ما إن صدر تقرير شركة “ألفاريز ومارسال” حتى بدأت السهام تصوّب على الحاكم السابق لمصرف لبنان، لكونه أنفق ما أنفق من أموال المودعين بالدولار وبالليرة اللبنانية على سياسيين وموظفين وجمعيات ومؤسسات إعلامية واجتماعية. في المقابل يعتبر المدافعون عنه أن تقرير التدقيق الجنائي لم يكشف جديداً يدين “ارتكابات” سلامة، بل على العكس، ربما أعطى صك براءة له، على اعتبار أن كل ما ذكره عن أعمال مصرف لبنان هو إما “سوء إدارة” misconduct أو أن الحاكم “لم يتبع معايير الحوكمة” governance، أو أنه كان “يفتقر الى الشفافية” أو أن “أرقامه غير معلنة”، وما الى ذلك من عبارات مشابهة لا ترتقي الى توصيف ارتكاب أي جرم أو احتيال مقصود أو تزوير مع نية مسبقة، ولا حتى الشك في ذلك، وخلصوا الى أن “التقرير الجنائي كلف الدولة اللبنانية ما يناهز 3.5 ملايين “فريش دولار” من ودائع الناس، ولكنه جاء مخيّباً بشكل مدروس ومقصود”. علما ان هذا الكلام غير صحيح اطلاقا اذ ان التقرير كشف خيوطا يمكن ان تقود الى توسع في التحقيق والكشف عن متورطين اضافيين.
ووفق المدافعين عنه – حتى اليوم- انه في تفاصيل التقرير أن الميزانية التي ينشرها مصرف لبنان مبنيّة على “نظام محاسبي خاص وغير تقليدي”، ولا يتناسب مع معظم المعايير المحاسبية العالمية التي تعتمدها معظم المصارف المركزية في العالم، حيث يسجل مصرف لبنان مثلاً سندات “يوروبوندز” التي يحملها بقيمتها الاسمية أي 5 مليارات دولار، فيما لا تتجاوز قيمتها الفعلية 320 مليون دولار. ولكن تجدر الإشارة الى أن مصرف لبنان كان يكرر دائماً أن الاحتياطي الصافي بالعملات الأجنبية لديه هو نحو 9 مليارات دولار، ولا يدخل سندات اليوروبوندز في الاحتياطي الصافي من العملات الاجنبية. وفيما تحدث التقرير عن أن الطريقة المحاسبية التي اعتمدها مصرف لبنان لم تظهر الخسائر الفعلية في الفترة ما بين 2015 الى 2020، أشار كذلك الى أن بعض المصارف المركزية تسجل في ميزانيتها خسائر مستقبلية، ولكن لفترات محدودة وليس لمدة طويلة، منتقداً عدم وجود مديرية متخصصة في المصرف لإدارة المخاطر، وهو ما بدأت تعتمده العديد من المصارف المركزية العالمية منذ فترة.
بحسب تقرير “ألفاريز”، فإن كلفة الهندسات المالية بلغت 115 تريليون ليرة بين عام 2015 وعام 2020 أي ما يوازي 7.6 مليارات دولار على السعر الرسمي الحالي أي 15 ألف ليرة لكل دولار (بينما تكون الكلفة 76 مليار دولار على سعر 1500 ليرة)، فيما قدّرها مصرف لبنان بـ5.6 مليارات دولار على سعر 15 ألف ليرة، علماً بأن هذه المبالغ كانت خاضعة للضريبة بنسبة 17%. مع الإشارة الى أن أموال الهندسة المالية لم تقبض جميعها فوراً، بل كان ثمة تقسيط لها فقُبضت بعض الأموال في عام 2020 بالليرة اللبنانية عندما كان سعر الصرف يوازي نحو 10 آلاف ليرة، فيما عمدت “ألفاريز” الى احتسابها على سعر صرف 1500 ليرة.
