تداعيات حرب غزة تصيب السياحة الشتوية وترفع أسعار السلع إلغاء حجوزات الطيران بالجملة والعين على الخسائر الاقتصادية

السياحة الشتوية

تتحرك الأقدار بخلاف ما يتمنى اللبنانيون ويحلمون. فانفجار حرب غزة وتداعياتها الامنية والسياسية كان لا بد من أن يعيد “خربطة” روزنانة الاستقرار التي كان يأمل اللبنانيون تطبيقها لتدعيم فرص صمود الاقتصاد ونموه والخروج تدريجا من الانهيار الذي اصابه.

عاش اللبنانيون صيفا واعدا جدا، وحققت القطاعات السياحية اكثر مما كانت تأمل، وعاكست ما تعد به الظروف الاقتصادية والسياسية التي تتسبب بها حالة الشغور الرئاسي والحكومي واختلال التوازنات السياسية في البلاد، فما حققته القطاعات الفندقية والمطعمية فتح شهية القطاع برمته على اعادة جدولة وبرمجة أنشطته واسعاره بما يكفل اعادة الكرّة والنجاح في فترة الاعياد و السياحة الشتوية.
لكن حسابات حقل القطاع لم تتطابق مع بيدر السياسة وتشابكها مع أزمات الاقليم، فأتت حرب غزة لتعيد تشكيل المشهد الشتوي على صورة سلبية حتى الآن، فيما التمني ألّا تتطور الامور أكثر في ما لو أُدخِل لبنان في نار غزة، وتمدد الخراب الى حيث لا قدرة على تحمّله، إذذاك لن تكون السياحة وحدها الضحية، بل كل القطاعات ستنضوي في مجزرة اقتصادية لا أحد يعرف حجم الضرر والمهالك التي قد تصيبها.
دخل لبنان الحرب، أو لم يدخل، يبقى لهيب النار المندلعة عند تخومه والاشتباكات “الممسوكة” عند حدوده الجنوبية يلفحان الاستقرار فيه بهبّات ساخنة تزيد حجم الضرر والتكاليف التي سيتكبدها الاقتصاد في مختلف نشاطاته. فها هو الغاء حجوزات الطيران قد بدأت، ومعها الحجوزات في الفنادق والمنتجعات، فيما ارتفعت تكاليف النقل والتأمين حيث بدأت شركات التأمين تطبّق التسعيرات التي تُعتمد في مناطق الحروب، لكن أقسى ما قد يصيب الاقتصاد هو فقدان الاستقرار النقدي الذي ينعم به لبنان منذ شهور، والخوف الأكبر هو فقدان المورد الدولاري في حال برمجت غالبية المغتربين مواعيد عطلها المدرسية والميلادية ورأس السنة بعيدا عن لبنان. فما التحديات التي تنتظر لبنان، وهل يمكن أن تتطور الامور الاقتصادية الى ما قد لا تحمد عقباه؟
اذا كانت لجنة الأمن الغذائي في الهيئات الإقتصادية قد طمأنت الى ان المخزونات الغذائية بما فيها المستوردات من الخارج والقمح والدواجن واللحوم تكفي حتى نهاية العام، بيد ان ثمة تحدياً آخر قد يقلب المشهد، إذ أكد رئيس نقابة اصحاب السوبرماركت نبيل فهد لـ”النهار” أن شركات التأمين أوقفت تأميناتها على السفن الآتية الى لبنان، وقد أُبلِغ المستوردون أنهم في حال أرادوا شحن اي كميات من البضائع فإنها ستكون على مسؤوليتهم الشخصية، بما سيؤثر على اسعار السلع، خصوصا اذا ما اضفنا اليها عاملي ارتفاع كلفة النقل والبترول. ولكنه طمأن الى أنه حتى الآن كل الامور تسير وفق ما هو مخطط لها، وكل الشحنات التي طلبها المستوردون قبل بدء الحرب تصل تباعا من دون أي مشاكل تُذكر.
