لم نشهد مزيداً من انهيار الليرة ولم تتدحرج إلى مستويات أدنى، ولم “يُجنّ جنون الدولار” ولم نشهد تفلُّتاً في سوق الصرف، كما تخوّف كثيرون، على الرغم من أن منصة صيرفة باتت عملياً خارج الخدمة. فالدولار يحافظ على مستوياته ما دون الـ90.000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، والاستقرار في سوق الصرف مستمرّ، بالرغم من كل الهزّات الأمنية والسياسية والمالية. فهل يمكن التفاؤل بحلول تحفظ الاستقرار النقدي في المرحلة المقبلة؟
رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، يعتبر، أن “الحكومة اللبنانية تتحمَّل جزءاً كبيراً من المسؤولية في الأزمة، بسبب سوء الإدارة المالية للدولة، أي السياسات المالية التي اتُّبعت خلال السنوات الماضية”.
مارديني يوضح، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أننا “اليوم بصدد الحديث عن الموازنة العامة للعام 2023، مع عجز بنحو 34 تريليون ليرة لبنانية، بالتالي هذا العجز يجب أن يتمّ تمويله”، لافتاً إلى أن “لا أحد يموِّل الحكومة لأن المصارف اللبنانية بحاجة لمن يعطيها أموال، وبالتأكيد هي غير قادرة على منح قروض للحكومة”.
يضيف: “التمويل متعذّر أيضاً من المصارف العالمية منذ تخلّفنا عن سداد ديوننا وسندات اليوروبوند. لذلك، لو قامت الحكومة اللبنانية بمعالجة مشاكلها المالية وأصبح لديها توازن في الموازنة العامة، لما كان هناك من داعٍ للدخول في هذه المعمعة والبحث عن مصدر تستدين منه. بالتالي، جزء كبير من الأزمة تتحمّله الحكومة بسياساتها المالية”.
مارديني يبدو متوافقاً مع قرار حاكم مصرف لبنان بالوكالة وسيم منصوري، برفض الموافقة على طلب الحكومة الاستدانة من البنك المركزي، إذ يقول إن “المصرف المركزي لديه مسؤولية بإرشاد الحكومة إلى الطريق الصحيح، من خلال القول لها مباشرة، لن أديِّنك بعد اليوم، فباشري بالإصلاحات وحقِّقي توازناً في الموازنة العامة”، معتبراً أنه “طالما الحكومة لديها اعتقاد بأن المصرف المركزي يمكن أن يستمر بتديينها، لن تقوم بأي إصلاحات”.
مارديني يؤكد، أن “ما يعتبره البعض استقراراً حققته منصة صيرفة في سعر الصرف، هو مؤقت وغير مستدام وكلفته عالية، ولم يكن أفضل طريقة لتحقيق الاستقرار، ففي النهاية ستنفد الدولارات التي تستنزف من الاحتياطي. والدليل على ذلك تقرير البنك الدولي الأخير الذي قدَّر خسائر مصرف لبنان بـ2.5 مليار دولار عبر صيرفة، منذ أنشأها الحاكم السابق رياض سلامة، أي أكبر من مجمل النفقات العامة مجتمعة”.
لذلك، “منصة صيرفة ليست الوسيلة الأفضل للتدخل في السوق”، وفق مارديني، موضحاً أن “ما كان يحصل، هو قيام مصرف لبنان بطباعة الليرات وإعطائها للحكومة لدفع معاشات ورواتب القطاع العام، وفي الوقت ذاته يقول للموظفين أعيدوا إليّ هذه الليرات وخذوا دولارات بدلاً عنها. أي كأن البنك المركزي يدعس على دوّاستَي البنزين والفرامل في نفس الوقت، (بنزين من خلال ضخّ الليرة في السوق، وفرامل بعودته إلى سحب الليرة عن طريق شرائها بالدولار عبر صيرفة)”.
المعادلة بسيطة بالنسبة لمارديني، “فإذا كان المصرف المركزي لا يريد العودة إلى سحب تلك الليرات من السوق وخسارة دولارات من الاحتياطي عبر صيرفة، لا داعيَ لضخ تلك الليرات في السوق من الأساس”.
مارديني يجزم، بأنه “إذا أوقف البنك المركزي طباعة الليرة اليوم، وإذا أعلن منصوري بشكل قاطع أن الكتلة النقدية البالغة في السوق حالياً نحو 60 تريليون ليرة ستُجمَّد عند هذا الحدّ ولن نقوم بطباعة أي ليرة بالزائد، فأنا أؤكد أن الليرة، لا تتوقف عن الانهيار فقط، بل حتى يمكن أن تتحسَّن. بالتالي، الأساس لضبط سعر صرف الليرة مقابل الدولار هو وقف طباعتها، لأنه عندما نطبع ليرات وتصل إلى أيادي الناس يقومون فوراً بطلب استبدالها بالدولار ويتهافتون على شرائه ما يتسبَّب برفع سعره”.