ووفق التقرير فقد بلغت التحويلات لحساب شركة “فوري” 333 مليون دولار، علماً بأن “ألفاريز” أشارت الى أنها اطلعت على العقد الموقع بين مصرف لبنان ممثلاً بحاكمه و”فوري”، وذلك بعدما وافق المجلس المركزي لمصرف لبنان على التعاقد معها لتسويق سندات وشهادات إيداع مقابل عمولة 3/8 بالألف. ولكن التقرير أبدى شكوكه في أن العمولة الخاصة بـ”فوري” التي قدرت قيمتها بـ111 مليون دولار هي تحويلات غير شرعية. وهذا الموضوع هو أمام القضاء الأوروبي والمحلي وسبب أساسي لملاحقة الحاكم.
الى ذلك، خصص التقرير قسماً عن حسابات الحاكم السابق لدى مصرف لبنان، إذ تبيّن الأرقام أن مجموع هذه الحسابات هو 98 مليون دولار، منها 1.5 مليون دولار رواتب، والبقية هي شيكات دخلت في حسابه الشخصي. وقد استثمر الحاكم السابق سلامة جزءاً من هذه الأموال في سندات مالية خارج لبنان.
ووفق تقرير “ألفاريز”، أظهرت محاضر المجلس المركزي أن حاكم المصرف المركزي كان المسيطر على القرارات، وكان أعضاء المجلس المركزي من نواب حاكم والمدير العام لوزارة المال في حينه آلان بيفاني والمديرة العامة لوزارة الاقتصاد عليا عباس موافقين على القرارات كافة التي صدرت عن المجلس المركزي دون تسجيل أي اعتراض، والموافقة تشمل الهندسة المالية. وكذلك لم يعترض مفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان على أي قرار للمجلس المركزي، بما فيها الهندسات المالية. لكن التقرير لحظ انه منذ العام 2020 بدأ اعتراض المجلس المركزي على سياسات سلامه، وتقدم المعترضين الحاكم بالانابة حاليا وسيم منصوري.
يشار في هذا السياق الى أن قانون النقد والتسليف يعطي الحاكم كامل الصلاحيات في إدارة المصرف المركزي، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي، إلا أن اعتراض 3 أعضاء يوقف أي قرار يمكن أن يتخذه المجلس المركزي ويمنع صدوره، وهذا ما لم يحصل.
أظهر التقرير أن مصرف لبنان اشترى لوحات زيتية لرسامين وفنانين بقيمة 2.7 مليون دولار بموافقة المجلس المركزي، تُعرض في متحف لمصرف لبنان خاص بلوحات لفنانين لبنانيين. كذلك أشار الى أن مصرف لبنان قدّم مساعدات وهبات لعدد من المؤسسات والجمعيات والأفراد ومنهم الوزيرة السابقة بهية الحريري ومؤسسة الإمام الصدر، ولجنة مهرجانات صور ومهرجانات غوسطا وصحيفة الشرق وشركة ICE وشركة الاقتصاد والأعمال، كما كان راعياً لماراتون بيروت وداعماً للمهرجانات السياحية في بعلبك وصور ومؤتمرات اقتصادية وغيرها ومساعدات لبعض الجمعيات الخيرية المعروفة. وفيما قُدّرت قيمة هذه المساعدات والهبات بنحو 7.6 ملايين دولار، يبرّر مصرف لبنان هذه الرعايات والهبات كجزء من المسؤولية الاجتماعية للمصرف.
