ان السيطرة على قطاع الطاقة قد منعت تشكيل الهيئة الناظمة منذ أكثر من عشر سنوات. ففي العام 2002، نص قانون تنظيم قطاع الكهرباء على إنشاء هيئة ناظمة للقطاع تتألف من اختصاصيين. وقد أناط القانون بهذه الهيئة العديد من الصلاحيات، منها إصدار وتجديد وتعليق وإلغاء التراخيص والأذونات، وتنظيم كل ما يخص ملف الكهرباء من إنتاج ونقل وتوزيع.
تجدر الإشارة إلى أن كل محاولات تشكيل هذه الهيئة قد باءت بالفشل. وقد عارض النائب جبران باسيل، منذ تسلم تياره وزارة الطاقة عام 2009 وحتى اليوم، تنفيذ القرار. ويُعزى ذلك إلى الخوف من أن الهيئة قد تقلص صلاحيات الوزير وتنتقص من حقوقه، رغم أنها تُعتبر مطلبًا أساسيًا لما لها من أهمية في خلق الثقة بين المستثمر والوزارة وضخ الأموال في مشاريعها لإنعاش القطاعات. يُذكر أن صلاحيات الهيئة لا تتوافق مع رؤية الوزير. فقد تم تقديم اقتراح للتعديل، درسته هيئة التشريع والاستشارات ومجلس الخدمة المدنية، وتبين أنه ليس مجرد تعديل على القانون وإنما هو قانون جديد.
وقد عاد هذا الملف إلى الواجهة مؤخرًا من خلال قضية الفيول العراقي. يُشار إلى أنه تم إنشاء جمعية خاصة لا تتوخى الربح، تقيم بمبنى الوزارة وتعمل بتوجيه من الوزير. هذه الجمعية ليس لديها صلاحية بالقانون ولا هيكلية، ولا تعتبر جزءًا من الإدارة، وإنما استُعيض بها عن الهيئة الناظمة.
وعند إصدار قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزع، والذي يفترض وجود هيئة ناظمة، قامت هذه الجمعية بتعديل الغاية من إنشائها لتتوافق مع تطبيقات القانون، وذلك لتظل قادرة على تأمين ما يحتاج إليه الوزير كبديل عن الهيئة الناظمة. كما أن تعيين أعضاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء يشكل الخطوة الأساسية التي يحتاجها قطاع الكهرباء للنهوض من أزماته التي عانى منها على مر السنين. ومع ذلك، يبدو أن هذه الخطوة لن تكون ناجزة.
إن استمرار هذا الوضع يثير تساؤلات حول مستقبل قطاع الطاقة في لبنان وقدرته على تجاوز أزماته المتراكمة. فالحاجة إلى إصلاح هيكلي وتنظيمي في هذا القطاع الحيوي تبدو ملحة أكثر من أي وقت مضى، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها لبنان. ويبقى السؤال المطروح: هل ستتغلب المصلحة العامة على المصالح الخاصة والسياسية في نهاية المطاف، مما يسمح بتشكيل الهيئة الناظمة وإصلاح قطاع الطاقة؟