شروط استقرار الليرة وسدّ عجز الموازنة العامة

الموازنة

شهد العام 2023 الفائت تبدلاً في سعر صرف الليرة مقابل الدولار باتجاه تصاعدي، بين مطلع العام ونهايته. فالليرة بدأت العام المنصرم عند مستوى 42.000 ليرة تقريباً مقابل الدولار الواحد، لكنها سرعان ما بدأت بالتدهور والانحدار وخسارة المزيد من قيمتها مقابل الدولار، أي أن الليرة خسرت أكثر من 50% من قيمتها الشرائية بين مطلع العام 2023 ونهايته. ولعلّ السبب الرئيسي كان السياسات المتبعة في تمويل عجز الموازنة العامة من مصرف لبنان، فهل بدأت الليرة بالاستقرار مع السياسات الجديدة واستقرار سوق الصرف في الفترة الأخيرة؟ وهل يستمر هذا الاستقرار؟ وما الحل لسدّ العجز المالي في الموازنة العامة؟

رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، يوضح في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أنه ” قبل صيف العام 2023 كان مصرف لبنان يقوم بطباعة كميات من الليرة بشكل كبير جداً: أولا، من أجل تمويل النفقات العامة للدولة، أي عجز الموازنة العامة، لأن الحكومة اللبنانية لم تكن ترغب بإقرار الإصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة وترشيد نفقاتها العامة. وثانياً، من أجل تسييل الأزمة المصرفية، أي تسحيب اللبنانيين دولاراتهم من المصارف اللبنانية عن طريق طباعة الليرة”.

مارديني يلفت، إلى أن “طباعة الليرة غير المغطاة بالدولار توقّفت منذ صيف العام 2023، وترسَّخ هذا الأمر مع الحاكم الجديد لمصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري الذي لا يقوم اليوم بطباعة الليرة في حال لم تكن مغطاة بالدولار. بمعنى أن منصوري يقول للحكومة اللبنانية: إذا أعطيتني ليرة تسحبينها من السوق أي من الضرائب، هذه الليرة أنا مستعد لإرجاعها إلى السوق لشراء الدولار بواسطتها. بالتالي هو لا يزيد حجم الكتلة النقدية بالليرة لشراء الدولار وحافظ على استقرار معيّن في سوق الصرف”.

مارديني يعتبر، أن “هذه السياسة حكيمة جداً لأنها تعني أن مصرف لبنان لا يموّل النفقات العامة ولا يسيِّل الدين العام، ولا يزال منصوري عند موقفه”. وبرأيه، أنه “في العام 2024، يجب مأسسة هذه السياسة ربما من خلال تعديل قانون النقد والتسليف بشكل يؤسِّس لهذه السياسة، بمعنى عدم إمكانية الرجوع عنها في مرحلة لاحقة”.

أما عن سبل تمويل عجز الموازنة العامة في ظل قرار مصرف لبنان بعدم القيام بذلك؟ يلفت مارديني إلى أن “العجز المتوقع في العام 2024 بنحو 40 إلى 50 تريليون ليرة هو الفارق بين الواردات والنفقات. فالدولة اللبنانية تتوقع تحقيق إيرادات بحدود 250 إلى 260 تريليون ليرة فيما نفقاتها نحو 300 تريليون ليرة”.

يتابع: ” الدولار الجمركي والزيادات الضريبية المرعبة وغيرها المطروحة في الموازنة العامة، ستؤذي الاقتصاد بشكل هائل. فأي شخص يعمل في قطاع الانتاج أو أي مستثمر يفكّر بالاستثمار في لبنان سيعيد التفكير ألف مرة إذا ما كان سيقدم على هذه الخطوة أو يغادر في ظل الضرائب التي ستُفرض”، لافتاً إلى أن “هذه الضرائب ستُدخل إيرادات إلى الخزينة وفق توقعات الحكومة بحدود 250 تريليون ليرة، على الرغم من أن هذا الرقم لن يتحقق كما أرى، لكن حتى لو سلّمنا جدلاً به، هناك نفقات بنحو 300 تريليون ليرة، ما يعني أنها لن تسدّ عجز الموازنة العامة”.

“بالتالي، المشكلة ليست في الإيرادات، وفق مارديني، بل في نفقات القطاع العام وعدم قيام الدولة بأي إصلاح أو تصحيح لوضعيته على الرغم من أنه قطاع غير منتج، ما يساعد على سدّ عجز الموازنة العامة. في حين، مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية قامت بإعادة هيكلة وتصحيح لوضعياتها، علماً أنها قطاعات منتجة تُدخل دولارات فيما القطاع العام غير منتج يهدر الدولار. فالدولة اللبنانية وحدها لم تقم بأي إعادة هيكلة للقطاع العام ولم تقم بأي تنقية في الإدارة”.

“على سبيل المثال، يكفي تخفيف عدد موظفي القطاع العام غير المنتج بنسبة 20% فقط، أي تخفيف 20% من الرواتب والأجور والزيادات والمنافع الاجتماعية التي تتكبّدها الخزينة من دون إنتاجية، لكي يتحقق التوازن في الموازنة العامة بين الواردات والنفقات. بالتالي، هكذا يتم تمويل عجز الموازنة العامة، عن طريق الإصلاح وإعادة هيكلة القطاع العام، لا من خلال الطلب من مصرف لبنان أن يعطي الدولة أموال المودعين أو طباعة الليرة لتمويل عجزها والنفقات العامة عن طريق التضخم وانهيار سعر الصرف وإفقار الناس”، يختم مارديني.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع  القوات اللبنانية