وفي انتظار ما قد تؤول اليه مجريات الحرب، يبدو أن القطاع السياحي كان أول من اصابته التطورات الاخيرة بمقتل، إذ ما ان بدأت الاعتداءات على غزة حتى شهد القطاع الغاء حجوزات بالجملة. ويؤكد نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر جان عبود لـ”النهار” أن نسبة الغاءات الحجوزات كبيرة لشهر تشرين الحالي وخصوصا من المجموعات السياحية من دول العالم كافة، وتحديدا من ايطاليا وبولونيا واسبانيا ودول البلقان والبلطيق، لافتا الى أن شهر ايلول شهد اقبالا كثيفا من هذه الدول.
وإذ أشار الى ان الحجوزات لفترة الاعياد بدأت تتأثر، أوضح عبود انه لا يمكن تقدير عدد الحجوزات التي الغيت، وأن ثمة ترددا كبيرا لدى كثيرين بالسفر في هذه الفترة، وتحديدا على خلفية التخوف من اشتداد حدة الحرب وأثرها على امكان اقفال المطار.
وعادة ما تعمد شركة طيران الشرق الاوسط “الميدل ايست” الى اتخاذ إجراءات احترازية لإجلاء طائراتها من مطار رفيق الحريري الدولي إلى دول آمنة منها قبرص وتركيا وغيرهما من الدول، بيد أنه “حتى الآن، لم تقرر الشركة اجلاء طائراتها إلى أي دولة، ولا تزال تعمل حاليا وفق الجدول المعتمد”.
وأكدت مصادر الشركة لـ”النهار” أنّه “في حال تعديل الجدول بناء على تطورات الحرب، ستكون قبرص الوجهة الأولى للطائرات اللبنانية”، موضحة أنّه “حتى الآن لم تبلغ الشركة طياريها بأي إجراءات”.
أمّا بالنسبة الى الطائرات الخمس التي أجلتها الشركة إلى تركيا من أصل الـ24 طائرة التي تملكها، فإنها “تندرج في إطار الجدول الذي تعتمده في نهاية الموسم (Low season)، إذ لا حاجة لاستخدامها في خارج موسم الذروة”، بحسب ما أكدت المصادر.
وهذا الامر أكده عبود، موضحا ان لدى كل شركات الطيران تدابير احترازية (خطة أ وخطة ب)، ووضع طائرات خارج الخدمة هو امر طبيعي في نهاية كل موسم سياحي ومع تقلص عدد الرحلات الجوية، مع الاخذ في الاعتبار أنه في الايام العادية توضع هذه الطائرات بمكان ما في مطار بيروت، ولكن مع اشتداد التوتر أجليت الطائرات الى تركيا تحسباً لأي طارىء.
الفنادق
لا تقتصر الخسائر على الصعيد السياحي فقط، فقد “تكبد لبنان حتى الآن خسائر اقتصادية ملحوظة على كل الصعد، خصوصا في ظل التخبط الامني الذي كان يعاني منه لبنان بسبب أحداث الكحالة واحداث عين الحلوة”، وفق ما يقول نقيب أصحاب الفنادق بيار الاشقر. بالنسبة الى القطاع السياحي، وتحديدا بعد اعلان الحرب على قطاع غزة، يؤكد الاشقر أن “الغاء الحجوزات لا يقتصر عصلى السياح والمجموعات السياحية، إذ يتعذر حتى قدوم المغتربين اللبنانيين على خلفية الوضع الأمني الراهن، وخصوصا بعد التطورات التي تشهدها حدود لبنان الجنوبية والحرب على غزة، ناهيك عن التحذيرات التي أطلقتها دول عدة حيال عدم السفر الى لبنان واخذ الحيطة والحذر في حال التواجد فيه”.
