مع تصاعد الصراع.. هل يتحمل اقتصاد لبنان دخول الحرب رسميا؟

لبنان

يترقب لبنان تطورات الحرب القائمة في غزة وسط احتمالية دخول حزب الله رسميا، مما يعني توسع دائرة الخطر لتشمل مناطق لبنانية أخرى، بالإضافة إلى المنطقة الجنوبية.

وتشهد الشوارع اللبنانية تباينا في وجهات النظر بشأن التدخل الرسمي في الحرب، مع ظل معاناة لبنان من أزمة اقتصادية لا مثيل لها في تاريخ الدولة، تتمثل بشلل القطاع المصرفي وانهيار العملة المحلية.

تحمل التوترات في جنوب لبنان بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله تداعيات أولية واضحة مثل نزوح حوالي 29 ألف شخص في الجنوب اللبناني جراء التصعيد العسكري في المنطقة الحدودية، وفقًا لما أفادت به المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي.

كما تحمل الحرب تداعيات على الصعيد الاقتصادي، على المدى القصير والطويل، حيث من المتوقع أن تشهد العملة انهيارا أكبر مما هي عليه الآن، بحسب خبراء اقتصاديين.

التداعياتئ الاقتصادية المحتملة على المدى القصير

يعتقد الدكتور ومدير المعھـد اللبنانـي لدراسـات السوق باتريك مارديني، أن ما يحدث اليوم في الأراضي الجنوبية دليل على أن لبنان قد انخرط في الحرب، ولكنها لم تتطور لتشمل كامل الأراضي في البلاد، إذ إنها تقتصر حتى اللحظة على الحدود الجنوبية. ويشير إلى أن للوضع الحالي تداعيات اقتصادية سلبية، وتصبح الآثار أسوأ حال توسعت الحرب. 

أما المتخصصة بالاقتصاد النقدي والأستاذة الجامعية ليال منصور، فتقول إنه لأي حرب، سواء كانت مع إسرائيل أو مع أي دولة أخرى، أثر اقتصادي واجتماعي سلبي، بالإضافة إلى التداعيات الإنسانية والخسائر البشرية.

السياحة والقطاعات الأخرى

يذكر مارديني، في مقابلته مع “العربية.نت”، أن السياح في لبنان قد غادروا البلاد بعد موسم صيف كان “واعدًا” حيث كانت الحركة السياحية خلال الأشهر الماضية جيدة. وهذا يعني أن لبنان لن يشهد تدفقًا في السياح والمغتربين خلال الأعياد المرتقبة خلال نهاية العام.

“وبالتالي، من المتوقع تأثر جميع النشاطات الاقتصادية والتدفق الداخلي بالعملات الصعبة خلال الفترة القادمة. حتى لو لم تتوسع الحرب، فمن المتوقع أن يتأثر القطاع السياحي بشكل ملحوظ”.

وفي تصريحات مع “العربية_Business” أيضا، تعتبر ليال منصور أن من تداعيات الحرب الاقتصادية هي تدمير المساكن والعقارات والتي قد تكلف إعادة إعمارها ملايين أو مليارات من الدولارات.

قالت الحكومة في مايو 2007 (بعد الحرب 2006) إنها أنفقت 318 مليون دولار على إعادة البناء وحصلت على 707 ملايين دولار من أصل 1.3 مليار دولار تعهد بها مانحون معظمهم من العرب. وقد دفعت 181 مليون دولار للأشخاص الذين دمرت منازلهم أو تضررت.

وقد أنفقت 54 مليون دولار على إصلاح البنية التحتية و42 مليون دولار على المدنيين النازحين.

كما تتوقع ارتفاع البطالة بشكل ملحوظ وسط فقدان معظم النازحين وظائفهم مما له تأثير اقتصادي سلبي مباشر على نطاق صغير ثم على نطاق أوسع.

وتتوقع منصور أن التعافي لإعادة البناء والإعمار والتعديلات الوظيفية يستغرقان بعضا من الوقت. كما يعتبر مارديني أن التداعيات لا تقتصر على قطاع السياحي فقط، حيث إن الترقب الحالي للمستجدات من قبل المواطنين له تداعيات كبيرة على جميع القطاعات في البلاد، مع احتمالية انخفاض الاستهلاك وسط محاولة الناس ضبط نفقاتهم تحسبًا للسيناريو الأسوأ.

هروب رؤوس الأموال

تقول ليال منصور إن في حال عدم وجود تعاملات بالعملات الأجنبية في البلاد، فإن لبنان سيقع في “فخ طباعة النقود” مما قد يتسبب في المزيد والمزيد من انخفاض في قيمة العملة المحلية. ومع ذلك، “بما أن حوالي 90% من معاملات لبنان تتم بالدولار الأميركي، فإن التأثير المحتمل للمزيد من الانخفاض في قيمة العملة سيكون نوعًا ما نسبيا”، مشيرة إلى أن الفئة الأكثر تضررًا هي الأشخاص الذين ما زالوا يتقاضون بالليرة اللبنانية.

وفقدت العملة المحلية أكثر من 90% من قيمتها منذ عام 2019 عندما تخلف لبنان عن سداد ديونه لأول مرة في تاريخه.

حوالي 54% من اللبنانيين يتقاضون راتبهم بالعملة المحلية، فيما يتقاضى 46% رواتبهم بالدولار، بحسب بيانات خاصة لـ”العربية_Business”.