إلا أن ما أظهره التقرير بوضوح، ولم تتم الاضاءة عليه بشكل كافٍ هو أن نفقات الدولة بالدولار الأميركي التي تم تحويلها الى الخارج ما بين 2010 و2021 بلغت نحو 48 مليار دولار. وقد سدّد مصرف لبنان – من دون اي اعتراض لحاكمه ولمجلسه- هذه التحويلات الخارجية، نصف هذه التحويلات أي نحو 25 مليار دولار سدّد كثمن فيول للكهرباء (20 مليار دولار) وتحويلات لوزارة الطاقة (5 مليارات دولار)، والجزء الباقي كان لدعم السلع والمحروقات والمستوردات الغذائية والأدوية الذي أقرته حكومة حسان دياب بعد إعلان التخلف عن الدفع (كلفة الدعم نحو 8 مليارات دولار) و7.5 مليارات دولار لتغطية عجز اليوروبوندز. وتالياً، استُخدم 48 مليار دولار من احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، أي من أموال المودعين، (وهنا الخطيئة المميتة لانه لم يكن مؤتمنا على الودائع) لتمويل مصاريف الدولة اللبنانية الخارجية بالدولار الأميركي. وليس خافياً أن الدولة لم تكن تؤمّن نفقاتها بالعملة الصعبة من خلال اليوروبوندز، بل من احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية ولا سيما منذ عام 2010. وفي السياق، سبق لمجلس شورى الدولة أن قبل المراجعة المقدمة من جمعية مصارف لبنان على خلفية قيام الدولة بمصادرة ودائع المصارف لدى مصرف لبنان والتصرّف بها وتملكها ما بين 2010 و2021 من دون الإعلان عن ذلك في حينه.
هذا بعض ما جاء في التقرير، ويدل على مسؤولية الدولة اللبنانية، ومصرف لبنان وحاكمه، والمصارف عن الانهيار والأزمة المالية. الجميع مسؤول ودون استثناء ولو بنسب متفاوتة. ولكن يبقى السؤال: ماذا بعد تقرير “ألفاريز”… هل ستبدأ المحاسبة الفعلية؟ وهل سيُطبّق القانون الصادر عن مجلس النواب بإجراء تدقيق جنائي في الإدارات العامة وفي مقدمها وزارة الطاقة وكهرباء لبنان، ووزارة الاتصالات، والصناديق… أم كما هو متوقع، سيقفل الملف عند مصرف لبنان، فيما سيحمي السياسيون أنفسهم مجدداً بالهروب من أي تدقيق في الوزارات والإدارات العامة منعاً لإدانة المرتكبين وحمايةً لهم؟
ووفق التقرير فقد بلغت التحويلات لحساب شركة “فوري” 333 مليون دولار، علماً بأن “ألفاريز” أشارت الى أنها اطلعت على العقد الموقع بين مصرف لبنان ممثلاً بحاكمه و”فوري”، وذلك بعدما وافق المجلس المركزي لمصرف لبنان على التعاقد معها لتسويق سندات وشهادات إيداع مقابل عمولة 3/8 بالألف. ولكن التقرير أبدى شكوكه في أن العمولة الخاصة بـ”فوري” التي قدرت قيمتها بـ111 مليون دولار هي تحويلات غير شرعية. وهذا الموضوع هو أمام القضاء الأوروبي والمحلي وسبب أساسي لملاحقة الحاكم.
الى ذلك، خصص التقرير قسماً عن حسابات الحاكم السابق لدى مصرف لبنان، إذ تبيّن الأرقام أن مجموع هذه الحسابات هو 98 مليون دولار، منها 1.5 مليون دولار رواتب، والبقية هي شيكات دخلت في حسابه الشخصي. وقد استثمر الحاكم السابق سلامة جزءاً من هذه الأموال في سندات مالية خارج لبنان.
ووفق تقرير “ألفاريز”، أظهرت محاضر المجلس المركزي أن حاكم المصرف المركزي كان المسيطر على القرارات، وكان أعضاء المجلس المركزي من نواب حاكم والمدير العام لوزارة المال في حينه آلان بيفاني والمديرة العامة لوزارة الاقتصاد عليا عباس موافقين على القرارات كافة التي صدرت عن المجلس المركزي دون تسجيل أي اعتراض، والموافقة تشمل الهندسة المالية. وكذلك لم يعترض مفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان على أي قرار للمجلس المركزي، بما فيها الهندسات المالية. لكن التقرير لحظ انه منذ العام 2020 بدأ اعتراض المجلس المركزي على سياسات سلامه، وتقدم المعترضين الحاكم بالانابة حاليا وسيم منصوري.