ويضيف أن “الموسم السياحي في الصيف كان جيدا، الا انه سرعان ما تراجع مع حلول الخريف، وهذا الواقع ليس على مستوى لبنان فحسب بل على المستوى الإقليمي، اذ ان دولا محاذية للبنان تعاني من الواقع عينه كالأردن مثلا حيث يغادر السياح الى بلادهم على خلفية ما يحصل من توترات في المنطقة حاليا”.
وفي السياق، يلفت الاشقر الى أن ثمة شركات عالمية طلبت من مندوبيها عدم القدوم الى لبنان، ريثما تتضح الصورة الأمنية والسياسية فيه، فيما تم تأجيل نحو 3 مؤتمرات اقليمية كان يفترض اقامتها في لبنان في هذه الفترة الى أجل غير مسمى. وأمام هذا الواقع، يؤكد الاشقر أن لبنان “خسر الموسم السياحي الخريفي، في انتظار ما ستؤول اليه الامور قبل بدء الموسم الشتوي، علما أن سياحة رجال الاعمال والمؤتمرات قد تتعافى سريعا مع عودة الأمور الى طبيعتها”.
وفيما تغيب الاحصاءات الدقيقة حتى الآن عن نسبة الحجوزات أو حتى الخسائر، إذ ان هناك قسما كبيرا من اللبنانيين القادمين يدخلون بجوازات سفر أجنبية بسبب أزمة تجديد جوازات السفر اللبنانية، وفق الاشقر الذي يضيف: “يمكن القول إن حركة الحجوزات توقفت بشكل شبه تام، وألغي الكثير من الرحلات وخصوصا رحلات السياحة الدينية. وانطلاقا من ذلك فإن السياحة اليوم في حال ترقب قبل عودتها الى السكة الصحيحة اذ ما تحسنت الأوضاع الأمنية و السياسية”. أما بالنسبة الى الخسائر التي يمكن ان يتكبدها القطاع الفندقي، فيقول الاشقر: “القطاع بدأ في مرحلة الخسائر، وبدأ يصرف من ارباحه التي جناها من موسم الصيف”.
ماذا عن الخسائر الاقتصادية التي تكبدها لبنان أو تلك التي يمكن تكبدها في حال طال أمد الحرب؟ لا يحبذ الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين الدخول في تفاصيل الخسائر الاقتصادية، “فالاقتصاد اللبناني في حال خسارة منذ بدء الازمة في 2019، وتاليا فإن ما اصاب الاقتصاد جراء الفساد والاستغلال وسوء الادارة المالية والنقدية والمصرفية أوصلنا الى ما وصلنا اليه. فلبنان الذي اصبح لديه القدرة للتعايش مع الازمات الداخلية والخارجية، يعيش حاليا في مرحلة لا نمو أو تقدم على صعيد الاصلاحات، فيما المسؤولون فيه لا يزالون يعتمدون على الاستشارات الخارجية (صندوق النقد) التي لعبت دورا مهما في الانهيار”.
واعتبر أن “الموضوع لا يرتبط بالخسائر، إذ إن مرافقنا لا تزال تعمل بشكل طبيعي، وما يمكن أن يؤثر علينا هو اذا ما تطورت مجريات الحرب لتطاول الداخل اللبناني فتتوقف حركة المرافىء والاستيراد، بما قد يدخلنا في خطر عدم القدرة على استيراد القمح والمواد الاساسية والمحروقات. لكن حتى الآن فإن مخزون البلاد من القمح والمواد الغذائية يكفي لأكثر من شهرين، وتاليا فإننا لسنا بقلب العاصفة. لكن المشهد قد ينقلب في حال توسعت الحرب، وهنا يجب التوجه الى تجار الازمات للتخفيف من استغلال هذه الحرب وعدم رفع الاسعار كما هو حاصل حاليا”، لافتا الى ان “اقرار الضريبة التصاعدية قد يلجم ارتفاع الاسعار والجشع عند التجار، ويمكن أن ترفد الخزينة بأكثر من 600 مليون دولار سنويا”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار