرزها الطحين والوقود والأدوية، لتبدأ تدريجياً من دون إعلان رسمي رفع الدعم عن سلع عدة.
بين مؤيد ومعارض
واعتبر الباحث الاقتصادي والخبير المالي جهاد الحكيّم لـ”الشرق”، أن القرار جاء متأخراً، إذ كان يفترض على مصرف لبنان “أن يرفع الدعم عن المحروقات عندما كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء عند ألفي ليرة لبنانية”، في وقت أن الدولار فاق الأربعاء عتبة الـ20 ألف ليرة في السوق الموازية.
وأضاف أن رفع الدعم عن المحروقات، في هذا التوقيت “سيؤدي إلى كارثة اجتماعية ستحل على البلاد، خصوصاً مع انتشار البطالة”.
من جهته، توقع الخبير الاقتصادي باتريك مارديني في حديث لـ”الشرق”، أن رفع الدعم عن المحروقات سيكون له شق سلبي متمثل بارتفاع أسعار الوقود، وشق إيجابي وهو “توفر المحروقات، ما يعني عودة التيار الكهربائي، وعودة العجلة الاقتصادية للعمل نتيجة لعودة الإنتاج”.
وأضاف أن “القطاع الاستشفائي والخدمي في البلاد سيعود للعمل”، مشيراً إلى أن “الناس كانت تشتري السلعة بسعر مرتفع من السوق السوداء بطبيعة الحال، وكانت غير متوفرة، أما اليوم فستكون في متناول من يستطيع تحمل كلفتها”.
وينتظر اللبنانيون منذ أسابيع لساعات في طوابير طويلة أمام محطات الوقود، التي اعتمدت سياسة تقنين حاد في توزيع البنزين والمازوت، فيما تراجعت تدريجياً قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على توفير التيار لتصل ساعات التقنين في عدد من المناطق إلى 22 ساعة يومياً.
وما من شك أن أزمة المحروقات القديمة الجديدة، ليست وليدة اليوم، ولن تختفي سريعاً بعد هذا الإجراء. ولكن التوقعات تشير إلى أن رفع الدعم سيزيد من وفرة هذه المواد في الأسواق، خصوصاً بعد شكوك بأن بعض التجار يلجأون إلى الاحتكار وتخزين المحروقات لبيعها في السوق السوداء نظراً لفرق الأسعار.
ونبّه الحكيّم في هذا الإطار، إلى أن “بعض القوى السياسة قامت بشراء كميات كبيرة من المحروقات وتخزينها ليتم الاستفادة منها في الشتاء من خلال توزيعها على المناصرين، كما أن عدداً من التجار فعل الأمر نفسه لغايات الاحتكار”، وذلك في إشارة إلى مسببات أزمة الوقود الحالية، حيث يصطف اللبنانيون في طوابير طويلة للحصول على المحروقات.
أزمة في المستشفيات
هذا الحال، أنشأ أزمة على مختلف المستويات وبشكل خاص في القطاع الاستشفائي، إذ حذر نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، من أن المستشفيات ستغلق أبوابها إذا بقيت الأوضاع على حالها في ما يتعلق بإمدادات الطاقة، متهماً منشأتي طرابلس والزهراني بمنع تسليم المستشفيات مادة المازوت، بينما أعلن عدد من المستشفيات نفاد المازوت.
وقال هارون لـ”الشرق”: “لا نعلم أين سنذهب بالمرضى إذا أقفلت تلك المستشفيات أبوابها، لأن المستشفيات البديلة أيضاً تحتج بسبب نقص مادة المازوت لديها”. وحذر هارون من حدوث “كارثة بالقطاع الاستشفائي إذا لم يتم حل الموضوع بأسرع وقت ممكن”.
وقال مصدر في وزارة الصحة لـ”الشرق”، إن الوزير في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن يجري اتصالات مع وزير الطاقة ريمون غجر، ومنشأة الزهراني للطاقة، من أجل تأمين المازوت للمستشفيات، انطلاقاً من الحس الأخلاقي لأن الوزارة لا دخل لها كون المستشفيات خاصّة.
ولفت المصدر إلى أن 4 مستشفيات شمالي البلاد أعلنت أنها ستغلق أبوابها خلال 4 أيّام، إذا لم يتم تأمين مادة المازوت.
رفع أسعار المحروقات
وكانت الحكومة وافقت الشهر الماضي على تمويل استيراد المحروقات وفق سعر 3900 ليرة للدولار بدلاً من السعر الرسمي المثبت على 1507 ليرة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المحروقات بأكثر من 30%.
وكان وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر قال في وقت سابق الأربعاء، إن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أبلغ المجلس الأعلى للدفاع، الذي يضم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزراء عدة ومسؤولين أمنيين، أنّه “لم يعد قادراً على دعم شراء المحروقات”.
وأوضح أن من شأن رفع الدعم أن يؤدي إلى توحيد الأسعار، بعدما ازدهرت سوق سوداء خلال الأسابيع الماضية على وقع الشح وازدياد التهريب إلى سوريا.
“انهيار غير مسبوق”
وتوقع مركز الدولية للمعلومات، وهي شركة أبحاث وإحصاءات، أن يرتفع سعر صفيحة البنزين من 75,600 ليرة (3,78 دولار بحسب سعر السوق السوداء) إلى 336 ألف ليرة (16,8 دولار)، وسعر صفيحة المازوت من 57,100 ليرة (2,8 دولار) إلى 278 ألف ليرة (13,9 دولار).
وجراء الانهيار الاقتصادي الذي صنّفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي، قدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قبل أيام أن 78% من السكان باتوا يعيشون تحت خط الفقر، فيما يعيش 36% في فقر مدقع.
ويحصل غالبية اللبنانيين على أجورهم بالعملة المحلية، التي فقدت أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار.
وكان مصرف لبنان يدعم استيراد الوقود عبر آلية يوفّر بموجبها 85% من القيمة الإجمالية لكلفة الاستيراد، وفق سعر الصرف الرسمي، بينما يدفع المستوردون المبلغ المتبقي وفق سعر الصرف في السوق السوداء.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الشرق