إن معضلة الإتفاق مع صندوق النقد الدولي من غير الممكن أن تكون غير ذات خلفية أو أسباب واضحة وقوية حتى يفشل لبنان الاعوام متتالية من الإتفاق مع صندوق النقد على الرغم من قساوة وحدة الأزمة الإقتصادية والسياسية التي يعيشها لبنان للعام الرابع على التوالي، فأين تكمن الأسباب؟ لا يمكن التكهن بالأسباب ولكن يمكن الإستماع إلى المدير العام الأسبق لصندق النقد الدولي عن خطة الحكومة اللبنانية جاك دو لاروزيير الذي فجر قنابل من العيار الثقيل عن أبرز أسباب فشل المفاوضات مع الحكومة اللبنانية في خلال حديث صحفي، حيث ستستعرض الديار أبرز وأخطر ما جاء في تلك التصاريح وكيف يمكن تفسيرها على أرض الواقع مع الخبير الاقتصادي باتريك مارديني.
مارديني تحدث عن خمسة أولويات كان صندوق النقد الدولي قد حددها للحكومة اللبنانية لكي تليها الأهمية بشكل رئيسي، وهي إعادة هيكلة القطاع العام، حل الأزمة المصرفية، إستقرار سعر الصرف، إصلاح قطاع الكهرباء، وإصلاحات تتعلق بالشفافية والفساد، ولكن ما حصل فعلاً أن لبنان قدم طرح لمعالجة الأزمة المصرفية حصراً دون الحديث عن باقي الأولويات علماً أن الحل الذي قدمه لبنان يؤثر سلباً على باقي الأولويات وعلى رأسها إستقرار سعر الصرف، ولو كان صندوق النقد تبنى طرح الحكومة لحل الأزمة المصرفية لكان أمام تضخم مفرط وإنهيار كبير لسعر صرف الليرة.
مارديني تحدث عن ما تقدم به لاروزيير الذي إعتبر أن لبنان يعالج الأمور بشكل مقلوب وطريقة خاطئة كونه لا يجب البدء بمعالجة أزمة الودائع وانما أزمة الدولار إذا ما أراد لبنان وقف إنهيار سعر صرف الليرة وإستنفاذ الإحتياطي في أزمة النقد، ومن بعد ذلك يمكن الإنطلاق إلى معالجة باقي الأولويات. في الموضوع الثاني الذي انتقده لاروزيير يقول مارديني أن نظام الصرف العائم المتبع اليوم على منصة صيرفة وتعدد أسعار الصرف يتسبب بخسارة لبنان للإحتياطي من العملة الصعبة، معتبراً أن الطريقة المثلى للوصول إلى إستقرار سعر الصرف يستلزم إعادة ترتيب الأولويات لدى السلطات في مقاربة الأمور ومعالجة المشاكل بالإنطلاق من معالجة سعر الصرف عبر السير على خطة ما يعرف بمجلس النقد الذي يسمح بإستعادة الثقة بالليرة اللبنانية و الذي بدوره يسمح بإستقرار نقدي و إقتصادي في البلاد فاسحاً بذلك المجال أمام عودة الأعمال والمشاريع .
بعيداً عن أي حسابات سياسية، يبقى الإتفاق مع صندوق النقد الدولي الحل الأخير أمام دولة تهاوى اقتصادها إلى قعر جهنم حاصداً معه أرواح وتاريخ وحاضر ومستقبل وطن ومواطنين، فهل يبقى الاستكبار والجهل سيدا الموقف في هذا البلد منذ التأسيس؟