ويقول مارديني، إنه بالإضافة إلى هروب السياح، سيشهد لبنان “هروب رأس المال” مع لجوء المستثمرين والناس للملاذات الأكثر أمانًا. وبالتالي يعتبر الخبير الاقتصادي أن نسبة المخاطر ارتفعت كثيرا، أي أن “علاوة المخاطرة” أصبحت مرتفعة للغاية، وهو أمر سيؤدي إلى خروج الدولارات من لبنان.

وفيما يتعلق بسعر الصرف، يتوقع الخبير الاقتصادي ارتفاع الطلب على الدولار في ظل عدم الاستقرار الحالي وتجنب المواطنين استخدام الليرة المحلية.

وبحسب استطلاع أجرته لـ”العربية_Business” فإن رواتب 50% من الشعب اللبناني هي عند حوالي 300 دولار شهريا أو ما يساويه بالليرة اللبنانية (في السوق الموازية)، فيما يعتبرون أن مصاريفهم الشهرية هي 600 دولار أميركي شهريا (أو ما يعادله بالليرة اللبنانية) وما فوق.

وأشار الاستطلاع، الذي شمل 150 لبنانيا أو مقيما من مختلف الطوائف والطبقات الاجتماعية، أن قرابة 55% ممن شملتهم الدراسة يدفعون مصاريفهم الشهرية بالدولار الأميركي، في علامة أخرى إلى توجه لبنان نحو سيناريو “الدولرة الشاملة”.

“هناك خروج للدولار من لبنان ولكن في نفس الوقت الطلب عليه من المتوقع أن يرتفع. وهذا الأمر سيضغط على سعر صرف الليرة حاليًا. أتوقع أن المصرف المركزي حاليًا يتكبد خسارة في الاحتياطي بالعملات الأجنبية بوتيرة سريعة بسبب الأزمة. حتى اللحظة لا نعلم مدى حجم الخسارة، إن كانت بالمليون أو بالمليار… ولكنني أتوقع أن التكلفة أصبحت مرتفعة”.

وتوقع انهيار مرتقب في سعر الصرف، وذلك في حال وصل المركزي إلى مرحلة أنه غير قادر على تكبد المزيد من الخسارات في الاحتياطي بالعملات الأجنبية. 

ويبلغ احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي حاليا 7 مليارات دولار، مقارنة بـ 30 مليار دولار في عام 2018.

تخطى معدل التضخم في لبنان مستويات 200% على أساس سنوي خلال الفترة الأخيرة، وسط تعثر الإصلاحات الاقتصادية والفراغ السياسي حول قيادة البلاد.

ومن الناحية المالية، فإن الحروب المتكررة على لبنان منذ عام 1975، بحسب منصور، قد ألقت بظلالها على سمعة لبنان كدولة غير مستقرة وصورة مشابهة تمامًا لدولة الصومال. وهذا سيصنف لبنان كدولة ذات استثمارات عالية المخاطر، ليضاف عدم الاستقرار السياسي إلى الاقتصاد الداخلي الضعيف والفساد الإداري.

“عادة ما يتم التعبير عن المخاطر العالية من خلال ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض في التدفقات الاستثمارية”.

تداعيات اقتصادية على المدى الطويل

يقول مارديني إنه في حالة تطبيق سيناريو مشابه لعام 2006، والذي وصفه بـ”الدمار الشامل”، فإن تكلفة الإعمار ستكون عالية جدًا، معبرًا عن شكوكه حول مدى استعداد الدول العربية لمساعدة لبنان في الوقت الراهن.

وأوضح أن الوضع الاقتصادي الحالي مختلف عن الوضع في ذلك الوقت، حيث يعاني لبنان الآن من أزمة اقتصادية تتمثل في صعوبة تمكن الشركات من الوصول إلى أموالها المحتجزة في البنوك، مما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة.

وقال مارديني: “إذا كان هناك من يرغب في الاستثمار في لبنان، فقد يتغير هذا الأمر في حال تطورت الأوضاع السياسية”.

من جهتها، تعتقد ليال منصور، أن العبء الأكبر على المدى الطويل هو التعافي وإعادة بناء الثقة، حيث يتم إعادة بناء الثقة داخليًا من خلال الجهود والإصلاحات وتحسين السياسات الاقتصادية الداخلية.

وأشارت أيضًا إلى أن الأمور قد تغيرت فعلاً مقارنةً بعام 2006، حيث لا تظهر أي دولة أجنبية استعدادًا لمساعدة لبنان.

وتعهد المانحون بتقديم 7.6 مليار دولار لإعادة الإعمار في مؤتمر باريس في 25 يناير/كانون الثاني 2007، لكن الجزء الأكبر من الأموال كان مرتبطا بالإصلاحات الاقتصادية التي فشلت الحكومة في تفعيلها، بحسب تقرير لـ”رويترز”.

وكان للخبيران تصريحات مماثلة، حيث قال كلاهما أن لبنان يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية خاصة. وعليه، فإن أي عقوبات على لبنان قد تؤدي إلى تقليص المساعدات السياسية، مما يضع لبنان في موقف حرج في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها.

كان من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 5% إلى 6% في عام 2006، لكنه انكمش بنسبة 5%، مع تضرر قطاع السياحة بشدة.

وتوقعت وكالة “فيتش”، في تقرير صدر في يونيو، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي للبنان من 3.5% في عام 2022 إلى 1.5% في عام 2023، ليظل أقل بنسبة 34.1% من مستواه في عام 2018.


اضغط هنا لقراءة المقال على موقع العربية