يشار في هذا السياق الى أن قانون النقد والتسليف يعطي الحاكم كامل الصلاحيات في إدارة المصرف المركزي، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي، إلا أن اعتراض 3 أعضاء يوقف أي قرار يمكن أن يتخذه المجلس المركزي ويمنع صدوره، وهذا ما لم يحصل.
أظهر التقرير أن مصرف لبنان اشترى لوحات زيتية لرسامين وفنانين بقيمة 2.7 مليون دولار بموافقة المجلس المركزي، تُعرض في متحف لمصرف لبنان خاص بلوحات لفنانين لبنانيين. كذلك أشار الى أن مصرف لبنان قدّم مساعدات وهبات لعدد من المؤسسات والجمعيات والأفراد ومنهم الوزيرة السابقة بهية الحريري ومؤسسة الإمام الصدر، ولجنة مهرجانات صور ومهرجانات غوسطا وصحيفة الشرق وشركة ICE وشركة الاقتصاد والأعمال، كما كان راعياً لماراتون بيروت وداعماً للمهرجانات السياحية في بعلبك وصور ومؤتمرات اقتصادية وغيرها ومساعدات لبعض الجمعيات الخيرية المعروفة. وفيما قُدّرت قيمة هذه المساعدات والهبات بنحو 7.6 ملايين دولار، يبرّر مصرف لبنان هذه الرعايات والهبات كجزء من المسؤولية الاجتماعية للمصرف.
إلا أن ما أظهره التقرير بوضوح، ولم تتم الاضاءة عليه بشكل كافٍ هو أن نفقات الدولة بالدولار الأميركي التي تم تحويلها الى الخارج ما بين 2010 و2021 بلغت نحو 48 مليار دولار. وقد سدّد مصرف لبنان – من دون اي اعتراض لحاكمه ولمجلسه- هذه التحويلات الخارجية، نصف هذه التحويلات أي نحو 25 مليار دولار سدّد كثمن فيول للكهرباء (20 مليار دولار) وتحويلات لوزارة الطاقة (5 مليارات دولار)، والجزء الباقي كان لدعم السلع والمحروقات والمستوردات الغذائية والأدوية الذي أقرته حكومة حسان دياب بعد إعلان التخلف عن الدفع (كلفة الدعم نحو 8 مليارات دولار) و7.5 مليارات دولار لتغطية عجز اليوروبوندز. وتالياً، استُخدم 48 مليار دولار من احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، أي من أموال المودعين، (وهنا الخطيئة المميتة لانه لم يكن مؤتمنا على الودائع) لتمويل مصاريف الدولة اللبنانية الخارجية بالدولار الأميركي. وليس خافياً أن الدولة لم تكن تؤمّن نفقاتها بالعملة الصعبة من خلال اليوروبوندز، بل من احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية ولا سيما منذ عام 2010. وفي السياق، سبق لمجلس شورى الدولة أن قبل المراجعة المقدمة من جمعية مصارف لبنان على خلفية قيام الدولة بمصادرة ودائع المصارف لدى مصرف لبنان والتصرّف بها وتملكها ما بين 2010 و2021 من دون الإعلان عن ذلك في حينه.
هذا بعض ما جاء في التقرير، ويدل على مسؤولية الدولة اللبنانية، ومصرف لبنان وحاكمه، والمصارف عن الانهيار والأزمة المالية. الجميع مسؤول ودون استثناء ولو بنسب متفاوتة. ولكن يبقى السؤال: ماذا بعد تقرير “ألفاريز”… هل ستبدأ المحاسبة الفعلية؟ وهل سيُطبّق القانون الصادر عن مجلس النواب بإجراء تدقيق جنائي في الإدارات العامة وفي مقدمها وزارة الطاقة وكهرباء لبنان، ووزارة الاتصالات، والصناديق… أم كما هو متوقع، سيقفل الملف عند مصرف لبنان، فيما سيحمي السياسيون أنفسهم مجدداً بالهروب من أي تدقيق في الوزارات والإدارات العامة منعاً لإدانة المرتكبين وحمايةً لهم؟