يضرب الدولار من جديد في رحلة تصاعدية ومتسارعة الوتيرة تنذر بفترة من الفوضى والذعر في الأسواق المالية والقطاع المصرفي الذي يشهد شدّ حبال لا مثيل له بينه وبين القضاء. فبعد استقرار دام لفترة ثلاثة أشهر، عاود الدولار الارتفاع متجاوزاً عتبة الـ 25000 ليرة على وقع احتدام الأزمة بين ترويكا مصرف لبنان وجمعية المصارف والقاضية غادة عون التي أشعلت جبهة الدولار ليشتعل بذلك البنزين الذي وصل سعر صفيحته إلى 470000 ليرة، قبل أن يُحدد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سعر الدولار الأميركي المعتمد والثابت لاستيراد البنزين بـ 22200 ليرة لبنانية نقداً مهما كانت تحركات سعر منصة “صيرفة” وذلك للشركات المستوردة لمادة البنزين لغاية مساء يوم الثلاثاء 29 آذار الجاري.
وتعقيباً على حالة الدولار، أرجع الخبير الاقتصادي باتريك مارديني في حديث لموقع “لبنان الكبير”، سبب انهيار سعر صرف الليرة وارتفاع سعر صرف الدولار في الفترة الأخيرة إلى اعتماد لبنان لنظام صرف عائم موجه أو ما يُطلق عليه “التعويم الموجه”، موضحاً أنه “في ظل هذا النظام، تتحول أي خضة سلبية يشهدها لبنان مهما كان نوعها سواء اقتصادية (ما يحصل اليوم من مشكلات بين القضاء والمصارف) أو أمنية أو ديبلوماسية (مع دول الخليج)، مباشرة إلى ضغط على سعر صرف الدولار. وهنا يكون أمام المصرف المركزي خياران: إما ترك الليرة إلى مصيرها الانهياري وبالتالي ارتفاع الدولار، وإما خسارة الاحتياطي الذي لديه من العملة الأجنبية”. واعتبر أن “هذا النظام لا يتناسب مع الوضع اللبناني غير المستقر بطبيعته”.
وبحسب مارديني، “حاول المصرف المركزي قبل الخضة القضائية المحافظة على استقرار سعر الصرف بحدود الـ 20000 ليرة للدولار الواحد، من أجل تمرير بعض الاستحقاقات السياسية بهدوء، ولكن في الفترة الأخيرة زادت الضغوط على الليرة لأسباب عديدة أبرزها ارتفاع أسعار المواد الأولية عالمياً بعد الحرب الروسية – الأوكرانية وبالتالي ازدادت وتيرة خسارة مصرف لبنان احتياطه الأجنبي. كما جاءت خضة المصارف لتكون الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ليكون لبنان بذلك قد زاد علاوة على الأزمة الدولية أزمة محلية تتعلق بالقطاع المصرفي، الأمر الذي دفع من يمتلك الليرة اللبنانية للمسارعة إلى تحويلها إلى دولار بسبب انعدام الثقة أكثر وأكثر”.
اليوم هناك أسباب بنيوية تدفع الدولار إلى الاستمرار في الصعود يمكن تقسيمها إلى سببين رئيسين، يقول مارديني: “الأول يتمثل في عجز الموازنة العامة المكون بالليرة اللبنانية والذي يتم تمويله من خلال زيادة الكتلة النقدية، ما يعني المزيد من انهيار الليرة مقابل ارتفاع الدولار. أما الثاني فيتمثل في تمويل خسائر المصارف بالطريقة نفسها. هذان العاملان يُسهمان في تسريع أثر الخضات التي يعيشها لبنان ويعجّلان في انهيار الليرة، وكلما حاول المصرف المركزي فرض استقرار ما على سعر الصرف (سواء 8000 أو 12000 سابقاً أو 20000 حالياً) ستكون النتيجة دائماً خسارة المصرف المزيد من الاحتياطي وفقدان القدرة على التحكم طويلاً بهذا الاستقرار. لذا، يجب الخروج من النظام النقدي الحالي القائم على التعويم الموجه والتوجه نحو مجلس النقد، لا سيما وأنه النظام الوحيد الذي يستطيح حماية أي بلد من خضات طارئة”.
وأشار إلى أن “نظام التعويم يحتاج إلى ازدهار واستقرار اقتصادي على عكس لبنان الذي لا يمتلك أي استقرار سياسي أو اقتصادي أو أمني أو ديبلوماسي ولا حتى قضائي. فلبنان الذي يعاني أزمة مصرفية ونقدية (تضخم مفرط) لا يُناسبه إلا وجود نظام مجلس نقد يستطيع وقف انهيار الليرة في مدة ثلاثين يوماً لأنه يعمد إلى فصل الليرة عن الوضع الاقتصادي”.
وعن مستقبل الدولار في الفترة المقبلة وعما إذا كان سيشهد ارتفاعات ستتجاوز مجدداً عتبة الـ 30000 ليرة، يؤكد مارديني أن اتجاه الدولار سيكون تصاعدياً، ليبقى السؤال هل سيصل إلى هذا المستوى قبل الانتخابات أو بعدها؟
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع Grand Lb